18 أغسطس 2022

"الحراك الطلابي".. محاولة لدق جدران جامعة النجاح

"الحراك الطلابي".. محاولة لدق جدران جامعة النجاح

بالصوت والصورة وعبر عشرات المقاطع المصوّرة، وُثِّق في 14 حزيران/ يونيو الماضي اعتداءُ عناصر الأمن في جامعة النجاح الوطنيّة بالضرب وإطلاق النار على الطلبة خلال مشاركتهم في وقفةٍ احتجاجيّةٍ للمطالبة بـ"حياة جامعيّة آمنة". 

أثار ذلك الاعتداءُ غضباً عارماً لدى عموم الناس، ولدى الطلبة خصوصاً، مما ساهم في التزامهم ليومين متتاليين بإضرابٍ شاملٍ وامتناعٍ كامل عن حضور المحاضرات، حتى عبر "الزووم". وكان للصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وتُظهر الجامعة خاليةً تماماً من الطلبة، أثرٌ كبيرٌ في نفوسهم، خاصّةً أنه لم يسبق أن شهدت الجامعة حدثاً والتزاماً كهذا. 

أيضاً، كان من الملفت أنّ الالتزام بهذا الإضراب جاء تلبيةً لدعوة حراك طلابيّ ناشىء، لا من إحدى الكتل الطلابيّة التقليدية المعروفة، والتي بطبيعة الحال لطالما عانت الأمرين من ملاحقة الأمن وأجهزة السلطة. هذه المرة، التف غالبية الطلبة حول "الحراك الطلابيّ الموحد"، وهو الحراك الذي شهدت الجامعةُ ولادتَه خلال تلك الأحداث، وتصدر المشهد ككتلةٍ طلابيّةٍ جريئةٍ ساهمت في قيادة تحرك الطلبة ضدّ تغول أمن الجامعة. في هذه السطور نتعرف على هذا الحراك، وظروف نشأته.

نشأة الحراك الطلابي

بدأت ملامح "الحراك الطلابي الموحد" بالظهور بعد الاعتداء الذي تعرّض له طلبة الكتلة الإسلامية من قبل عناصر أمن جامعة النجاح الوطنية، وذلك خلال وقفتهم الاحتجاجية الأولى (يوم 7 حزيران)، إذ بدأ عدد من الطلبة بالتواصل فيما بينهم لتشكيل جسمٍ مستقل يطالب بحياة جامعية آمنة، واختاروا ممثلين عنهم من مختلف الكليات الجامعية. لكن لم يكن هذا الاعتداء العيني هو الوحيد الذي حفّز ظهور الحراك الطلابي. 

يقول صهيب حمد، أحد مُمثلي الحراك إنّ هناك تراكماً لكثير من الإشكاليات في علاقة الجامعة بالطلاب، والذي شكّل دافعاً قوياً لتشكل هذا الجسم، وإنّ الاعتداء الأخير على الطلبة كان بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وعزّزت كل تلك الدوافع والتراكمات.

وقفة للحراك الطلابي في جامعة النجاح والأمن الجامعي يمنع الطلاب من الوصول إلى مبنى الإدارة (14 حزيران/يونيو 2022). المصدر: شبكة قدس الإخبارية.

وعن تلك الإشكاليات المتراكمة، يقول صهيب: "مجلس الطلبة مغيّب تماماً عن الطلاب، عدا عن القرارات الإدارية ضد الطلبة، كالارتفاعات الخيالية في أسعار الساعات الدراسية، إضافة لفقدان الطلبة لبعض الخدمات الأكاديمية وأمور تفصيلية أخرى شكلت تراكمات ومشاكل لدى الطلبة، حتى فقدوا القدرة على التحمل". 

وأمام العقبات التقليدية التي تضعها الجامعة في وجه الكتل الطلابية عادةً، وفي محاولة لتجنب الضغوطات التي تمارس على نشطاء العمل الطلابي، استفاد الطلبة من مواقع التواصل الاجتماعي من أجل تشكيل هذا الحراك واختيار ممثلين عنه ونشر دعوته للإضراب، وبالأخصّ مجموعات الطلبة على الفيسبوك. يقول حمد: "مجموعات الطلبة على الفيسبوك سهّلت الأمر ولعبت دوراً بارزاً في إيصال صوتنا لأكبر شريحة ممكنة". 

ويمكن القول إنَّ الالتفاف حول "الحراك الموحّد" كجسمٍ طلابيٍّ خارج الكتل الطلابية التي تحمل صبغةً سياسيّةً واضحة، جاء كردّ فعلٍ مباشر وسعي للالتفاف على محاولة إدارة الجامعة ومعها حركة "فتح" في نابلس، والأجهزة الأمنيّة، للتعامل مع مشاكل الطلبة ومطالباتهم من منظورٍ حزبيٍّ أمنيّ. ففي بداية الأزمة، حاولت مختلف تلك الأطراف إخراجها من بعدها النقابي، وإدخالها في إطار الاتهام بسعي حركة "حماس" للسيطرة على الجامعة، وهو ما انعكس مثلاً في كثير من البيانات الصادرة في حينه، ومنها البيان الصادر عن حركة "فتح" في كفر قليل، البلدة التي ينتمي إليها غالب عناصر أمن الجامعة. قال ذلك البيان تحديداً إن قرار فصل موظفين في أمن الجامعة يأتي في سياق "إنهاء أي وجود لجسم فتحاوي قوي داخل الجامعة"، مضيفاً "أن هذا هو المخطط الذي تعمل عليه إدارة الجامعة منذ زمن بعيد ضمن اتفاق مع قيادة حركة حماس في الخارج والداخل". 

