20 مارس 2020

أجهزة التنفس في الضفة.. هل تكفي لاستيعاب الوباء؟

أجهزة التنفس في الضفة.. هل تكفي لاستيعاب الوباء؟

"هل تتوّفر لدينا الأجهزة الطبيّة اللازمة لمواجهة فيروس كورونا؟". يزداد هذا السؤال إلحاحاً مع قلقنا المستمرّ من انتشار العدوى إلى نطاقٍ أوسع. حتّى الآن، سُجّلت في الضّفة الغربيّة 48 إصابة، لم تُسجل منها أي حالةٍ حرجة (17 منها أعلن شفاؤهم). 

لكن، وبحسب "أسوأ السيناريوهات" المحتملة، من المتوقع أن يصل عدد الإصابات الحرجة، والتي ستحتاج علاجاً في وحدات العناية المكثفة إلى حوالي 800 حالة، وذلك بحسب وزيرة الصحّة الفلسطينيّة مي كيلة.

ووفق منظمة الصّحة العالميّة، يُعرّف مرض "كوفيد-19" الذي يُسّببه فيروس "كورونا" باعتباره عدوى تُصيب الجهاز التنفسيّ. في حالات الإصابة الخفيفة، وهي الغالبية العظمى من الإصابات -حوالي 80%، يُعاني المريض من أعراضٍ بسيطة كالسعال والسخونة، ويمكن علاجه منزليّاً. 

أما في الإصابات الحرجة، التي غالباً ما تُصيب الأشخاص الذين يعانون مُسبقاً من مشاكل صحيّة، بالأخصّ في الجهاز التنفسيّ، فإنّ الأعراض لديهم قد تصل إلى صعوبة شديدة في التنفس، والتهاب رئويّ حادّ. بالنسبة إلى هذا النوع من الإصابات، يُعتبر توّفر وحدات عناية مكثّفة في مستشفيات العلاج، وتوّفر أجهزةٍ للتنفس الاصطناعيّ خاصةً، مسألة حياةٍ أو موت. 

ووحدات العناية المكثّفة (المركّزة)، هي الأقسام الطبيّة التي تتعامل مع حالات المرض الصّعبة التي يتوقف فيها أحد أجهزة الجسم عن العمل، كالكلى والكبد، وغيرهما. في حالة الإصابة الحرجة بالـ"كورونا"، فإنّ العضو الذي يُهدد بالفشل والتوقف عن العمل هو الرئتين، لذلك تبرز أهمية وجود أسرّة للعناية المكثفة، يُمكن من خلالها إنقاذ المصاب بواسطة أجهزة التنفس الصناعيّ (Ventilator)، وغير ذلك من الأجهزة الداعمة. 

800 حالة مُتوقّعة، 250 جهاز تنفس!

بعد تصريح وزيرة الصحّة عن الحالات المُتوقّع إصابتها، وجّه صحافيّون كثر أسئلةً حول مدى جاهزية وحدات العناية المكثفة، وتوافر أجهزة التنفس الصناعيّ لمواجهة الـ"كورونا". لكن الجواب لم يكن دائماً واضحاً أو حتى متوافراً. 

اليوم الجمعة، وبعد أن سُئلت الوزيرة ذات السؤال، قالت إنّ ما يتوافر من أجهزة تنفس صناعيّ لدى المستشفيات الفلسطينيّة هو 120 جهازاً فقط لا غير. حسب تقديرات طبيّة أخرى، فإنّ العدد المتوفر هو ما يقارب 100 جهاز لا أكثر. تُشدّد هذه المصادر على أنّ عدداً من هذه الأجهزة تحتاج صيانة، أو أنّها مستخدمة حالياً لعلاج مرضى آخرين.

أضافت كيلة إنّ الوزارة بصدد زيادة هذه الأجهزة لتصل إلى ما يقارب 200-250 جهازاً. وفي موقع وزارة الصحة، نجد في قسم العطاءات إعلاناً عن عطاءٍ لتوريد 100 سرير جديد للعناية المكثفة، و100 جهاز للتنفس الاصطناعي. وهكذا، في أحسن الأحوال، ستبقى حوالي 500 حالة حرجة -من أصل 800 مُتوقعة- دون أن تتوفر لها أجهزة تنفّس! 

