27 فبراير 2019

أيّتام مخيمات الأردن

من الإغاثة إلى التعبئة

من الإغاثة إلى التعبئة

وُجِدَت بدايةَ السّبعينيات من القرن الماضي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردنّ مجموعاتُ شبابٍ يعملون على رعاية أبناء الشّهداء والأيتام، ولاحقاً وسّعت هذه المجموعات عملَها لتشمل كذلك الأطفال المعوزين؛ ذكوراً وإناثاً. بعد 45 عاماً على بداية هذا العمل التطوعيّ، ترسخّت قوانينُهُ الخاصّة، كما صارتْ له دائرةٌ مكتملةٌ؛ ورِث فيها أيتامُ الماضي العملَ، وصاروا منخرطين في العمل مع أيتامٍ آخرين.

لم يكن العمل، كما قد يبدو للوهلة الأولى، إغاثيّاً أو إنسانيّاً، كما درجت عليه أنشطةُ الكثير من المنظمات الدوليّة في سياق المخيّمات واللجوء، إنّما كان الهدف "بناء أجيالٍ منضبطةٍ وواعيةٍ بقضيتها، إلى جانب توفير حياةٍ كريمةٍ لهم على حدٍ سواء"، كما قال أحد المشاركين فيه عبد الكريم الدسوقي.

1973-1982: التأسيس وتعديل النمط

مع بداية عقد السّبعينيّات من القرن الماضي بدت النظرةُ بين أوساط اللاجئين الفلسطينيين في مخيّمات الأردن تجاه مفهوم الهجرة المؤقتة والعودة القريبة تنسحبُ شيئاً فشيئاً. حينها بدأت وكالةُ غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بين الأعوام 1969-1971  باستبدال الخيام بمساكن مُسبَقة البناء داخل المخيّمات، وبدأ اللاجئون أنفسهم ببناء مساكن اسمنتيّة بديلة عن الخيام. وهكذا، كانت الحياة تأخذ منحى آخر كلّما ابتعد الزمنُ عن يونيو/ حزيران 1967.

بموازاة ذلك، دخلت الكثير من المنظمات الدوليّة على خطّ العمل الاجتماعيّ داخل المخيّمات، وكان الأطفال مركز اهتمام أنشطتها؛ بسبب سوء التّغذية، ونقص المياه، والبيئة غير الصّحيّة التي يعيشونها داخل المخيّم. من بين تلك المنظمات جمعية الشّبان المسيحيّة التي أقامت مخيّماً صيفيّاً -معسكراً- للأطفال الأيتام عام 1973، بالتعاون مع قسم التنمية الاجتماعيّة في الأونروا، وذلك في بلدة عنجرة في عجلون.

قدّم المخيّم حينها برنامجاً ترفيهيّاً للأطفال الأيتام، بالإضافة إلى توفيره كسوة العيد لهم قبل العيدين، والقرطاسيّة قبل بدء العام الدراسيّ. بعدها بسنة أقامت جمعيّة الشّبان المسيحيّة وبالتعاون مع الأونروا مخيّماً آخر في كلية تدريب عمان-ناعور. تواصلت المخيّماتُ عاماً بعد عام، بهذا النمط الترفيهيّ الترويحيّ، واشترك فيها أيتامٌ من المخيّمات الفلسطينيّة المختلفة، بواقع 10 أطفال من الأيتام وأبناء الشّهداء من كلّ مخيّم، يُشرفُ عليهم قادةُ عملٍ أغلبهم من المخيّمات كذلك.

خالد عوض، استشهد والده شمال فلسطين عام 1969، وهو من مخيّم الحصن شمال الأردن، شارك في المخيم الصّيفيّ في دورته عام 1977 بعد أن أنهى الصّف الأول الابتدائي. يقول عوض عن مشاركته: "كنّا نستنى الباص ييجي يوخذنا من المخيّم، هون ما بتعرف غير الجيران، بينما في المخيّم الصيفيّ بنتعرّف على ناس لاجئين من مختلف المدن والقرى، المخيّم الصيفيّ وطن، عنجد كان عبارة عن وطن".

في تلك السّنوات، اتركز برنامج المخيّم الصيفيّ على توفير برامج ترفيهيّة للأطفال مثل حفلات سمر ليليّة، وبرامج رياضيّة، بالإضافة إلى عررض أفلام قديمة، ورحلات مسيرٍ على الأقدام.

