في الخامس من مارس/آذار 2020، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية حالة الطوارئ في البلاد بعد تسجيل الإصابات الأولى للفيروس. بعد ذلك بأسابيع أعلنت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة عن توظيف كادر طبي جديد، بعقود تتناسب معهم ولمدة عام مع توفير تأمينٍ صحيّ لهم.
تصل نسبة الممرضات والممرضين في القطاع الصحي في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى 18,946 ممرضاً وممرضة، نسبة الممرضات منهم ما يقارب 55% ، مقابل 44% للممرضين في الضفة الغربية، وذلك حسب إحصائيات جهاز الإحصاء الفلسطيني لعام 2019. في هذا التقرير تحدثنا مع عدد من الممرضات لنسمع شهاداتهنّ من داخل أقسام علاج "كورونا" في مستشفيات الضفّة الغربية.
ممرضات بلا خبرة؟! والتعلم بالصدفة
بداية الجائحة، درّبت وزارة الصحة الفلسطينيّة مجموعة من الكادر الطبيّ المكلف بالعمل في أقسام "كورونا"، وهي المجموعة التي وقع على عاقتها لاحقاً تدريبُ من سيدخل هذه الأقسام من كادرٍ جديد. ولكن هل فعلاً امتلك الكادر المدرب الوقت الكافي والخبرة الكافية لتدريب الموظفين الجدد في ظل ضغط العمل في أقسام "كورونا"؟. "لقد توفر لي اللقاح ولم أجد وقتاً لأخذه، فهل سأجد وقتاً لتدريب الممرضين الجدد الذين يشكلون غالبية القسم!"، قالت الممرضة ن.ب والتي انتقلت للعمل في قسم "كورونا" في أحد مستشفيات الضفة بعد خبرة سنتين في مجال التمريض.
بعد مرور أقلّ من عام على تخرج الممرضة م.ن، تخصص التمريض، وقعت عقدها للعمل ضمن الكادر الطبي الذي تم توظيفه لمواجهة جائحة كورونا، ثمّ وجدت نفسها في اليوم التالي لتوظيفها في قسم العناية المكثفة لمرضى كورونا! "وجدتُ نفسي مُحاطةً بـ28 مريضاً دون تلقي أي تدريب للتعامل مع المرضى في هذا القسم، نحن نتعلم بالصدفة، مثلاً كنت أحياناً أُحضِرُ أغراضي الشخصيّة إلى داخل القسم، ثم اكتشفتُ فيما بعد أنّه يُمنع ذلك بعد أن أخبرني أحد الممرضين".
يُفترض أن من يعمل في قسم العناية المكثفة الممرضون ذوو التخصص في "العناية المكثفة"، أو على الأقل من يملكون خبرةً كافيةً في مجال التمريض والإنعاش. الممرضة ن.ع.، إحدى الممرضات العاملات في أحد أقسام العناية المكثفة، ردّت بسخرية بادية عندما سألناها عن التخصص والخبرة فقالت: "إسأليني مين فينا أصلاً خبرة؟"، إذ يعمل في ذلك القسم 13 ممرضاً وممرضة، 3 فقط منهم لديهم خبرة سابقة والبقية خريجون جدد. تستدرك الممرضة بالقول إنّ هذا التوزيع قد يكون طبيعياً في الحالات الطبيعية، ولكن في حالة علاج مرضى كورونا من أصحاب الأوضاع الحرجة، فإنّ أي خطأ قد يودي بحياة المريض. تقول: "عمل العناية المكثفة دقيق للغاية. المريض يكون منوماً تنويماً كاملاً، وجهاز التنفس هو من يعمل عنه، لذلك إن خرج أنبوب الجهاز من المكان المخصص ستكون كارثة".
وبالحديث عن جهاز التنفس، فإنّه من المفترض أن يُشرف طبيب التخدير أو طبيب العناية المكثفة على تركيب جهاز التنفس الاصطناعي لمرضى كورونا، لكن في بعض الحالات، ولنقص الكفاءات، يقوم الممرضون بذلك دون ضمان وجود أي خبرة أو تجربة كافية لمثل هذه المهمة الدقيقة. وبحسب معهد السياسات الاقتصادية الفلسطينية "ماس"، فإنّ تخصص العناية المكثفة من التخصصات التي تعاني نقصاً في الكوادر المؤهلة في الضفة والقطاع.
