8 مايو 2022

من التصادم إلى التحالف.. أين تلتقي حماس والشعبيّة؟

من التصادم إلى التحالف.. أين تلتقي حماس والشعبيّة؟

في الانتخابات البلديّة التي جرت في الضفّة الغربيّة في 26 مارس/ آذار الماضي، تحالفت حركتا "حماس" و"الجبهة الشعبيّة" وشكّلتا مع بعضهما نحو 25 قائمةً مُستقلّة ترشّحت لبلدياتٍ مُختلفة، وقد حصل بعضُها على النسب الأعلى من بين مجمل أصوات الناخبين، وحظيت بذلك بفرصة تشكيل عدة مجالس بلديّة. قبلها بأيّام، حقّق الذراع الطلابيّ للجبهة الشعبيّة في جامعة بيت لحم فوزاً غير مسبوق في انتخابات مجلس الطلبة، والذي ساهم فيه دعم الطلبة المحسوبين على الذراع الطلاّبي لـ"حماس". وفي أغسطس/آب من العام الماضي، فازت قائمةٌ موحّدةٌ محسوبة على حركتي "حماس" والشعبيّة في انتخابات نقابة المُهندسين.

يُحيلنا هذا التقارب بين الحركتين مؤخراً، إلى السؤال عن الفروق بينهما. قد يرى البعض أنّ الإجابة بديهيّة: "حماس" إسلاميّة، والشعبيّة يساريّة. ولكن، ما الفرق بين الأيديولوجيّات المختلفة في السياق الفلسطينيّ؟ بمعنى، كيف تكون الفروق بين الأيديولوجيّات ذات معنى إذا كانت مُتفقةً على البرنامج السياسيّ؟ بالتالي، لماذا لا تتحالف الحركتان في جسمٍ سياسيٍّ موحّدٍ بغض النظر عن شكله؟ حول هذه الأسئلة يدور المقال، ليناقش الجدليّة بين المُشترك السياسيّ والاختلاف الأيديولوجيّ للفصيلين. 

جذور التصادم

تاريخيّاً، استندت "حماس" والشعبيّة إلى منطلقاتٍ أيديولوجية "أُمميّة"، فنقلت الحركتان تصوّرات أيدولوجيتيهما العابرة للدول والشعوب إلى السياق المحليّ الفلسطينيّ. تُعدُّ حركة "حماس" فرعاً عن جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين؛ تلك الجماعة التي لها أيديولوجيتها وتصوراتها السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة، والتي تُعبّر عن "ثيمة" مركزيّة وهي "إعادة إحياء الأمة الإسلاميّة"، كإحدى الأشكال السياسيّة الموروثة عن مفهوم الخلافة، بحيث تكون حدود الكيان السياسيّ المُتخيل أينما وُجِدَت الشعوبُ ذات الأغلبية المسلمة. أما الجبهة الشعبيّة، فتُعد إحدى الأفرع القُطريّة لما عُرِف بحركة "القوميين العرب"، والتي نادت باسترداد فلسطين عبر تحقيق الوحدة العربيّة وتحرّر الأقطار العربيّة من الاستعمار وتحقيق الاشتراكيّة كمنهج.

ومع نهاية السبعينيات، أسقط كلٌّ من الإخوان المسلمين والجبهة الشعبيّة الأيديولوجيا الأمّ على السياق المحليّ الفلسطينيّ. حينها، كان النقاش الإيديولوجيّ عالي الوتيرة ويأخذ حيّزاً كبيراً يطغى على النقاش الوطنيّ، إذ كان المحدد الأيديولوجيّ هو العامل الأبرز في تحديد شكل العلاقة بين اليساريين والإسلاميّين الفلسطينيّين. وفي تلك الفترة لم يكن للإسلاميين جسمٌ سياسيّ محلّيّ يُـعبّر عن التوجهات والبرامج السياسيّة، واعتمدوا على شبكةٍ واسعةٍ من الجمعيات والمؤسسات الخيريّة والتعليميّة. 

رايات الكتلة الإسلامية والقطب الطلابيّ وكتلة الوحدة الطلابية على أحد أبواب جامعة بيرزيت بعد إغلاقه بقرار من الكتل الطلابية على إثر الاحتجاج على تدخل إدارة الجامعة ومحاولة تعطيلها لإحياء ذكرى تأسيس كل من "حماس" و"الشعبية" في ديسمبر 2021. شهدت تلك الأزمة تقارباً بارزاً بين الجهتين.