مشهد من اعتداء عناصر أمن الجامعة على الطلبة بعد وقفة احتجاجية شاركوا فيها. لقطة من فيديو.

وبعد انتهاء الأزمة، واصل ممثلو الحراك عملهم خلال الأيام الأولى من العودة للدوام، في متابعة الجانب الأكاديمي بإزالة الغيابات التي رُصدت للطلبة خلال الإضراب. يوضح ممثل الحراك: "متابعة الأمور الأكاديمية هي من شأن مجلس الطلبة، لكن لأن الغيابات رصدت للطلبة بسبب الإضراب الذي أعلن عنه الحراك، فكان لزاماً علينا أن نساندهم ونقف معهم وقد نجحنا في ذلك". ويؤكد: "الحراك جاء بمرحلة معينة، ولن ندخل بمنافسة أكاديمية أو نقابية بالجامعة، فهذا الأمر من حق مجلس الطلبة والكتل الطلابية وليس ضمن مسؤولياتنا، لكننا موجودون دفاعا عن أي طالب يتعرض للظلم". 

وما زالت تقع أمام هذه التجربة الوليدة للحراك الطلابي الموحد مسؤوليات وتحديات عديدة، منها استمرار السعي لمجابهة التغول الأمنيّ في الجامعة، وعدم الاكتفاء بقرارات إداريّة مؤقتة تُطفىء نار الأزمة، لكنها لا تحلّها على المدى البعيد. كما أن هذا الشكل الجديد من النشاط الطلابي المستقل وآفاق تطوره يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع السعي لرفع يد القبضة الأمنية عن الحراكات الطلابية الحزبيّة التي يُلاحق أبناؤها وبناتها.

الجامعة كميدان للملاحقة الأمنية

وبالنظر للسياق الذي تعيشه جامعة النجاح والذي ساهم في نشوء "الحراك الطلابيّ"، فإنّ الاعتداء على الطلبة بهذه الصورة يأتي ضمن منهجية تم تأصيلها في جامعة النجاح من خلال عناصر الأمن فيها. مع السنوات، أصبح مسؤولو الأمن في الجامعة ذراعاً أمنيّاً له صلاحيات واسعة بملاحقة الطلاب ونشاطاتهم، وغير خاضع لأي مسائلة أو محاسبة، حتى أصبحت الجامعة بمختلف مكوناتها رهينةً لدائرة أمنية عَمدت إلى تفكيك مفاهيم المؤسسية والحركة الطلابية فيها خلال ما يزيد على عقدين. 

وليس ببعيد عن ذلك ما حصل مع الطالب محمد رداد عام 2007، الذي قُتل داخل حرم الجامعة برصاص الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وهي الجريمة التي تبعتها سلسلة طويلة من ملاحقة العمل الطلابي داخل الجامعة، وليس آخرها قرار الجامعة عام 2019 بحظر نشاطات الكتلة الإسلامية فيها لموعد غير محدد. 

وخلال السنوات الأخيرة، أخذت العلاقة ما بين الكتل الطلابية وإدارة جامعة النجاح صفة مضطربة، جعلتها تمر عبر دائرة أمن الجامعة أكثر منها عبر دائرة شؤون الطلبة، وأصبحت دائرة الأمن بمثابة صاحب الكلمة، بل والمتحكم في كثير من جزئيات العمل الطلابي.

وقد تصاعد هذا التغول الأمني على العمل الطلابيّ في ظلّ سعي السلطة الفلسطينيّة لكبت وملاحقة أي نشاط طلابيّ جماهيري لا يخضع لسقفها السياسي المنخفض، وذلك ضمن سياستها في ملاحقة النشاط الأهلي والسياسي بعيد الانتفاضة الثانية، والتي تكثّفت بعد عام 2007، أو ما سُمّي بـ"أحداث الانقسام". 

شرارة البداية..

عودةً إلى تسلسل الأحداث، فقد بدأت أزمة جامعة النجاح الأخيرة، في السابع من حزيران/ يونيو 2022، عندما اعتدى أمن الجامعة على الطالب عمير شلهوب، وهو ممثل الكتلة الإسلاميّة فيها. وفقاً لروايات شهود عيان ومقربين من شلهوب، فإنّ خلافاً نشب بينه وبين أحد الموظفين الإداريين في الجامعة، عندما كان شلهوب يساعد طالباً باستكمال إجراءات التسجيل. طلب الموظف الإداري من شلهوب الرجوع لمجلس الطلبة لتكون مساعدة ذلك الطالب من خلاله، إلا أن شلهوب رفض ذلك مبدياً عدم اعترافه بالمجلس.  