ولكن العمل المُستَلْهَم في طريقته من طريقة المخيّمات الكشفيّة تطوّر، وأُدخِلت عليه مع الزمن تعديلاتٌ تتناسب مع طبيعة العمل مع هذه الفئة من الأيتام، وأُضيفت في كل سنة برامج جديدة، إلى أن أُدرِجَ فيه برنامجٌ وطنيّ تثقيفيّ.

في صورته الأخيرة تقريباً، يقوم تقسيم المخيّم الصيفيّ على وجود فتيان أيتام مشاركين من عمر 6 -13 سنةً، يكون فوقهم في الهرم المُساعد، وهو متطوّعٌ عمره بين 14-16 سنةً يقوم بأعمال المخيّم من توفير الطعام والتنظيف، والمشاركة في إعداد تجهيزات البرامج، ومساعدة المرشد. يأتي مسؤولاً عن المساعد المُرشدُ وعمره ما بين 17-18 سنةً، وتكون مسؤوليته التواصل مع الفتى اليتيم ضمن مجموعة، والإشراف على تسيير شؤونه في المخيّم. أما المُشرَف فهو الشّخص المناط به تنفيذ البرنامج بكافة مستوياته؛ الثقافيّة، والتّرفيهيّة، والرياضيّة. بين هذه التقسيمات تقع الكثير من المهمات مثل أمين المستودع، ومدير العلاقات العامّة والطّاهي الرئيسيّ.

حول ذلك يقول عبد الكريم الدسوقي، وهو قائد كشفيّ شارك في تنظيم هذه المخيمات الصّيفيّة منذ بداياتها: ""هذه التقسيمات إجت تلقائي، شو احتياجاتك، بدي مرشدين، والمرشدين بدهم مساعدين، وهؤلاء بدهم مشرفي برامج، هذه فكرة مجموعة وليس فرد، وجدت في 74 أو 75، كان الأساس كشفيًاً، وبعدها جرى تعديل الصرخات والتقسيمات في هيكلة هذه الفعاليات".

يخبرنا الدسوقي أنّه في نهاية كلّ دورة، كان يجري تقييم البرامج في المخيم الصيفيّ، وعلى إثر ذلك يجري التعديل في السّنة التي تليها: "دخّلنا برنامج الحاسوب بعرفش متى، بس كان بدري، جبنا فرقة موسيقية مثل فرقة بلدنا، وكان إبراهيم نصرالله يلقي قصائد، وكان في فرقة الرايات الموسيقيّة منهم وضاح زقطان وكمال خليل  في 1979، تفادينا بعض السلبيات، وبعدها أشركنا الزهرات (اليتيمات) يا 79 يا 80، صار المخيّم الصيفي فيه ذكور وإناث".

1982-1994: ولادة اللجان، وبداية الأسئلة الكبرى

في العام 1982 بدأ قادةُ العمل في المخيّم الصّيفيّ، وهم من أبناء المخيّمات الفلسطينيّة، بالتفكير في إنشاء لجانِ فتيانٍ أيتامٍ داخل مخيماتهم. كانت اللجنة الأولى التي أُسست، لجنة أيتام مخيّم البقعة سنة 1982. أَسَسَّ بعدها الدسوقي في أغسطس/ آب 1984 لجنةً للأيتام في نادي الجليل/ مخيّم إربد، وفي نفس العام 1984 أسسّت مجموعةٌ من الشباب الجامعيّين لجنةَ الأيتام في مخيّم الحصن.

صار الارتباط والتواصل مع اليتيم على مدار السّنة من خلال هذه اللجان؛ إذ يقوم عملها على إعداد برامج ثقافيّةٍ ووطنيّةٍ ورياضيّةٍ صبيحة كلّ يوم جمعة؛ يبدأ النشاط بالإفطار، ومن ثم الوقوف على السّارية لتوزيع المجموعات على البرامج والألعاب، لتنتهي البرامج قبل الظهر.

من الجمعة إلى الجمعة، أي خلال الأسبوع لم تترك هذه اللجان الأطفال الأيتام، إذ كانت تجري مُتابعتهم في المدرسة والبيت وحتّى سلوكه في الشّارع من طرف مرشد المجموعة، "الشهادة كانوا يطلبوها منّا، كانوا يسألوا الوالدة، تخيّل، ويسألوها عن سلوكي"، يقول خالد عوض. قبل العيدين؛ الفطر والأضحى، كانت اللجان توّزع كسوةً للأيتام، وأحياناً تُقدّم لهم مساعداتٍ غذائيّة، وقبل الفصلين الدراسيّين تُوّزع عليهم القرطاسيّة، كما كانت اللجان تُنظّم خلال شهر رمضان إفطاراتٍ جماعيّة تجمع أيتام المخيّم.