كان ما ميّز العلاقة بين الإسلاميين واليساريين هو نمذجة كلّ طرف للآخر؛ أي تعريف كل طرف للآخر بناءً على معايير ضيّقة أدّت إلى تبادل الطرفين الاتهامات المبنيّة على ثنائية "وطنيّ - غير وطنيّ"، و"مع الإسلام - ضدّ الإسلام". ومن الأمثلة على هذا التصادم بين الطرفين، دخول العلاقة بين الكتلة الإسلاميّة1كانت الكتلة الإسلاميّة في الجامعات إحدى التشكيلات الطلابية المنظمة للإخوان المسلمين، والتي اعتمدت حركة حماس عليها لاحقاً بعد تأسيسها في تشكيلاتها التنظيمية وفي التعبئة والحشد. والحركات الطلابيّة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة عام 1982 في أزمة.2باجس، دلال. 2012. الحركة الطلابية الإسلامية في فلسطين: الكتلة الإسلامية نموذجاً. بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. 22-33.

أشارت في حينه الكتلة الإسلاميّة إلى أنّ سبب الخلاف هو رفض الطرف الآخر لوجود تيارٍ إسلاميّ له حضورٌ جماهيريّ واسع، بينما اتهم اليسارُ الكتلةَ الإسلاميّة بالخروج عن الصف الوطنيّ والتبعية لجهاتٍ معادية. كذلك، تصاعد الصدام عام 1983 في جامعة بيرزيت بين الكتلة الإسلاميّة وبعض الحركات الطلابيّة التابعة للمنظمة وعلى رأسها اليسار، التي دعا بعض قيادييها لـ"اجتثاث الكتلة الإسلامية"، ووصلت الاتهامات المتبادلة بين الطرفين إلى التخوين.3المصدر السابق. وقد فوّت مثلُ هذا التصادم وقتها أي فرصةٍ للتعاون والتقارب بين الطرفين.

فراغ أوسلو

مع توقيع اتفاقيّة أوسلو عام 1993، اتفق الفصيلان على عدّة قضايا مركزيّة؛ رفضا الاتفاقيات السياسيّة والأمنيّة مع الاحتلال، وتمسَّكا بخيار الكفاح المُسلَّح كآليةٍ للتحرير، ورفضا هيمنة حركة "فتح" على منظمة التحرير واستفرادها في إدارة الشأن السياسيّ الفلسطينيّ، ونافساها على تمثيل الهويّة الفلسطينيّة. وكان من مشاهد التقارب بينهما أن تحالفت أذرعهم الطلابيّة بين الأعوام 1993-1995 في كلٍّ من جامعة بيرزيت والنجاح والقدس.

اقرؤوا المزيد: يتامى أوسلو.. "غلطة وندمان عليها".

لقد كانت أوسلو محطةً هامّةً لمعرفة إذا ما كان لدى "فتح" القدرة على الاستمرار في تمثيل الفلسطينيّين، إلا أنّ نصوص الاتفاق عزّزت من التقسيمات المكانيّة لتواجد الشعب على حساب وحدته. أثّر الاتفاق وما تبعه من خطاب الدولة وما سُمّي بـ"الالتزامات الدوليّة" على القدرة التعبيريّة للحركة عن الهويّة الفلسطينيّة، وهو ما ترك المجال مفتوحاً أمام الإسلاميين واليساريين لإعادة التعبير عن الهويّة الفلسطينيّة.

ويبقى السؤالُ الإشكاليّ هو: على اعتبار أنّ الهويّة بمفهومها المُبَسَّط هي الثابت والجوهريّ والمشترك بين فئات المجتمع الفلسطينيّ، فإلى أي مدى تستطيع الأيديولوجيات المُختلفة التعبيرعن الهويّة الفلسطينيّة؟ فقد ركّزت "حماس" منذ نشأتها على إسلاميّة القضية الفلسطينيّة، فيما تُركّز الجبهة الشعبيّة حاليّاً على إعادة تعريف الهويّة بالاستناد إلى ما كانت تستند إليه "فتح" في السبعينيّات، وذلك بعد أن أجرت توليفات جديدة في خطابها الأيديولوجي وخفّفت منه كثيراً، وأعطت فيه الأولويّة للمحلّي على العالميّ، تحديداً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.