على إثر ذلك، اعترض مسؤول أمن الجامعة، طلعت صايل، المعروف بكُنيته "أبو منصور"، الطالبَ شلهوب وصادر هاتفه المحمول، وطرده من الجامعة بدعوى عدم اعترافه بالمجلس، ما أدّى إلى توتر في صفوف الطلبة.  

يُذكر أن حركة الشبيبة الطلابية تُسيطر على مجلس الطلبة منذ آخر انتخابات جرت في جامعة النجاح عام 2017، فيما تحاصر الكتل الطلابية الأخرى ويُضيق على فعالياتها ونشطائها ويتم استدعاؤهم للتحقيق من قبل الأجهزة الأمنيّة بشكل دوريّ. هذا ولم تُعقد الانتخابات الطلابية في الجامعة طوال السنوات العشر الأخيرة سوى 3 مرات وهو ما يعني أنّ المجلس شبه معطل. 

 وبحسب بيان للكتلة الإسلامية حينها، قالت إنّ "مسؤول الأمن في الجامعة وعدداً من أفراد أجهزة أمن السلطة اعتدوا على ممثل الكتلة الإسلامية وصادروا هاتفه الشخصي، أثناء قيامه بعمله النقابي المشروع الذي كفلته له الحريات ودستور الجامعة وأنظمتها". وحمّلت الكتلة "إدارة الجامعة المسؤولية الكاملة عما جرى، وما يمكن أن تؤول له الأمور، مؤكدةً أنها لا يمكن أن تقبل استمرار الأمن الجامعي في تجاوز صلاحياته والاعتداء على الطلبة". 

وفي اليوم التالي، نظّمت الكتلة الإسلامية وقفةً أمام الحرم الجديد (مبنى الأكاديمية)1:تضم جامعة النجاح ثلاث تجمعات متفرقة في مدينة نابلس، وهي الحرم القديم الذي يضم إدارة الجامعة وعمادة شؤون الطلبة والكليات الإنسانية، وحرم الأكاديمية الجديد الذي افتتح عام 2006، ويضم الكليات العلمية وعدة مرافق أخرى، إضافة لمبنى كلية هشام حجاوي التكنولوجية في المنطقة الشرقية بنابلس، إلا أن الحرمين القديم والجديد هما من يحتضنان ثقل العمل النقابي الطلابي بشكل أكبر.، استنكاراً للاعتداء على شلهوب، إلا أنّ أفراداً من أمن الجامعة وعناصر من الأجهزة الأمنيّة بالزي المدنيّ وطلاباً من حركة الشبيبة اعتدوا على الطلبة المشاركين بالضرب المبرح وفرقّوا الوقفة، كما اعتدوا على عدد من الصحافيين الذين حاولوا تغطية الأحداث.. 

وقفة للحراك الطلابي في جامعة النجاح والأمن الجامعي يمنع الطلاب من الوصول إلى مبنى الإدارة (14حزيران/يونيو 2022). المصدر: شبكة قدس الإخبارية.

بعد فضّ الاعتصام الذي نُظّم على بوابات الحرم الجديد في الثامن من حزيران/ يونيو، أصدرت إدارة الجامعة قراراً بفصل 10 طلاب، 5 من أبناء الكتلة الإسلامية، و5 من أبناء الشبيبة الطلابية، إضافةً إلى فصل 5 موظفين من أمن الجامعة، وذلك في محاولة "للمساواة" بين مختلف أطراف الأزمة، والالتفاف على مسببها الحقيقي، ودون أن يتطرق قرارها إلى معالجة جذور المشكلة ووقف تغول الأمن وتوسع صلاحياته في ملاحقة العمل الطلابيّ. 

على إثر ذلك، عقد طلبة الكتلة الإسلاميّة المفصولين مؤتمراً صحافياً رفضاً لإجراءات فصلهم، وذلك على بوابات الحرم القديم للجامعة، يوم 14 حزيران/ يونيو. في اليوم ذاته، كان التحرك داخل الجامعة من خلال تنظيم اعتصام طلابيّ يقوم عليه "الحراك الطلابي الموحّد" الذي أُعلن عن ولادته خلال أيام هذه الأزمة، مطالباً بحياة جامعية آمنة. وهنا وقع الاعتداء الثاني من قبل عناصر أمن الجامعة، إذ بدأوا بفض اعتصام الحراك وضربوا المشاركين فيه وطردوهم إلى خارج بوابات الجامعة. 

وأظهرت عشرات مقاطع الفيديو والصور مشاهد مرعبة من ضرب الطلبة بشكلٍ وحشي على أيدي أمن الجامعة، وسحلهم وطردهم خارج بوابات الجامعة والدماء بادية على وجوههم، وتخلل ذلك استخدام أدوات حادة وغاز الفلفل، وهو الاعتداء الذي طال الطالبات أيضاً.



9 نوفمبر 2018
عامٌ على MeToo#
إلى الرجال...

"أي شناعةٍ هذه التي تطلب منّا، لمجرّد أنّنا وُلدنا ذكوراً، أن نسكت، ها؟ أيّ انعدامٍ للعدالة والمساواة هذا الذي يمنعنا…