وهكذا، يُرافق اليتيم طوال العام من قبل لجان الفتيان إلى أن يصل إلى نهاية العام الدراسيّ فينتقل للمشاركة في المخيّم الصيفيّ، الذي واصلت جمعية الشّبان المسيحيّة بالتعاون مع وكالة الغوث إقامته.

في العام 1985، وبمناسبة 100 عام على تأسيس جمعية الشّبان المسيحيّة، وبدعوةٍ منها ذهب الدسوقيّ (مخيّم إربد) وحسن عادل (مخيّم البقعة) إلى أميركا للمشاركة في إحدى المخيّمات. يقول الدسوقي: "أعجبتني بعض البرامج هناك، وأخذنا إلي بيناسبنا، دخلناه لهون، منها الكرنفال هو عبارة عن ألعاب مختلفة وهو يوم فرح في المخيم الصيفيّ للأيتام".

توالت الابتكارات في المخيّمات الصيفيّة، مثلاً على الصّعيد الإنسانيّ كان يُقدّم غذاء صحيّ متوازن في ظلّ عدم وجود حتى ماء نقيّ في مخيم اللاجئين، وكانت تُقدّم الرعاية الصحيّة مع التركيز على صقل شخصيّة الطفل ضمن الخصوصيّة النفسيّة لليتيم، بالإضافة إلى برنامجٍ وطنيٍّ يقوم على تذكير الأيتام بالمسائل الأساسيّة في القضيّة الفلسطينيّة. وهكذا، مع نهاية الثمانينيّات كان البرنامج المقدّم للأيتام في المخيّم الصيفيّ يحاول الموازنة بين الترفيه والتربية وبين بناء جيلٍ مُنضبطٍ وواعٍ بقضاياه بشكل واضحٍ.

1994-2000: بداية تخلي المنظمين عن المخيّم الصيفيّ السنويّ

في العام 1994 تقريباً ظهرت الخلافاتُ بين إدارة المخيّم الصيفيّ -أي جمعية الشّبان المسيحيّة- وبين قادة العمل المتطوعين الذين خرجوا من لجان الأيتام في مخيمات اللاجئين، إذ لم يبتعد حال هذا العمل والعاملين فيه عن المشهد السياسيّ العام الذي مرّت فيه القضيّة الفلسطينيّة.

يقول الطبيب شاهر هديب، وهو أحد الأيتام الذين تلقوا الخدمة في الثمانينيات كيتيمٍ، وصار مقدماً لها في الألفينيات: "كانت جمعية الشّبان المسيحيّة هي التي تختار مديراً للمخيم الصيفيّ، بلشت الإدارات الكلاسيكية تتبعثر لعدة أسباب بينها الخلاف السياسيّ؛ إدارة جمعية الشبان المسيحية كانت منسلخة عن هذا العمل الجديد الذي يقوم جزءٌ كبيرٌ منه على التعبئة والتوعية بالقضايا الوطنيّة، بالإضافة إلى تقديم الترفيه والرعاية لليتيم، وهنا بدأ تخليها عن المخيم الصيفيّ".

في مقابل ذلك، انتبهت منظمةُ التّحرير الفلسطينيّة في العام 1994 إلى هذا النشاط الضّخم؛ إذ صار عدد الأيتام في المخيّم الصّيفيّ بالمئات، ووصل العدد في كلِّ لجنةٍ داخل كل مخيّم للاجئين إلى مئة تقريباً، رافق ذلك تطويرٌ على منظومة العمل بشقيه؛ التعبويّ والخدميّ، مع قوانين صارمة وبرامج جادّةٍ باتت تأتي أوكلها على الأرض.

في تلك الفترة، كان أيتامٌ من الذين تلقوا الرعاية والتعبئة في لجان رعاية الأيتام في المخيمات قد دخلوا إلى الجامعات، ومنهم من ابتُعِثَ للدراسة في الخارج، وقد عادوا وبرز الكثير منهم في الفنون والرياضة والحياة السّياسيّة، وكان منهم من استلم الراية من الجيل الأوّل ودخل في هذا العمل وأصبح منخرطاً في رعاية الأيتام، منهم خالد عوض المدرس في وزارة التربية والتعليم، والطبيب الجراح شاهر هديب اللذان استلما دوراً في إدارة لجان الأيتام وبعدها إدارة المخيّم الصيفيّ.