تذويب الأيديولوجيا

شكّل وصول بعض الحركات الإسلاميّة في العام العربيّ للحكم إسناداً لحركة "حماس" وتخفيفاً من حدّة الحصار الواقع عليها. لاحقاً، وبعد إقصاء التيّارات الإسلاميّة من الحكم إبان الثورات المضادّة، تعرّضت "حماس" لضغوطٍ إقليميّة، ووضعتها بعض الأنظمة ضمن قوائم الاستهداف مع بقية الحركات الإسلاميّة. دفعت هذه التحولات "حماس" لتغييرات ظهرت أبرزها في وثيقة المبادئ والسياسات العامة للحركة التي نشرتها عام 2017، والتي على خلاف ميثاق الحركة الذي نُشر عام 1988، لم تُشر إلى ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من ذلك، إلا أنّ قيادات "حماس" لم تعتبر ذلك إشارةً لانفصالها فكريّاً عن الجماعة، ولكن إشارةً للتأكيد على أنّ الحركة فلسطينيّة مُستقلة تنظيميّاً، وهذا لاعتبارات ترتبط بعدم اصطدامها مع الأنظمة العربيّة خاصّةً النظام المصريّ. 

ساهمت إعادةُ تعريف حركة "حماس" لنفسِها في التخفّف من بعض الحمولات الأيدولوجيّة التي كانت عبر التاريخ القريب سبباً في الخلاف مع الجبهة الشعبيّة، خاصّةً في موضوع الاستدعاءات الأيديولوجيّة من خارج فلسطين. ولكن في سياقٍ آخر، ساهمت مجموعةٌ من التحولات الاجتماعيّة في تذويب الفروقات الأيديولوجيّة بين "حماس" والشعبيّة، وهذا قرّب مجموعةً كبيرةً من أعضاء الفصيلين لبعضهما. إذ إنّ مواقع التواصل الاجتماعي، وتغيّر أنماط التعبئة والتنشئة السياسيّة الكلاسيكيّة، قد خلقت تواصلاً مُكثّفاً بين أفراد التنظيمين، بات معها تصورُ الأفراد لبعضهم البعض مُعتمداً على تقدير الشخص الذاتيّ بعد أن كان يأخذه من تنظيمه "مُعلّباً"، وهو تقديرٌ قد يخالف التصور الجمعيّ الكلاسيكيّ لحزبه. ومن المُمكن مُلاحظة حملات التضامن بين أفراد الفصيلين على مواقع التواصل الاجتماعي في مناسباتٍ مختلفة، تحديداً في اللحظات التي يتعرض فيها بعضهم للاعتقال أو القمع من الاحتلال أو السلطة الفلسطينيّة.

عزيز الدويك (حركة حماس)، الناطق باسم المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ بعد انتخابات 2006، يتوسط المتظاهرين في ميدان المنارة في رام الله خلال تظاهرة أعقبت اقتحام جيش الاحتلال لسجن أريحا واعتقال مناضلين فلسطينيين احتجزتهم السلطة الفلسطينية هناك، وعلى رأسهم منفذي عملية اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي عام 2001، والمناضل أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية. مارس/ 2006. (عدسة: عباس المومني/AFP).

إنّ تذويب الأيديولوجيا بين أفراد الفصيلين دفع نحو إعادة تشكيل العلاقة بينهما ضمن محددٍ أساسيّ يقضي بتحويل الفروق الأيديولوجيّة إلى فروقٍ ثقافيّة، بمعنى أنّ التحوّلات الاجتماعيّة أعادت الاعتبار للثقافة بدلاً من الأيديولوجيا. فسبب تحوّل العلاقة بين أفراد "حماس" والشعبية ليس مُقتصراً على التقارب السياسيّ، إنما يشمل أيضاً التوقعات الثقافيّة أو الثقافة السياسيّة، على اعتبار أنّ الثقافة السياسيّة ناشئةٌ ومُتلَقَية ومُعبّر عنها من خلال الرموز والاستعارات والممارسات اليوميّة المبنية على الأساس الوطنيّ المحليّ والنضال المشترك. معنى ذلك، أنّ هناك إعادة إنتاج للفروقات الثقافيّة السياسيّة، بحيث قد نجد الفروقات في الثقافة السياسيّة البينية داخل أفراد الفصيل الواحد مشابهة للفروقات بين أفراد الفصيلين. 

