19 مارس 2024

وطنٌ من القواعد.. عن الوجود الأميركي بيننا 

وطنٌ من القواعد.. عن الوجود الأميركي بيننا 

فجر يوم الأحد، 28 كانون الثاني/ يناير 2024، كان الرئيس الأميركي جو بايدن متجهاً إلى ولاية كارولينا الشمالية ضمن حملته الانتخابية. وفي الطريق جاءه اتصال هاتفي: لقد قُصفت قاعدة لنا، ولكنه ليس ككل قصف، فلقد قتل 3 من جنودنا وأصيب 34 آخرون

نجحت طائرة مسيرة انطلقت من سوريا، في تغيير خطاب الرئيس بايدن، فتحوّل خطابه الترويجيّ إلى حفلةٍ من التهديد والوعيد؛ "سوف نرد"، قال في خطابه. فالضربة هذه المرة لم تقتصر على الحجر، بل استهدفت أكثر من 350 جندياً أميركياً يقيمون في قاعدة "البرج 22" في الأردن، قرب الحدود السورية والعراقية.

ليست هذه القاعدة إلا واحدة من قواعد أميركية عديدة منتشرة في منطقة "الشرق الأوسط"، وتقدّر أعداد القوات فيها بأكثر من 45 ألف أميركيّ، بين ضابط وجندي ومستشار وخبير. 

يحاول هذا المقال رسم خريطة للوجود الأميركي "الظاهر" في الوطن العربي، وفهم جزء من دوره في المنطقة، انطلاقاً من الهجمات التي تعرّضت لها قواعده. 

سوريا: الجنود مثل البط!

تقع قاعدة "البرج 22" في أراضي الأردن، "الحليف القوي والدائم" للولايات المتحدة حسب تعبير بايدن. ظهرت هذه القاعدة إلى العلن بعد استهدافها من "المقاومة الإسلامية في العراق"1المقاومة الإسلامية في العراق هي عبارة عن مجموعة من الفصائل العراقية المدعومة من إيران، وتضم بداخلها: كتائب حزب الله العراق، وحركة النجباء، وعصائب أهل الحق، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب الامام علي.، ويُختزل دورها في تقديم الدعم لقاعدة "التنف" التابعة لمحافظة حمص السورية، والواقعة قرب مثلث الحدود مع الأردن والعراق. 

تُعدُّ قاعدة "التنف" إحدى أبرز القواعد الأميركية في المنطقة. تقول أميركا إنّ القاعدة التي تقع على طريق بغداد-دمشق، هدفها الأساسي إلى جانب "محاربة تنظيم داعش"، هو منع "نقل إمدادات الأسلحة من إيران إلى حزب الله في لبنان والفصائل السورية الموالية لإيران"، لذلك فهي القاعدة الوحيدة الواقعة خارج مناطق الشمال السوري. 

قوات من قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تشارك في مناورات عسكرية في ريف دير الزور شمال شرق سوريا في 25 مارس 2022. (دليل سليمان / وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيماجز)

منذ دخولها سوريا، وصل عدد القواعد الأميركية إلى 20 قاعدة على الأقل، تتركز في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية لنهر الفرات، ست قواعد منها كانت في مرمى ضربات "المقاومة الإسلامية في العراق"؛ هي قاعدة "التنف"، وقاعدتا "حقل كونيكو" و"حقل العمر النفطي" في محافظة دير الزور، وقواعد "الشدادي" و"هيمو" و"خراب الجير" في محافظة الحسكة.

ومنذ 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وفي سياق معركة "طوفان الأقصى"، نفّذت "المقاومة الإسلامية" خلال 100 يوم أكثر من 178 هجوماً ضدّ القواعد الأميركية في العراق وسوريا. قال عضو مجلس الشيوخ الأميركي راندال باول: "يبدو لي أن هناك 900 جندي أميركي لا يقومون بشيء في سوريا، فقط يُستهدفون مثل البط"، وذلك في سياق مناقشة مجلس الشيوخ لسحب القوات الأميركية من سوريا نهاية العام الماضي إثر الهجمات التي تعرضت لها.