حاولت منظمةُ التّحرير الدخول على الخطّ، وجهزّت لمخيّمٍ صيفيٍّ عام 1994 في منطقة السخنة في الأردن، بالتزامن مع المخيّم الصّيفيّ التّاريخيّ الذي تُقيمه جمعية الشّبان المسيحيّة ووكالة الغوث، واستهدفت نفس الفئة، أيّ أيتام المخيمات. بنفس النشاطات والبرامج المقدمة لهم، استطاعوا استقطاب بعض العاملين في المخيم الصيفيّ الأصليّ مع الدفع لهم لقاء العمل، لكن الأمر فشل ولم يستمر المخيّم إلا لدورة أو دورتين فقط.

مع دخول العام 2000 كانت جمعية الشّبان المسيحية، ولأسبابٍ سياسيّة، تترك تنظيم المخيّم الصيفيّ الذي واظبت عليه منذ 1973 إلى غير رجعة. يبدو أنّه لم يكن من الممكن أن تواصل تلك الجمعية إشرافها في ظلّ تربيّة سياسيّة للأطفال، يقول شاهر هديب: "الوضع السياسيّ أكيد انعكس على هذا العمل، المخيم الصيفيّ أو المخيم كمخيّم صفّى عبء على المجتمع الدوليّ".

2000-2018: البديل والمراجعات

أوقف المخيم الصيفيّ عام 2000، بينما استمرت اللجانُ في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين بالعمل داخلها  في نشاط يوم الجمعة، والمتابعات اليوميّة للأيتام، وصارت أقرب إلى الأيتام يوميّاً. في 2004 بدأت جمعية رعاية اليتيم - حوض البقعة المؤسسة في 1994 بالتفكير بالعودة إلى المخيّم الصيفيّ وبدأت التحضيرات. حينها كان شاهر هديب قد عاد من دراسة الطّب في أوكرانيا (1993-2000)، وبدأ البحث مع أحد الشبان النشيطين من الجيل الثاني، وهو فادي عادل، وآخرين عن العلاقات القديمة سعياً لإعادة إحياء المخيم.

في العام 2004 قررت جمعية رعاية اليتيم تنظيم مخيّم شتويّ في العقبة لأبناء مخيمات اللاجئين، وبدأت التساؤلاتُ عن المخيّم الصيفيّ، ما المانع أن يرجع المخيّم الصيفيّ؟ في 2005 دخل عادل وهديب إدارة الجمعيّة، وكانت من باكورة الاقتراحات العودة بالمخيم الصيفيّ الأوّل بعد الانقطاع. يقول هديب: "بدأنا بالتوسع ودعوة جميع القائمين تاريخيّاً على المخيم، وبلشت الترتيبات، كانت السنة الأولى صعبة كثير، لكن أُقيم المخيّم الصيفيّ بالشراكة مع وكالة الغوث كحاضن مكانيّ للمخيم في كلية تدريب ناعور، لم يكن هناك مطعم مخصص للأولاد، كانوا بتغدوا بالساحة، والطبخ بغرفة صغيرة لكن كنا مصرين لننطلق".

هكذا، عاد المخيّم بمشاركة أغلب لجان الفتيان الأيتام في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، دون الداعمين التاريخيين مثل جمعية الشبان المسيحيّة.

حاول بعض قادة العمل إنجاز دراسات عن طبيعة هذا العمل بين الماضي والحاضر، مثلاً حاول الدكتور شاهر هديب، عمل دراسة مقارنة غير منشورة عن العمل في المخيّمات الصيفيّة منذ نشأتها، وتوصّل إلى وجود عدة مراحل، الأولى حيث كان قادة العمل في هذه المرحلة مطورين للبرامج الترفيهية ومختصّين بوضع أسس وبناء هيكل العمل، مؤمنين بالفكرة، لكن يعتمدون على المؤسسات الضخمة في الدعم مثل جمعية الشبان المسيحية.