نقص مستمر.. ومتابعة غير متوازنة
بحسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية، وصلت عدد الإصابات بفيروس كورونا لدى القطاع الطبي في فلسطين حتى أبريل/نيسان 2021، إلى 4682 إصابة، أي ما نسبته 2.17% من مجمل الإصابات، وحصة الأسد من هذه الإصابات يعود للممرضات والممرضين لاحتكاكهم المباشر مع المرضى.
وتُعَد العدوى التي قد يتعرض لها الأطباء والعاملون في القطاع الصحي من القضايا الصحية المهمة والتي تفوق في تأثيرها قطاعات أخرى، والأسباب لا تنتهي، منها أنهم ينتقلون بين المرضى، وبذلك قد يتسببون في نقل المرض إلى غير المصابين به، وأنهم يعودون إلى أسرهم، وقد يتسببون في نقل المرض إليهم، إضافة إلى أنهم قد يسقطون ضحايا لمرض يحاولون البحث عن علاجه، ما يجعل من حماية العاملين في القطاع الصحي من العدوى ضرورةً قصوى.
لذلك وفرت وزارة الصحة الفلسطينية للعاملين في القطاع الطبي المعدات اللازمة للوقاية من الفيروس في بداية الجائحة، ولكن الأمر لم يستمر طويلاً، إذا أخذت المعدات الطبية من ألبسةٍ وقائيّةٍ ومواد تطهيرٍ وتعقيم بالتناقص تدريجياً في بعض المستشفيات، مع بقاء الوضع على حاله في مستشفيات أخرى، وذلك بناءً على شهادات ممرضات يعملن في أقسام كورونا.
وتمكن متراس من الوصول إلى رئيسة قسم المنامات في قسم كورونا بأحد المستشفيات، وأكدت لنا بتناقص المعدات الوقائية اللازمة، إضافة إلى تناقص أنواع محددة من المعدات الطبية، ولتغطية ذلك النقص يجبرون على استخدام بدائل أخرى تقوم بنفس الغرض، "عندما استلمنا القائمة الأخيرة صدمنا من الكمية التي بالكاد تكفي لأسبوعين فقط".
لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للممرضة ن.ب.، والتي تساءلت هل يمكن أن يأتي اليوم الذي سنرتدي فيها كيساً بلاستيكياً أثناء الدوام، "في بداية الجائحة كنا نستعمل أجود أنواع الكمامات الطبية، ولكن الوضع الآن مختلف إذ نستعمل نوعاً رديئاً ما يجبرنا على ارتداء كمامتين معاً، وتغييرهما باستمرار".
بعيدًا عن قسم كورونا، كشفت لنا إحدى ممرضات قسم الجراحة في أحد المستشفيات في وسط الضفة: "الكمامات والكفوف في المستشفى شبه معدومة، في غالبية الأيام أقوم بشراء كمامات وأخذها معي للدوام، وأحياناً أضطر إلى التعامل مع المريض دون كمامات أو كفوف وهذا ما يشكل خطراً عليه وعلينا".
كادر قليل ينقص
في دراسة أعدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية "ماس"، لدراسة نقص وفجوة المهارات في القطاع الصحي في الأراضي الفلسطينية، وتبين من خلال قياس مؤشر عدد العاملين في التمريض والقبالة لكل 1000 نسمة، وصلت قيمة هذا المؤشر في فلسطين إلى 2.25، في حين أن هذه القيمة تصل حوالي 7.5 في قطر، 9.6 في ليبيا، ويدل هذا المؤشر على مدى الرعاية والاهتمام التي يتلقاها الشخص عند دخول المستشفيات.