العراق: "الحرب على الإرهاب"

أما العراق، فيتواجد فيه أكثر من 2500 جندي أميركي موزّعين على 13 قاعدة عسكرية أميركية  في مواقع متفرقة مثل مطار "القيارة" العسكري جنوب مدينة الموصل، وأربع قواعد في كردستان العراق هي قاعدة "أتروش" وقاعدة "حرير" بالإضافة إلى قاعدتين في محافظة السليمانية، وأيضاً هناك قاعدتا "عين الأسد" و"الحبانية" في الأنبار قرب الحدود الأردنية السورية، أما العاصمة بغداد ففي وسطها قاعدة "فيكتوري”، وفي شمالها قاعدة "التاجي"، كذلك محافظة كركوك التي تضم قاعدتين هما: قاعدة "رينج" التدريبية وقاعدة "التون كوبري"، وأخيراً قاعدة "بلد" الجوية في محافظة صلاح الدين.

يُعزى هذا العدد الكبير للقواعد العسكرية الأميركية إلى الغزو الأميركي للعراق عام 2003، والذي أدى إلى سيطرةٍ أميركيةٍ على المناطق الحساسة والغنية بالنفط والغاز العراقي. هذا بالإضافة إلى أنّ التواجد في العراق مهم للأميركان، حتى يشكّلوا قوّةً رادعة بالقرب من إيران التي تمتلك مصالح هامة في العراق أيضاً. 

غرفة حراسة لجندي من الجيش الأمريكي على محيط المنطقة الدولية في بغداد، العراق، في مايو 2021. الصورة: جون مور / غيتي إيماجز

وفي العام 2011، قرّرت الولايات المتحدة إنهاء حربها على العراق وسحب قوّاتها منه، وما كان هذا القرار ليكون لولا المقاومة العراقية للغزو الأميركي على مدار 8 سنوات.

اقرؤوا المزيد: السفير الأميركي الذي صُنع في "إسرائيل"

ولكن بعدها بنحو 3 أعوام، عاد الأميركان بأكثر من 6 آلاف ضابط وجندي واستشاري ومدرب وقوات دعم وإسناد مختلفة إلى قواعدهم في العراق عام 2014، بحجة "الحرب على الإرهاب"، والذي كان يعني هذه المرّة "تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". 

خليج القواعد

كانت عملية "عاصفة الصحراء" الأميركية عام 1991 بوابة الولايات المتحدة إلى الخليج، التي ما إن دخلته حتى أخذت تعزّز كل عام من انتشار جنودها فيه، بحجة تقديم الدعم اللوجستي والتدريب والمهام الاستشارية والأمنية. شمل ذلك تأمين دول الخليج العربي، ومضيقي هرمز وباب المندب، والبحر الأحمر، وخليج عدن، وبحر العرب، كما شمل تشكيل قوى دعمٍ وإسنادٍ للسفن والبوارج الأميركية المنتشرة في المحيط الهندي، وأماكن الصراع مثل سوريا والعراق واليمن وغيرها. 

وقد عملت الولايات المتحدة على مدار عقود من الزمن، على الاستثمار في الخوف العربي من إيران، كقوّة تسعى للسيطرة على المنطقة العربية استناداً إلى دعوة "تصدير الثورة" الإيرانية، ممّا برّر وعزّز من التواجد الأميركي الذي بات كملجأ للخليج بحجة حفظ أمنه واستقراره. 

بهذا، فإنّ التواجد الأميركي الأكبر في الوطن العربي متركزٌ في الخليج العربي، والقاعدة العسكرية الأكبر متواجدة في قطر؛ قاعدة "العديد" الجوية. تضم القاعدة بداخلها القيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية والمركز المشترك للعمليات الجوية والفضائية، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف جندي أميركي. وتقع بالقرب منها قاعدة "السيلية"، التي كانت مركز القيادة الوسطى الأميركية خلال الحرب على العراق عام 2003، أما اليوم فقد تحولت إلى مستودع للمعدات العسكرية الأميركية. 

وفي البحرين، يبلغ عدد القوات الأميركية نحو 9 آلاف عنصر. وفيها يتواجد مقر "الأسطول الخامس" الأميركي، تحديداً في منطقة الجفير شرق العاصمة البحرينية المنامة، والذي تتركز مهامه في مناطق الخليج العربي والبحر الأحمر والمحيط الهندي. كما تتواجد في البحرين قاعدة "الشيخ عيسى" الجوية، التي تضمُّ بداخلها طائراتٍ مقاتلة وطائرات استطلاع ومركز عمليات للقوات الخاصّة الأميركية.

