20 فبراير 2020

قمع في الأرجنتين؟ "إسرائيل" جاهزة لتقديم خبراتها

قمع في الأرجنتين؟ "إسرائيل" جاهزة لتقديم خبراتها

في 31 يوليو/ تمّوز 2017 اقتلعت الشرطة الأرجنتينيّة تجمّعاً أقامه السكانُ الأصليّون المابوتشي في كوشامن في محافظة تشوبوت جنوب الأرجنتين وأخلت المنطقة دون أمر قضائيّ. جاء الاقتحام تلبيةً لدعوات شركة بنتن الإيطاليّة التي تدّعي ملكيّة الأراضي ضمن حملة متواصلة تديرها وزارة الأمن الداخليّ نيابةً عن الشركات الأجنبيّة متعددة الجنسيات تسعى إلى تهجير السّكان المابوتشي وإخماد مقاومتهم وتسهيل استحواذ الشركات على أراضيهم. 1السكّان الأصليّون المابوتشي والبالغ عددهم 4 ملايين يعيشون في منطقة تدعى والمابو Wallmapu التي يقع قسمُها الغربيّ تحت سيطرة تشيلي، ويقع قسمُها الشرقي تحت سيطرة/احتلال الأرجنتين. هم من الشعوب الأصلانيّة القليلة في أميركا اللاتينية التي لم يتمكن الاستعمار الإسبانيّ من إبادتها واحتلال أراضيها. في النصف الثاني من القرن الـ19 شنّ جيشا تشيلي والأرجنتين، الدولتين المستقلتين حديثاً نسبياً عن الاستعمار الإسباني، حرباً لاحتلال المنطقة وضمِّها إلى حدودهما. ومنذئذ يواجه المابوتشي سياسات مصادرة الأراضي الغنيّة جداً بالموارد الطبيعيّة لحساب الدولة والأخيرة تبيعها إلى الشركات متعددة الجنسية. ولطالما قاوم السكان المابوتشي مصادرة أراضيهم ومحاولات طمس هويتهم سواء من قبل الدولة أو من قبل الكنيسة الكاثوليكية.

وفي التظاهرات والمواجهات التي أعقبت ذلك الاعتداء، اختفى الناشط وفنّان الوشم المتضامن مع الشعب المابوتشي سنتياغو مالدونادو Santiago Maldonado قسراً، وبقي مصيرُه مجهولاً لأكثر من سبعين يوماً إلى أن عُثِـرَ على جثمانه طافياً على سطح نهر تشوبوت. وفي مارس/آذار 2018 كشف سيرخيو مالدونادو، شقيق سنتياغو، أنّ أفراد عائلته تعرّضوا خلال بحثهم عن سنتياغو إلى تجسّسٍ غير قانونيّ من وكالة المخابرات الفدرالية الأرجنتينيّة. 

تبيّن لاحقاً أنّ التجسّس على عائلة مالدونادو كان جزءاً من عمليّة "الإعصار"، وهي حملة منسّقة بين المخابرات التشيليّة والأرجنتينيّة لقمع الشعب المابوتشي على طرفي الحدود، ويتم من خلالها استهداف الناشطين ومراقبتهم. تبيّن كذلك أن لـ"إسرائيل" أيادٍ في ذلك الاستهداف. فقد طُوّرت تلك الحملة المشتركة من قبل شركة Voyager Labs الإسرائيليّة. وهي شركةٌ أسّسها آفي كورنبلوم Avi Kornblum نهاية عام 2012، وسعت لمنافسة غوغل في تطوير محرك بحثٍ معتمدٍ على الذكاء الاصطناعيّ.2آفي كورنبلوم، مؤسسة شركة Voyager Labs، خبير إسرائيلي في الذكاء الصناعيّ والبيانات الضخمة (Big Data)، خدم لمدة عشرين عاماً في جهاز الأمن والمخابرات الإسرائيلية قبل أن ينقل تجربته العمليّة تلك إلى القطاع الخاص.

