"ماذا يمكن أن نفعل لأجل غزة؟" يسألني أحد الأصدقاء خارج غزة، سؤالاً صادقاً نابعاً من رغبته في فعل شيء ما لأجل غزة وأهلها. والحقيقة، أن هذا السؤال قد بدأ منذ احتلال فلسطين، وظل يتكرر على مر العقود السابقة، وزاد بشكل ملحوظ مع بدء حصار غزة قبل نحو 19 عاما.
كنت سأبدأ بالإجابة التقليدية التي نقولها دائماً أن فلسطين قضية كل إنسان حر، وأن على الجميع أن يفعل شيئاً ما، وأن الدعاء أقل القليل، ويجب أن تستمروا في الحديث عن فلسطين، ونشر التوعية، والدعم المادي والإعلامي، وغير ذلك من وسائل الدعم المعروفة.
وعلى الرغم من أن تلك الإجابة ربما تكون صحيحة، فإن السؤال في الأساس موجه للشخص الخطأ، إذ هل يفترض بمن يعيش تحت الإبادة أن يفكر لمن هم خارجها ماذا يفعلون؟ هل يمكننا أن نأخذ استراحة من الإبادة لساعة أو ساعتين كي نقوم بعصف ذهني ونساعد أصدقاءنا ممن هم خارج غزة بأفكار يقومون بها لوقف النزيف والقتل والتجويع والإبادة التي نتعرض لها في كل لحظة؟
أدرك أن الكثير من الأفراد يقومون بجهد كبير من أجل غزة، جهود فردية في كثير من القطاعات، لكننا عند النظر إلى الجهد الجماعي وتأثيره بوقف الإبادة والتجويع، فإننا لا نحتاج إلى وقت طويل لاستنتاج أن الجهد الجماعي لم يكن بالحجم اللازم لوقف الإبادة منذ الأسابيع الأولى للحرب، وأننا لا نزال نرى مشاهد القتل لأكثر من 600 يوم من دون أن تتمكن حتى الأمم المتحدة من إصدار قرار يلزم "إسرائيل" بوقف الإبادة، حتى بعد استشهاد ما يزيد على 55 ألف إنسان في غزة.
اقرؤوا المزيد: الجوع والخيمة
إن ما يحدث هنا واضح للغاية، يمكنك أن تشاهده بالتفاصيل مباشرة في القنوات والصحف وصفحات الناشطين الذين يبثون كل شيء على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، لذا فإن المعرفة بالواقع صارت ممكنة وسهلة في خطوة أولى نحو الفهم وبدء فعل حقيقي على الأرض.
وبالنظر إلى المسيرات وأهميتها وتأثيرها الكبير في وقف الحروب سابقاً مثل حرب فيتنام، فإننا يجب أن نسأل أنفسنا دائماً: هل حجم الحراك كافٍ لوقف الإبادة في غزة؟ هل قامت الجامعات في الدول العربية بدورها في تشكيل حراك حقيقي وفعال لإجبار الساسة على تبديل مواقفهم السياسية فيما يتعلق بمذبحة غزة؟
ولنا في سفينة مادلين نموذج حي لاختراع فعل مختلف ومؤثر، سيقول قائل إن النتيجة واحدة إذ لم تتمكن غريتا ورفاقها من الوصول إلى غزة ولا كسر الحصار ولا إيصال المساعدات، وهذا صحيح، لكن هذا الفعل الاستثنائي مع غيره من الأفعال والحراكات الجماعية الاستثنائية المؤثرة سيقود إلى تغيير حتمي على الأرض.
اقرؤوا المزيد: حرب لا تسلب أرواحنا فقط
هناك ملايين المناصرين لفلسطين في كل بقعة من الأرض، فلماذا لا تتحرك ألف سفينة في نفس الوقت لكسر الحصار عن غزة التي تعاني من كل الويلات منذ أكثر من سنة ونصف؟ لماذا لا تتوجه المظاهرات والحراكات نحو الحدود مع غزة والدخول إليها لإدخال المساعدات التي أقرتها كل القوانين والأعراف الدولية؟
يجب أن نتوقف عن طرح سؤال ماذا نفعل لأجل غزة الذي بات يحمل في طياته معنى من معاني التبرير لعدم الفعل، وأن ننتقل إلى مرحلة الفعل والجهد الفردي والجماعي المتوازي، واختراع طرق ووسائل وأدوات خلاقة تكون نتيجتها التكاملية وقف الإبادة التي يتعرض لها الناس في غزة.
هذه دعوة من قلب غزة الجريحة المكلومة، أكتب وأنا جائع والقصف من حولي لا يتوقف، أطالب كل إنسان حر في هذا العالم أن يتحرك فوراً وأن يقوم من مكانه برفقة زملائه وأصحابه للبدء بفعل شيء ما على الأرض، لا تسألني ما هو هذا السؤال الذي يجب عليك أن تجيبه سريعاً لأن الوقت من دم، افعل شيئاً الآن.