في حين يقع على أرض الكويت أكبر وجود بريّ أميركي في الخليج، بواقع أكثر من 13 ألف جندي. هذا العدد الكبير من الجنود جاء نتيجة اتفاقية تعاون دفاعي وقعتها الكويت مع الولايات المتحدة بعد غزو العراق للكويت عام 1990، توفر الكويت بموجبه قواعد جوية وبرية ومستودعات لتخزين الأسلحة والمعدات العسكرية الأميركية. وتبعاً لموقعها القريب من العراق وإيران، وعدد القوات المتواجدة فيها، فإن الكويت تعدّ مقراً أمامياً للجيش الأميركي. 

بينما تتمركز القواعد العسكرية الأميركية الموجودة في الإمارات في قاعدة "الظفرة" الجوية. وقد نشر الجيش الأميركي متفاخراً عام 2022 مقطع فيديو، يُظهر بعضاً من مهمات وقدرات "جناح الاستطلاع الجوي الـ 380" والموجود في تلك القاعدة. وجاء نشر مقطع الفيديو بعدما تمكن صاروخ "باتريوت" أميركي من التصدي لصواريخ "باليستية" أطلقت من اليمن باتجاه الإمارات. وتبرز أهمية القاعدة في قدرات المراقبة والتجسس الأميركية فيها، كما تضمّ بداخلها "سرب الاستطلاع 99"، وعشرات الطائرات من نوع "لوكهيد يو-2" الاستطلاعية، وطائرات "أواكس"، وطائرات "f-15s"، وطائرات من طراز "F-22". 

كذلك، تقدّم سلطنة عمان تسهيلاتٍ للقوات الأميركية تسمح لها باستخدام موانئها ومطاراتها تبعاً لاتفاقية وقعتها السلطنة مع الولايات المتحدة عام 1980، كما نشرت بعض التقارير عن وجود قواعد عسكرية سريّة في السلطنة، دون وجود ما يؤكد ذلك. 

اقرؤوا المزيد: "أمريكا راس الحية"

أما المملكة العربية السعودية، فإنها منذ عام 2003 تخلو من القواعد العسكرية الأميركية، على الأقل علناً، مع استمرار تواجد جزء من الجنود والضباط والاستشاريين ضمن اتفاقيات التعاون والتدريب. ارتبط هذا الخلو من القواعد بنجاح احتلال أميركا للعراق، إضافة إلى توفير السعودية إمكانية استخدام مرافقها العسكرية أميركياً في أي وقت. إلا أن العام 2019 حمل معه عودة للتواجد الأميركي في المملكة، لما توفره هذه العودة من ردع "يضمن قدرتنا على الدفاع عن قواتنا ومصالحنا في المنطقة من التهديدات"، على حد تعبير القيادة المركزية الأميركية. 

جنرال مشاة البحرية كينيث إف. ماكنزي جونيور، قائد القيادة المركزية الأمريكية، على اليمين، يصافح طيارين من القوات الجوية الملكية السعودية في قاعدة الأمير سلطان الجوية، 18 يوليو، 2019. (Sgt. Roderick Jacquote/Marine Corps)

 

في خدمة "إسرائيل"

في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كشف موقع "ذا انترسبت" الأميركي عن قاعدة عسكرية أميركية في "إسرائيل". تقع القاعدة "base 512" على بعد 32 كيلومتر فقط من قطاع غزّة، على جبل "هار كيرين" في صحراء النقب، بينما دورها الرئيس حسب الموقع، هو رصد الصواريخ المتجهة نحو "إسرائيل". وللمفارقة، لم تنجح رادارات القاعدة الأميركية في رصد صواريخ القسام المحلقة نحو الأراضي المحتلة في السابع من أكتوبر، فلا هي رصدت ولا هي تصدّت.

ليست هذه القاعدة إلا إتماماً لصورة "الشرق الأوسط" الغارق بالقواعد الأميركية؛ قواعد تستخدمها الولايات المتحدة في إطلاق طائراتها المحمّلة بالصواريخ الموجّهة علينا، وفي مراقبتنا والتجسّس علينا، وفي تدريب جيوش الاستبداد في الوطن العربي لقمعنا، وفي حماية مصالحها وتثبيت هيمنتها، والأهم: حصناً منيعاً لحماية أمن "إسرائيل". 





27 نوفمبر 2023
اليوم 52: "سأظل أسيرة شكر"

في اليوم الرابع والأخير على الهدنة، فرضت المقاومة تمديداً جديداً لمدة يومين يتخللها استئناف إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، واستكمال…