في الواقع، فإنّ برمجيّات التجسّس والمراقبة التي تطوّرها شركات إسرائيليّة، وتبيعها لزبائنها حول العالم، ليست إلّا وجهاً واحداً من وجوه العسكرة الإسرائيليّة المتعدّدة في الأرجنتين. تنعكس هذه العسكرة إمّا من خلال نشاط سلطات الاحتلال مباشرةً أو من خلال شركات البرمجيّات وتصدير الأسلحة. ولهذه العسكرة إرثٌ وتاريخٌ يعود إلى فترة الديكتاتورية العسكرية التي حكمت الأرجنتين (1976-1983).

حين يقاطعك الجميع.. تظهر "إسرائيل" 

في كتابه "عمليّة إسرائيل: إعادة تسليح الديكتاتورية الأرجنتينية"، كشف الصحفي الأرجنتيني إرنان دوبري Hernán Dobry النقاب عن صفقات أسلحة سرّية بين الاحتلال الإسرائيلي والديكتاتورية العسكريّة في الأرجنتين بين الأعوام 1978 و1983، بلغت قيمتها 700 مليون دولار حينها، ما يعادل 1.400 مليون دولار في أيامنا. 3( وفقاً لكتاب دويري، بالإسبانية: Operación Israel. El rearme argentino durante la Dictadura (1976-1983))

في تلك الفترة، أدّى حظر توريد الأسلحة الذي فرضته الولايات المتحدة وأوروبا على الديكتاتوريّة التي أخفت أكثر من 30 ألف أرجنتيني قسراً خلال سبعة أعوام، إلى عزل الأرجنتين عسكريّاً. لكنّ البائعَ المنتظر لم يتأخّر في عرض بطاقات اعتماده. وفي سيناريو مكرّر لما حدث في جنوب أفريقيا خلال الأبارتهايد، وفي تشيلي خلال ديكتاتوريّة أغوستو بينوشيه Augusto Pinochet، وفي غواتيمالا خلال سنوات الديكتاتوريّة، ملأت الأسلحةُ الإسرائيليّةُ الفراغَ الذي تركته مقاطعةُ الغربِ للأرجنتين. 

اقرأ/ المزيد: "الشراكة الدموية بين تشيلي و"إسرائيل"".

وصلت الصفقات الإسرائيليّة الأرجنتينيّة ذروتَها خلال حرب المالفيناس/الفوكلاند بين الأرجنتين وبريطانيا (2 أبريل/ نيسان- 14 يونيو/ حزيران 1982).4حرب المالفيناس: صراعٌ مسلّحٌ بين الأرجنتين وبريطانيا، بدأ في أبريل/ نيسان 1982 حين اجتاح الجيش الأرجنتيني جزيرتين أرجنتينيّتين في المحيط الأطلسي تابعتين لبريطانيا. انسحب الجيش الأرجنتيني في نهاية الحرب بعد الانتصار البريطاني. ساهمت الهزيمة في الحرب في تعجيل أجل الديكتاتورية التي كانت تعاني أصلاً سقوطاً حرّاً. ادعى معارضو الديكتاتورية حينها أن اجتياح الجزيرتين سعى إلى كسب شرعية ما في الشارع وحرف الانتباه عن المآزق الاقتصادية وتصوير الديكتاتورية على أنها نظام معادٍ للإمبريالية. وللمحافظة على سرّيتها وعدم استثارة الغضب البريطانيّ وللالتفاف على الحظر، أرسلت "إسرائيل" الطائراتِ الحربيّةَ وصواريخ شافير إلى الأرجنتين عبر البيرو، وذلك بوساطة شركة Isrex التي أنشأت مقرّاً لها في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس عام 1968. لم يكن هدفُ بيع الأسلحة، كما حاول بعض الصهاينة الأرجنتينيّين التّرويج لاحقاً، دعمَ إحدى دول العالم الثالث في وجه قوّةٍ استعماريّةٍ (وكأنهم ليسوا وريثي تلك القوة!)، إنّما كان الهدفُ تعزيزَ صناعةِ الأسلحةِ الإسرائيليّةِ، وتثبيت علاقاتِ "إسرائيل" مع الديكتاتوريات العسكريّة في القارّة كي تصبح العنوانَ الأول في أعوام العزلة. 