هكذا أدَّت إعادةُ تشكّل الهويّات الخاصّة لدى "حماس" والشعبيّة إلى التقارب بين الفصيلين. والمقصود بالهويّة الخاصّة، هو مقدار تشكّل الهويّة من العوامل المحليّة، كالعائليّة والمناطقيّة والتفاعل مع المُجتمع المحيط والتفاعل مع مواقع التواصل الاجتماعي، بشكلٍ أكبر من تشكّلها من الأيديولوجيا. وتزيد هذه العوامل من فرص التقاطع والمشترك بين أفراد التنظيمين.

وسطاء التحالف

يعود نجاحُ التحالف واستمراره بين الحركات المتباينة أيدولوجيّاً إلى عمليات الجسر الجماعيّ، والتي تشكّلت من خلال مجموعةٍ مستمرةٍ من التفاعلات الاجتماعيّة ساهمت في التقليل من احتمالية الصراع بين الفصيلين بمرور الوقت. وتعكس عملية التجسير عدة جوانب: أولاً، إعادة التأكيد على الفروقات وسبب الاختلاف، فالعمليات الاجتماعيّة حيّدت الأيديولوجيا كفرقٍ قدر الإمكان، وفي الوقت ذاته عزّزت الاتفاق على المبادئ السياسيّة الأساسيّة. ثانياً، دفعت العمليات الاجتماعيّة الحركتين إلى إيجاد الآليات اللازمة للتعبير عن الالتزامات السياسيّة المشتركة، مثلَ رفض أوسلو والتنسيق الأمنيّ والفساد. ثالثاً، بسبب القيود الأمنيّة على عمل الحركتين بالطرق التنظيميّة التقليديّة، فإنّ كلتا الحركتين متفقتان على إعادة الانتشار في المجتمع الفلسطينيّ بطرقٍ جديدة قائمة بشكل أساسي على إعادة تشكيل القواعد الانتخابيّة.

فلسطينيات أمام لافتة تحمل صور مرشحين ضمن قائمة موحدة لانتخابات بلدية الخليل. تضمّ القائمة محسوبين على حركة حماس والجبهة الشعبية. مارس 2022 (عدسة: حازم بدر/AFP).

إضافةً إلى ذلك، فإنّ ما يُشجّع الفصيلين على التحالف هو حاجتهما إلى توسيع قواعدهما الانتخابيّة عن طريق حشد فئاتٍ متنوّعة من المجتمع الفلسطينيّ. إذ يساعد التحالفُ الجبهةَ الشعبيّة على الخروج ممّا وُصفت به من نُخبويّة، خاصّة بعد أوسلو. وفي المقابل، تستفيد "حماس" من تحالفها مع الشعبيّة في كسر الاصطفاف التقليديّ الذي تشكّل على ثنائية "إسلاميّ - علمانيّ" أو ثنائيّة "فصائل منظمة التحرير - فصائل خارج المنظمة".

اقرؤوا المزيد: الفخّ الذي ينتظر قوائم المعارضة في البلديّات.

لقد جرى التقارب الذي شهدناه خلال السنوات الأخيرة بين الفصيلين من خلال ما يمكن تسميته بـ"وسطاء التحالف"، وهم أفراد على دراية بالسمات الثقافيّة للمجموعات داخل الفصائل ويلعبون أدواراً مهمّة في تأسيس الاتصال وتوفير الأرضية المشتركة للتعاون، مثلَ الحراكيين النقابيين والطلبة وتشكيلات الانتخابات البلديّة.

مع ذلك، فإنّ التحالف الذي يأتي من "الوسطاء" قد يكون هشّاً أو مؤقتاً أو انتقائيّاً، كأن يكون التحالف نقابيّاً لا سياسيّاً، أو أن يجري في منطقةٍ دون أخرى، وحتّى يستمر ويتطور عليه أن ينتقل إلى جانبٍ سياسيّ عمليّ تُقرّه القياداتُ المركزيّة في الحركتين.  