في "أفضل الحالات"، ودون احتساب نسبة الإشغال الطبيعية في المستشفيات

في حين أنّ السيناريو الأسوأ من ذلك، يتضح إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نسبةَ الإشغال في المستشفيات الفلسطينيّة، ونسبة إشغال وحدات العناية المكثفة، وهي مرتفعة في العادة -فهل سيتم فصل جهاز التنفس عن مريض وإرسالها إلى المراكز الصحيّة التي خُصّصت لعلاج مصابي الـ"كورونا"؟!

كما أن الاحتياج الملح لأجهزة التنفس الاصطناعي يزداد إذا ما نظرنا إلى الأمراض المزمنة في الضّفة، والتي يكون أصحابها أكثر عرضة للإصابة الحرجة بـ"كورونا".  بحسب وزارة الصحة، فقد كانت أمراض القلب المسبب الأول للوفاة في فلسطين لعام 2018، بنسبة 31%. فيما تأتي أمراض السرطان كثالث مسبب للوفاة بنسبة 15.4%، ثمّ السكري في المرتبة الخامسة بنسبة 7.5%، من مجمل الوفيّات لذلك العام. أما فيما يتعلق بأمراض التنفس المزمنة في الضّفة الغربية والقطاع، فلا تتوافر معلومات عند وزارة الصحة حول انتشارها.

مراكز علاج الـ"كورونا"

يقودنا هذا للسؤال الأوسع عن الوضع الحالي للمراكز التي حُدّدت خارج المستشفيات المركزيّة، وخُصّصت فقط لاستقبال حالات الكورونا التي تستدعي العلاج، ومدى توافر أجهزة الإنعاش فيها. 

يعكس ذلك الوضع ملفٌ انتشر بعنوان "جدول أماكن الفرز والحجر والعلاج في المحافظات" يوم أمس الخميس، قيل إنه سُرّب من رئاسة الوزراء الفلسطينية، بينما لم تنفِ الأخيرة صحته أو تُثبتها. يُظهِرُ الجدول عدد الأسرّة المخصصة في كلّ من أماكن الحجز وأماكن العلاج التي حددتها الوزارة في مختلف المحافظات. 

حسب الجدول، فإنّ هناك 27 سريراً في وحدات العناية المكثفة داخل مراكز العلاج التي جُهّزت لمعالجة مرضى الـ"كورونا". في رام الله مثلاً، وبحسب الجدول، في مستشفى هوغو تشافيز في ترمسعيا، هنا 34 غرفة للعلاج، بينما لا يوجد أيُّ ذكر لأي غرفة عناية مكثفة. وكانت أعلى محافظة في عدد أسرّة العناية المكثفة محافظة قلقيلية، بـ6 أسرّة للعناية المكثفة، ومن ثمّ كلّ من طولكرم وبيت لحم والخليل وجنين وسلفيت بـ4 أسرّة.

وقد حمل المطالبة بزيادة أجهزة الإنعاش والتنفس الاصطناعي، لمواجهة "كورونا"، عددٌ من الأطباء في الضّفة الغربيّة. الدكتور عبد الرؤوف البياع، رئيس وحدة العناية المكثفة في المستشفى الأهلي في الخليل، يقول إنّه نبّه إلى الأمر منذ بداية الأزمة، ويضيف: "إحنا كأطباء مستعدين نقاتل، بس وفرولنا أدوات نقاتل". حسب الدكتور البيّاع، فإنّه الجهاز الصحيّ الفلسطينيّ يحتاج لأجل ذلك على الأقل 500 جهاز تنفس جديد.

وحين سؤاله عن توفّر الخبرات لتشغيل وحدات العناية المكثفة وأجهزتها، أشار إلى أنّه يُمكن لمختصٍ في التخدير أن يُشغّلها ويركّبها على جسم المريض، إلا أن الرعاية والمتابعة الصحيّة تستلزم وجود مختصين في العناية المكثفة من أطباء وممرضين (أخصائيّ إنعاش). ويُقدّر عبد الرؤوف البياع عدد الأطباء المختصين بالعناية المكثفة بحوالي 12-15 طبيباً لا أكثر!