وخلال حديثنا مع الممرضات في أقسام كورونا أوضحن لنا بأن مختلف الأقسام في المستشفيات الحكومية في الوضع العادي والطبيعي، تضم عادةً ما يقارب من 20- 25 ممرضاً وممرضة، بمعدل 7 مرضى لكلّ ممرض. ولكن في أقسام كورونا تختلف الحالة تماماً، لأن هذا العدد يعتبر غير كافٍ مقارنة بما يحتاجه مريض كورونا من اهتمام، والقيام على احتياجاته المختلفة التي تختلف عن المريض العادي، وخاصة لعدم وجود مرافق له، فيضطر الممرض للقيام بمختلف احتياجاته من ردٍ على هاتفه، ولمساعدته في تناول الطعام والدخول إلى الحمام، "أحياناً أًجبر على أن أساعد مريض ذكر في الدخول إلى الحمام، لعدم وجود ممرض في ساعات دوامي"، تقول إحداهن.
تمكن متراس من الوصول إلى أحد أقسام كورونا، يعمل به ممرضتان فقط لا غير، في أوقات الدوام في قسم كورونا الذي يتواجد فيه لتاريخ إعداد هذا التقرير 22 مريضاً مصاباً". في بعض الأيام ينتهي دوامي دون تناول الطعام أو كاسة ماء، أو أدخل الحمام".، قالت الممرضة م. ن. وما يزيد الطين بلة، إصابة أحد أفراد الكادر بفيروس كورونا ليدخل الحجر المنزلي لمدة تتراوح ما بين 10 -14 يوماً، وهذا ما يزيد من نقص الكادر نقصاً، ويزيد ضغط العمل على الكادر الموجود.
علاوة المخاطرة!
في السادس من مارس/ آذار 2021 أصدرت نقابة التمريض والقبالة، واتحاد نقابات المهن الصحية، ونقابة موظفي الخدمات الصحية، بياناً توضح فيه أهم مطالبهم وإضرابهم مع عدم توجههم للعمل، وشملت مطالبهم بنوداً عديدة من أهمها: مطالبتهم بعلاوة مخاطرة تصل إلى ما نسبته 150%، وتثبيت موظفي العقود، إذ هنالك من يعمل على بند العقود للسنة الخامسة والسادسة على الأقل، ورغم الانتقادات التي وجهت لهم باختيارهم الوقت غير المناسب لهذا الإضراب، إلى أنهم أكدوا أن مطالبهم ليست جديدة بل تعود للعام 2013 ولكن الحكومة الفلسطينية تُأجل مطالبهم، وأحياناً أخرى لا تعرها اهتماماً.
وبالنظر لموضوع العقود، وشروط التوظيف في ظل جائحة كورونا للممرضات والممرضين الذين تم توظيفهم ضمن خطة وزارة الصحة لمواجهة فيروس كورونا، فهي عقود سنوية لا تحمل مقياساً واضحاً للرواتب، وتختلف من ممرضة لأخرى، حيث يصل رواتب من تم توظيفهم في بداية الجائحة إلى 900 دولار، ثم أخذ الراتب بالتناقص مع الدفعة الثانية من الموظفين (الممرضات – الممرضين)، ليصل إلى 800 دولار، والدفعة الأخيرة وصل الراتب إلى 700 دولار وهذا ما لا يتناسب مع ظروف العمل وطبيعته حسب ما أكدن الممرضات اللواتي وقعن عقودهن خلال الجائحة.
وأوضحت لنا نقيبة التمريض- فرع جنين، ختام أبو ناعسة، بأن الحكومة وافقت على غالبية المطالب التي قدمتها النقابة ولكن الأمر لا زال "حبراً على ورق"، أما فيما يتعلق ببند "علاوة المخاطرة"، رفضت الحكومة تطبيقه حالياً بسبب عجز في الموازنة، وأكدت استمرار الإضراب في أيام محددة، مع العمل بقية الأيام لأن الهدف هو تحقيق مطالبهم الذي سينعكس إيجابياً على طبيعة عملهم، "نحن لا نريد الأذى بل نريد تحصيل حقوقنا".
أثناء كتابة هذا التقرير وصلت دفعة من لقاحات كوفيد-19 وفق آلية "كوفاكس" الأممية، إلى الضفة الغربية، وقالت وزارة الصحة الفلسطينية، إن تلك اللقاحات ستُعطى للكوادر الطبية، ومرضى الكلى والسرطان، ومن هم فوق 75 سنة. تأمل الممرضات خيراً ويتساءلن وينتظرن دورهن للحصول على اللقاح.