مساحات التلاقي

مثلما تؤسس "حماس" والشعبيّة تحالفاتهما لاتفاقهما على الخطوط السياسيّة العريضة، وكردِّ فعلٍ على تهديدٍ بُنيويّ مشتركٍ أبرزه استئثار حركة "فتح" بمنظمة التحرير، تُعتبر الظروف الهيكليّة المُتشابهة لهما من العوامل المُشجّعة على التحالف والاستمرار فيه. من هذه الظروف التعاون الناشئ بين الأجنحة المُسلّحة للحركتين في قطاع غزّة، والدعم الإيرانيّ الذي تتلقاه الحركتان، وكلاهما لا يتمتع بعلاقة جيّدة مع معظم الأنظمة العربيّة الرسميّة.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ توافر المساحات الماديّة والافتراضيّة، ساعدت أفراد الحركتين إلى حدّ ما في تجاوز العقبات الهيكليّة، وذلك بتوفير المساحات الخطابيّة والتفاعليّة التي تسمح لهم بالمشاركة عبر منصاتهم الاجتماعيّة المختلفة. ومن شأن التحالف أن يُقلّص من مساحات الخلاف بين الفصيلين، ويُساعد في حشد الأعداد الكبيرة من الأفراد اللازمين لتخطي العقبات التي تقف في طريقهما. 

من وقفة احتجاجية في رام الله ضدّ قرار الاحتلال خظر ست مؤسسات أهلية بحجة علاقتها بالجهبة الشعبية.  أكتوبر 2021.

يأتي التحالف اليوم في سياق شنّ فيه الاحتلال الإسرائيليّ حملةً شرسةً ضدَّ الجبهة الشعبيّة، كان آخرها في 22 أكتوبر/ تشرين الأوّل من العام الماضي حين أعلن عن ست مؤسسات فلسطينيّة بوصفها "منظمات إرهابيّة" تعمل كذراعٍ للشعبيّة. بدا أنّ الحملة الإسرائيليّة قد بدّدت جزءاً من تخوّفات الشعبيّة من الخسائر التي قد تلحق بها نتيجة تحالفها مع "حماس". ثمّ فإنّ تساوق بعض الجهات الأوروبيّة مع القرار، أذاب ما كانت تعتقده الشعبية أنّه امتياز من المُمكن أن يتبخّر في حال تقاربت مع "حماس". وربّما فهمت الشعبية أنَّ إجراءات الاحتلال تجاهها، هي نوع من أنواع الضغط المُمارس عليها لدفعها للتقارب مع الخطّ السياسيّ للسلطة الفلسطينيّة. كذلك، فإنّ استراتيجية "رمّانة الميزان" التي اتبعتها الشعبية بعد ما يُسمّى "الانقسام" عام 2007، لم يساعدها في تشكيل تيّارٍ ثالثٍ مؤثر ولم يسعفها في توسيع قاعدتها الجماهيريّة. 

اقرؤوا المزيد: الجبهة الشعبيّة.. من قال إنّ اليسار قد مات؟

لا يعني ما سبق أنَّ الحركتين تنازلتا عن أيديولوجيّتهما، ولكنهما قرّرتا عدم التمركز الكثيف حول الأيديولوجيا في مقابل التمركز حول المشاريع السياسيّة التي تَجذِبُ جمهوراً أوسع. فالتحوّل من أيديولوجية ثقيلةٍ لأيديولوجيةٍ خفيفةٍ أو ضامرة، يعني ترك الإدعاء بتمثيل الطيف المجتمعيّ بأكمله، وتجنّب تعزيز "الانقسام الهوياتي" للمجتمع الفلسطينيّ. 

هذه العلاقة مع الأيديولوجيا هي مفتاح العلاقة مع البنية الاجتماعيّة. بمعنى أنَّ هذا الشكل الأيديولوجي يُمكّن من الوصول لفئاتٍ متنوعةٍ من جهة، والوصول بشكلٍ أسرع لمنصات التأثير من جهة أخرى. فالمجتمعات بطبيعتها لا تعتنق أيديولوجيّات صارمة وشاملة، ولا تتخذ موقفاً من معظم القضايا، وهذا ما يدفع نحو الاستثمار في طرق واستراتيجيات الاتصال والتواصل التي تُساهم في الحفاظ على الهويّة.



22 يونيو 2022
تقسيم الأقصى.. ماذا فعلنا حتى الآن؟

يراجع هذا المقال التطوّرات المتعلقة بمسعى الاحتلال الإسرائيليّ لتقسيم المسجد الأقصى زمانيّاً ومكانيّاً، وجهود الفلسطينيّين لإفشاله ومواجهته على مدار السنوات…