كما لم تقتصر الأسلحةُ التي باعتها "إسرائيل" للأرجنتين في فترة الديكتاتورية العسكريّة على الطائرات الحربيّة والصواريخ، بل شملت كذلك أسلحةَ فضِّ المظاهرات، والتي استُخدِمت خلال قمع الحركات اليساريّة وغيرها من معارضي الديكتاتورية الأرجنتينيّة في حينه. 

تبيع الأسلحة حتى لو قتلتْ يهودياً!

من الادعاءات التي انتشرت عن سنوات الديكتاتورية أن الممثليّات الإسرائيليّة أو اليهوديّة الرسميّة في الأرجنتين عارضت الديكتاتوريّة، ولعبت دوراً مركزيّاً في مساعدة عائلات المغيّبين اليهود، الذين يُقدّر عددهم بحوالي ألفي يهوديّ (معظمَهم لم يختر التّعريف الدّينيّ بل منح الأولوية لانتمائه اليساريّ). لكن الصحافيّ والباحث هرمان شيلرHerman Schiller دحضّ هذا الادعاء من خلال دراسته تلك المرحلة وإجراءِ عدة مقابلاتٍ مع عائلات المختفين قسراً. 

يؤكّد شيلر أنّ القياداتِ اليهوديّةَ الرسميّة المتماهية مع الحركة الصهيونيّة اتّخذت موقفاً سلبيّاً من قضايا المُغَيّبين والمعتقلين والمختفين قسراً، وأنّها تتهرّب من هذا الماضي، فهي تحاول طمس حقيقة تواطئها مع الديكتاتورية وتخاذلها مع ضحاياها، حتى اليهود منهم.

يُشير إلى هذا الموقف السلبيّ البيانُ الذي تلته عام 2008 فريدا روزنتال Frida Rosental، والدة ريكاردو روزنتال المُختفي قسراً عام 1976، نيابةً عن 15 عائلة يهوديّة أرجنتينيّة غُـيّب أبناؤها على يد الديكتاتورية. جاء في البيان: "اعتذرت الكنيسةُ والمؤسسة العسكريّة على مساهمتها في جرائم الديكتاتورية. نعلم أنّ هذا الاعتذار كان ضرباً من النفاق، ومحاولةً لمجاراة الرياح السياسيّة الجديدة…. وفي المقابل، "جماعتنا"؛ متّخذو القرار في المؤسسة الرسميّة اليهوديّة في الأرجنتين والحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، امتنعوا حتى عن الاعتذار! ليس ذلك فحسب، نرى أنّهم في السنوات الأخيرة يشنّون حملةً شعواء لتجميل صورتهم والتعتيم على تواطئهم". 

كما ذكرت رينيه إبلباوم، إحدى مؤسّسات حركة "أمّهات ساحة مايو" التي تناضل لكشف مصير المختفين قسراً، الردّ الذي تلقّته الأمّهات حين طلبن المساعدةَ من الوكالة اليهوديّة الأرجنتينيّة "دايا - DAIA" في الكشف عن مصير أبنائهن المختفين؛ مزيجاً من الشماتة والتأنيب: "لقد حدث لكم كل ذلك لأنكم لم تعطوا أبناءكم تربيةً صهيونيّةً".

ماكري وعودة العصر "الذهبي"

بعد انتهاء الفترة الديكتاتوريّة في الأرجنتين، شهدت سنوات التسعينيات والألفية الأولى تعزيزاً للعلاقات الأرجنتينيّة الإسرائيليّة على الصعيد الاقتصاديّ، بالذات من خلال رجال أعمال. إلا أن ازدهار العلاقات غير المسبوق على صعيدها السياسيّ والعسكريّ والأمنيّ بدأ يتصاعد خلال فترة حكم ماوريسيو ماكري Mauricio Macri والائتلاف اليميني الذي قاده بدءاً من ديسمبر/ كانون الأوّل 2015 إلى العام 2019.5انتخب ماوريسيو ماكري، رئيس نادي بوكا جونيورس سابقاً، رئيساً للأرجنتين نهاية 2015، وحكم البلاد لمدة أربع سنوات. شهدت سنوات حكمه عودةً لسياسات النيوليبرالية الفجة وتبنياً لسياسات التقشف وتصاعداً لقمع الحركات الاجتماعيّة وزيادة في حملات عنف الشرطة في الأحياء الفقيرة. عند فوز ماكري، سارع بنيامين نتنياهو إلى مهاتفته ومباركته، وأشار إلى أن ذلك سيؤدي إلى تعزيز وتوسيع العلاقات الأرجنتينية الإسرائيلية.