تحت وقع هذه الدراسة والكثير من الأفكار حول ما يُمكن أن تؤول له الأمور من توقف المخيّم الصيفيّ الجديد بسبب التمويل، عملت جمعية رعاية اليتيم/ حوض البقعة على بناء منظومة تمويل لأنشطتها التي كان بينها إقامة المخيّم الصيفيّ؛ فاستثمرت في بناء مدرسةٍ خاصّةٍ، هي مدرسة السواعد في عين الباشا بالقرب من مخيّم البقعة، بالإضافة إلى توسيع نطاق العلاقات مع المتبرعين ورجال الأعمال.

في هذه الفترة، أي بعد 2005، انخرطت مجموعة من شباب المخيّمات في هذا العمل قادمين إليه من يأس العمل السياسيّ، إذ وجدوا فيه خطوةً أولى نحو حلم التحرير، عن طريق العمل على بناء الإنسان في المخيّم قبل كلّ شيء.

كان من بين هؤلاء الشّاب علاء العزّة الذي عاد من العراق حيث كان يدرس، وانخرط في العمل مع الأيتام والمخيّمات الصيفية عام 2006. يقول العزّة: "هذا العمل جزء من الرسالة الوطنيّة، تغيّير نمط الإغاثة، ونشتغل على الإنسان، لا يمكن الإيمان بفكر تحرري دون خلق الإنسان، بدك تشتغل على البنية المعرفيّة عند اليتيم، جوهر الإنسان هو المهمّ".

بعيداً عن الاستقطابات ومحاولات توظيف المخيّمات لصالح التيارات السياسية المختلفة، رسّخت جمعية رعاية الفتى اليتيم/حوض البقعة نفسها كوريثٍ لجمعية الشّبان المسيحيّة في إقامة المخيّم الصيفيّ، لكن مع تعديلات جوهريّة في إدارة العمل، لتتجاوز مسألة الارتهان للمموّل أو المنظم،وتحافظ على الشقّ التعبويّ إلى جانب الخدميّ.  

في نطاق استهداف الأيتام، أشركت جمعية رعاية اليتيم أطفالاً أيتاماً من مخيّمات فلسطين عن طريق اللجان الشّعبيّة في مخيّم الأمعري، بالإضافة إلى أيتام من مخيّمات سوريا، في حين لم تستطع رغم المحاولات إشراك مخيمات من لبنان.

أخيراً يسأل شاهر هديب: "بيسوى نسأل حالنا بعد كل هاي السنوات، وين إحنا، وشوي بدنا؟ هل كان نجاح بعض الأيتام في الحياة نتيجة بيئتهم أم نتيجة العمل عليهم في المخيّم الصيفيّ واللجان؟، هل نجحنا في إفراز جيل واعٍ ومنضبط؟". رغم استمرار هذا العمل منذ العام 1973 وحتى اللحظة لا تتوافر إحصائيّة أو تأريخ لعمل هذه المجموعات ونتائج عملها.

وعلى نمط التقييم الشخصيّ، يراجع هديب سنوات دراسته في أوكرانيا فيقول: "أنا شخصيّاً كيتيم كان هذا العمل مهم جداً لي، وفرق في شخصيتيّ، في الغربة كنت آخذ من حصالة تجربتي في المخيم الصيفيّ واللجنة، مثل أن أكون برا البيت، تعيش بشكل مستقل، حتّى النظرة الذكورية في الأسرة بتنتهي، المخيّم بيخليك تجلي وتقوم بشؤون البيت ومسألة إنو الأنثى تجلي وتقوم بأعمال البيت انتهت عندي، والأهم الحياة الاجتماعيّة أن تكون طفل قادر على الوقوف أمام مئات الأطفال على السارية في المخيم الصيفيّ وتحكي، خلّى الأمر يختلف عن ما تلقيانه في المجتمع إنو الطفل لا يتكلم والأحقية بالكلام للكبير".

في هذا العمل، الذي ما زال مستمراً إلى اليوم، مفردات وقوانين يعرفها الأيتام باختلاف المخيّم الذي أتوا منه، الصرخات الجماعيّة، والصفقات المرتبطة بفلسطين ومنها صفقات: العودة- الكرامة- السكين. إحدى صرخات البرنامج الصباحيّ الباكر والتي تملأ سماء فجر المخيم صباح كل يوم جمعة من قبل الأيتام وهم على السارية يهتفون بشكل جماعيّ وسط صمت الصّباح الباكر: صباح الخير يا حلوة، صباح الخير من أنتِ؟ أنا الأرض التي تزهر، أنا غزّة، أنا الزعتر.