24 يوليو 2020

النجار والحصار.. ماذا حدث للأثاث في غزّة؟

النجار والحصار.. ماذا حدث للأثاث في غزّة؟

كانت صناعة الأثاث في قطاع غزّة قبل الحصار تُعتبر من الصناعات الرائدة في الاقتصاد الفلسطينيّ، وذلك لدورها الإيجابيّ في نمو الناتج المحليّ الإجماليّ. إلا أنّها تشهد منذ العام 2007 ضربات متتاليةٍ أفقدت المجال مكانته الاقتصاديّة، وأدّت إلى فقدان آلاف العمّال أماكن عملهم، تحت وطأة الحصار الإسرائيليّ وعقوبات السلطة الفلسطينية.

 ازدهار الخشب

وفقاً لتقارير الاتحاد العام للصناعات الخشبية في قطاع غزّة فإنّ الكميات التي تم تصديرها للضفة الغربية و"إسرائيل" قبل الحصار بلغ معدّلها 150 شاحنة شهرياً، وبسعر 20 ألف دولار للشاحنة الواحدة، وبقيمة إجمالية بلغت 3 مليون دولار شهرياً. وحققت صناعة الأثاث ربحاً صافياً بنسبة 20% من قيمة الإنتاج، وهذا يعتبر مرتفعاً قياساً بالصناعات والأنشطة الاقتصادية الأخرى، إضافة إلى توفير قطاع صناعة الأخشاب فرص عمل لنحو 11 ألف عامل في القطاع.

ترجع أسباب الزيادة المطردة في إنتاج الأثاث في حينه إلى ازدياد الطلب في الضفة الغربيّة و"إسرائيل"، بسبب تمتع الأثاث الغزّيّ بميزات تنافسية ومنها انخفاض التكلفة، وارتفاع الجودة والتي لا تقل عن جودة الأثاث المستورد من الخارج وخصوصاً من الصين. وقد استطاعت هذه الصناعة مواكبة التغيرات في صناعة الأثاث العالميّ مستفيدة من تطور الصناعة الخشبية الإسرائيلية. طوال سنوات، استند الحرفيّون والنجّارون على استخدام التصاميم المتعددة بهدف صناعة الأثاث بشكله العصري لتحقيق المنافسة مع الأثاث الأجنبي.

ازدهرت في تلك الظروف صناعة الأثاث، وقد تميّز الإنتاج بكونه إنتاجاً عائلياً؛ أي أنّ الصناعة اعتمدت بشكل كبير على التمويل العائلي والعمالة العائلية. كما كانت النسبة الأكبر من منتجي الأثاث هم من صغار النجارين والحرفيين. مع هذا، فقد بقي استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج حكراً على مجموعة من أصحاب مصانع الأخشاب ومواد الطلاء وغيرها من المستلزمات. وهو ما أدّى إلى فروقات واضحة في توزيع عائدات هذه الصناعة، إذ يستحوذ المستوردون وأصحاب المصانع الكبيرة على نسبة ضخمة من الدخل، متحكّمين بأسعار المواد الخام المستوردة من "إسرائيل" غالباً.

الحصار ينخُر

تعرضت صناعة الأخشاب لعدد من التحديات بفعل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، والانقسام الفلسطينيّ. بلغت خسائر الصناعات الخشبية والأثاث في قطاع غزة خلال الفترة 2007-2017 نحو 120 مليون دولار، بواقع مليون دولار شهرياً. استُهدفت 423 منشأة وورشة لصناعة الأخشاب والأثاث خلال الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة منذ عام 2009 حتى 2014، وتوقّفت عشرات المنشآت عن العمل نتيجة تعرضها لخسائر مالية كبيرة، وعدم حصولها على تعويضات مالية كافية للاستمرار في نشاطها الاقتصادي.

وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد بلغ عدد منشآت صناعة الأثاث حتّى عام 2016 في قطاع غزة 770 منشأة، سُجّل فيها 3,728 عاملاً فقط (مقابل أكثر من 11 ألف قبل الحصار). بعد تصعيد سياسات الخنق الإسرائيليّة، وأبرزها منع استيراد ألواح الخشب التي يزيد سمكها عن سنتيمتر واحد، كما منع العديد من المواد الخام والطلاء، أغلقت 90% من المنشآت أبوابها ولم يبق منها إلا 70 منشأة. في عام 2019، بلغ عدد العاملين في المنشآت 1,000 عامل فقط.

جرّ منع الاستيراد ارتفاعاً هائلاً في تكاليف المواد، تحديداً أنّ دخولها مشروط بموافقة خاصّة من اللجان الأمنيّة الإسرائيليّة التي تعرقل دخول المواد بادعاء "ازدواجيّة الاستخدام". إذ تدّعي "إسرائيل" أن قائمة من المواد الخام يجري استخدامها لأغراضٍ عسكريّة من قبل المقاومة. إثر هذه السياسات، شهدت الأسعار ارتفاعات هائلة؛على سبيل المثال، ارتفع سعر المتر المكعّب من الخشب من 2,400 شيكل قبل المنع إلى 7,000 شيكل، كما ارتفعت تكلفة الشحن من ميناء أسدود إلى غزّة من 150 شيكلاً عام 2007 إلى 6,000 شيكل عام 2019.

كذلك منعت "إسرائيل" وعرقلت بيع الأثاث المصنوع في غزّة في أسواقها وأسواق الضفّة الغربيّة، وهو ما زادت من تكلفة الإنتاج والنقل وراكم صعوبات كثيرة حوّلت الاستيراد من الصين أكثر سهولةً وربحاً. وإضافةً لإغلاق هذه الأسواق، لم يبق أمام معامل الأثاث إلا السوق الغزّي، والذي يعاني حالة مدقعة إثر الحصار الإسرائيليّ وعقوبات حكومة رام الله المتمثلة بسياسة التقاعد المالي وخصم حتّى 50% من رواتب الموظّفين. كما زادت على هذا كلّه سياسات حكومة غزّة التي راكمت المزيد من الضرائب.

قبل أن تنتهي الصنعة

أمام الحالة المتدهورة لصناعة الأثاث في قطاع غزة، فإن هناك ضرورة لقيام حكومة غزّة بصرف كامل التعويضات المالية لأصحاب المنشآت المتضررة في الاعتداءات الإسرائيلية السابقة. كما تجدر إعادة النظر في الضرائب المفروضة على المواد الخام، مع وجود أهمية لفرض ضريبة تصاعدية على أرباح الشركات والمصانع الكبيرة والتي بإمكانها زيادة الإيرادات الحكومية والعدالة في توزيع الدخل والثروة.

يجدر العمل كذلك على تشجيع المنتج الوطني ودعمه ليشكل قاطرة للنمو الاقتصادي الفلسطيني، إضافة إلى ضرورة تقديم التسهيلات الائتمانية لمنشآت صناعة الأثاث، حيث لا زالت هذه الصناعة تعتمد على التمويل الذاتي والعائلي.