عن تلك الفترة، نشر الصحافيّ الأرجنتيني غيليرمو مارتينِس Guillermo Martinez في أكتوبر/تشرين الثاني 2017 تحقيقاً من جزءين، يكشف فيه الدور الذي يلعبه رجلا الأعمال رجلا الأعمال ماريو منتوتو Mario Montoto وسيرخيو زبولسكي Sergio Szpolski في تعزيز العلاقات العسكريّة مع "إسرائيل". بحسب التحقيق، فإنّ مونتوتو وزبولسكي ساهما بشكلٍ كبير في الدفع نحو إبرام صفقات بيع الأسلحة وأجهزة التجسس والمراقبة من "إسرائيل" إلى الأرجنتين. 

اختصّ مونتوتو في شراء الأسلحة من شركات إسرائيليّة ومن ثمّ يبيعها لوزارة الدفاع والأمن الداخليّ الأرجنتينيّ، بينما يشارك زبولسكي في التنسيق لتدريباتٍ إسرائيليّةٍ لشرطة وجهاز أمن محافظة بوينس آيرس. تستخدم الأسلحة والبرمجيات الإسرائيلية التي يبيعها مونتوتو في قمع الحركات الاجتماعيّة في الأرجنتين، بينما نرى آثار التدريبات التي تتلقاها الشرطةُ الأرجنتينية في "إسرائيل" من خلال زيادة عسكرة الشرطة في الأحياء الفقيرة وفي مناطق المابوتشي. 

وقد حاولت حركة المقاطعة الناشطة في الأرجنتين لفت الأنظار إلى الدور الذي يلعبه الاحتلال الإسرائيليّ في تدريب وتسليح وتمكين أجهزة القمع الأرجنتينيّة، ففي مظاهرة معارضة لزيارة بنيامين نتنياهو عام 2017 رفع المتظاهرون لافتةً تقول: "الأسلحة التي تقتل الفلسطينيين تقتلنا كذلك". خلال تلك الزيارة، التي كانت أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيليّ إلى الأرجنتين، أبرم نتنياهو مع ماكري سلسلة من اتفاقيات التعاون، أبرزها التعاون على الصعيد الأمنيّ وتدريب الشرطة الأرجنتينية.

ويشير تحقيق مارتينس إلى أن الشركات التي يديرها مونتوتو أشرفت على صفقات بيع أسلحة بين "إسرائيل" والأرجنتين بموافقة وزيرة الأمن الداخليّ باتريسيا بولريتش Patricia Bullrich عام 2016. لكن أكبر أدواره يكمن في تسهيل صفقات بيع أجهزة وبرمجيات التجسس والمراقبة، ويقوم بذلك من خلال دوره كمالك معظم الأسهم في شركة SURELY المختصّة بشراء برمجيات مراقبة وتنصت على أشخاص "خارجين عن القانون" في الأرجنتين.

وبحسب ذات التحقيق، فإنّ العلاقات بين دولة الاحتلال والأرجنتين توّسعت ما بين 2016-2017 من مجال بيع الأسلحة إلى حقل التدريب المباشر الذي تحصل عليه بعثة من رجال الشرطة الأرجنتينيّة من محافظة بوينس آيرس في "إسرائيل"، عُرِفت باسم بعثة "هالكون- Halcón". وهذا ما اعترفت به محافظة بوينس آيرس ماريا بيدال Maria Vidal في سبتمبر/ أيلول 2017. 

