29 سبتمبر 2021

المسجد الأقصى.. كي لا يضيع الإنجاز

المسجد الأقصى.. كي لا يضيع الإنجاز

شهد المسجد الأقصى خلال سبتمبر الجاري، تصاعداً خطيراً في حجم ونوعية اعتداءات المستوطنين الساعين لفرض سيطرتهم على المكان وطرد الفلسطينيين منه. 

عدا عن الارتفاع النسبيّ الكبير في عدد المقتحمين للمسجد، فإن اعتداءاتهم شهدت قفزة نوعيّة من حيث التمادي في فرض شعائرهم، وتجاوز "الخطوط الحمراء" التي كانت مفهومة ضمناً ضمن ما يعرف بـ"الوضع القائم"، حتى من قبل شرطة الاحتلال. 

صلاة علنية جماعية، استخدام مكبرات الصوت، التقاط الصور وإلقاء الأدعية والخطابات، إطالة فترة الاقتحام، ورفع الأعلام الإسرائيلية بتشجيع شرطة الاحتلال، وأداء بعض الطقوس الدينية المتعلقة بالأعياد، والتي لم يكونوا يجرؤون سابقاً على أدائها إلا على أبواب المسجد الخارجية.

كلّ ذلك وأكثر ترافق مع: تعطيل الفلسطينيين في الدخول للمسجد، تفتيشهم، منعهم من الجلوس في أي مكان قريب من مسار الاقتحام، الضرب، ملاحقة بعض الحافلات التي تقل المصلين للمسجد، تكثيف الحضور الأمني في المسجد ومحيطه، والاعتقالات.

إلى وقت قريب، كان الاقتحام يتضمن فقط "السير" داخل المسجد، ومحاولة الصّلاة بالتمتمة أو حتى سراً. وكان يتصدى لأي تطورات جموعُ المصلين والمرابطين داخل المسجد، فلطالما حقق التواجد البشري الفلسطيني واستعداده للمواجهة الردع أمام هذه السياسات الاستيطانية، وعطّل تقدمها وتسارعها.

إلا أنّ السنوات الماضية شهدت استهدافاً مكثفاً من قبل قوات الاحتلال لكلّ مركبات الرباط والحضور البشري: اعتقال المئات بتهم التواجد في المسجد،  الإبعاد المتكرر للعشرات، ضرب وسحل وهدم منازل حرّاس المسجد الذين يشهدون عن قرب اعتداءات المستوطنين.

وقد كان الحرّاس أول من دقّ ناقوس الخطر، بعد أن أُجبروا على الابتعاد عن مجموعات المستوطنين وعدم مراقبتهم، لكن ذلك الدق لم تلتفت له دائرة الأوقاف، والتي ما زالت - إلى جانب جهات تمثيلية أخرى في المدينة - تلتزم موقفاً خجولاً ومتردداً أمام فداحة التطورات.


ترافق ذلك مع تصاعد الحضور السياسي والاجتماعي لـ"جماعات الهيكل" إسرائيلياً؛ برزت علاقاتهم مع وزارة الأمن الداخلي، وهو ما ينعكس اليوم على التعاون الوثيق بينهم وبين أفراد شرطة الاحتلال. كما نجحوا في نشر أفكارهم في صفوف تيارات دينية واسعة وأخرى علمانية. 

واليوم لم يعودوا يعلنون "نيتهم الصعود إلى جبل الهيكل"، بل أصبحت إعلاناتهم تحمل صراحة الدعوة "للصلاة فيه". بل إن مستويات عليا في حكومة الاحتلال تصرح علانية للتأكيد على "حق اليهود في الصلاة" في الأقصى، وهو ما يُنذر بمصير مشابه لمسجد إبراهيم الخليل.


إذا أضفنا إلى هذا السياق ما نعرفه عن العمل التدريجي الاستراتيجي والمنظم لجماعات الهيكل، وأن ما يحدث اليوم نتيجة جهود طويلة، وما نعرفه عن اتصاف أغلب لحظات المواجهة في الأقصى بأنها ردود أفعال أكثر منها عملاً منظماً، فإننا نفهم بعضاً من صورة المشهد اليوم.

لقد شهد مايو الماضي واحدة من أبرز محطات الجهد الشعبي لتعطيل مخططات الاستيطان في الأقصى، فقد نجح جموع الناس، ودعم المقاومة لهم، وما استثاروه من موقف شعبي عربي وإسلامي، في منع واحدة من أبرز احتفاليات المستوطنين في الأقصى (يوم القدس). 

كانت تلك المحطة إثباتاً آخر على مركزية الحضور البشري والانتباه المسبق في منع الاعتداءات، وفهمنا مجدداً أن الاحتلال لا يتراجع إلا بقوة الردع. ذلك الإنجاز إن لم يراكم عليه وإن لم تثابر القوى الشعبية والسياسية على إحياء حوافزه، سيبقى حبيس الذكريات، ويسهل من بعده تمرير المخططات.