وتتويجاً للازدهار الذي شهدته العلاقات العسكريّة في فترة ماكري، كان ينبغي أن تُنظم مباراة كرة القدم وديّة بين المنتخب الأرجنتينيّ والإسرائيليّ في القدس المحتلة قبيل كأس العالم عام 2018، وهي مباراة دفع  ماكري لإقامتها شخصيّاً. إلا أنّ ما لم يتوقّعه ماكري، ربّما، كان الرّفض العارم لإقامة هذه المباراة الودّيّة. فقد نظّمت الحركاتُ الداعمة للشعب الفلسطينيّ في الأرجنتين، وأميركا الجنوبيّة، وحركة المقاطعة تحديداً، حملةً شعبيّةً للمطالبة بإلغاء المباراة. شملت الحملةُ تظاهراتٍ واحتجاجاتٍ خارج معسكر التدريب الأرجنتينيّ في برشلونة، إضافةً إلى رسائل تحثُ اللاعبين على عدم الذهاب إلى أرضٍ محتلّة. 

أُلغيت المباراة قبل يومٍ واحدٍ من موعدها المقرّر، وعزا الاتحاد الأرجنتيني إلغاءها إلى الخوف على أمان اللاعبين. وفي نهاية المطاف، ذهب لاعبو المنتخب الأرجنتينيّ إلى دولة الاحتلال، وشاركوا هناك في مباراةٍ وديّةٍ ضدّ منتخب الأوروغواي –رغم بروز أصوات معارضة مجدداً- نهاية العام الماضي. لكن تلك المباراة لم تحظَ ولو بجزء يسير من الاهتمام الإعلاميّ الذي كُرّس لمباراة عام 2018. قد يعود هذا التباين إلى أن المباراة الأخيرة جرت في مدينة حيفا المحتلة أو إلى أن دولة الاحتلال لم تكن طرفاً فيها. 

بُنية اقتصاديّة لاستمرار العسكرة

شهد عام 2019 هزيمةَ الائتلاف اليميني بقيادة ماكري في الانتخابات الرئاسيّة، وفوز ألبرتو فرناندز Alberto Fernández المحسوب على تيار يسار الوسط والتقدّميين. كان فرناندز من بين الرؤساء المشاركين في إحياء ذكرى المحرقة في القدس المحتلّة الشهر الماضي في أولى زياراته الخارجيّة بعد تولّيه منصبه، وذلك رغم اعتراضاتٍ متفرقة في الأرجنتين أكدّت على توظيف الاحتلال هذه المناسبة لكسب نقاطٍ سياسيّة وإضفاء الشرعية على قمع الفلسطينيين. ولكن ماذا عن التعاون العسكريّ والأمنيّ، وبيع برمجيات المراقبة والتجسس؟

حتى مع تغير الوجوه في المستوى الرئاسي، لا يمكن إغفال دور طبقة من رجال الأعمال الأرجنتينيّين المستفيدين من استمرار صفقات الأسلحة والتدريب العسكريّ،. يُحسِن أولئك استغلال علاقاتهم بالمنظومة الأمنية الأرجنتينية، كما يستغلون هوسها في التعامل مع السكان الأصليّين وفقراء بوينس آيرس والحركات الاجتماعية كما ولو كانوا خطراً أمنيّاً يستدعي تسخير أحدث أجهزة المراقبة والسيطرة لقمعه. وهنا يأتي دور الشركات الإسرائيليّة في تزويد هذه المعدّات، تماماً كما تفعل في دولٍ عديدة أخرى. لذلك، لن تتغيّر هذه المعادلة إلّا بتغيير جذريّ في السياسات الأرجنتينية الداخليّة، ولا يبدو أن الرئيس الجديد سيكون عنواناً لهذا التغيير.

إلى ذلك الحين، يُجمع أبناء أو زائرو مناطق المابوتشي في الأرجنتين وتشيلي على أن المشاهد اليومية لقمع الشرطة والجيش تشبه ما اعتادوا رؤيته في نشرات الأخبار من حملات اقتحامٍ ومداهمةٍ في الضفّة الغربيّة المحتلة. وكما يفتح هذا التشابه عيوننا على التصدير العسكري الإسرائيليّ، فإنّه هذه التوأمة تفتح كذلك أفقاً لتعزيز التضامن والمساندة بين الفلسطينيين والمابوتشي وكافة شعوب أميركا الجنوبية واللاتينية التي تشترك معنا في دفع ثمن العسكرة الإسرائيليّة.