21 أكتوبر 2022

ماذا تكشف مذكرات كوشنر عن اتفاقيات التطبيع؟

ماذا تكشف مذكرات كوشنر عن اتفاقيات التطبيع؟

شغل جاريد كوشنر منصب كبير مستشاري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، فضلاً عن كونه زوج ابنته إيفانكا التي عملت أيضاً في البيت الأبيض، وهو ما ساهم في النظر لأسرة ترمب كشركةٍ عائليّةٍ تدير الإدارة الأميركية، وبناء على ذلك أيضاً اعتُبر كوشنر الشخص الأكثر تأثيراً على ترمب وسياساته الخارجيّة.

في آب/ أغسطس 2022، نشر كوشنر كتاباً يسرد فيه شهادته عن الفترة التي عمل فيها في البيت الأبيض، وذلك بعنوان: "كسر التاريخ: مذكرات من البيت الأبيض" -  Breaking History: A White House Memoir. يكشف الكتاب عن عدة جوانب من تفاصيل تلك الفترة المليئة بالتطورات من تاريخ البيت الأبيض، نعرض في هذا المقال ما يتعلق منها بالنظرة الأميركية نحو القضية الفلسطينيّة، وبالذات موضوع نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وبعض ما دار في كواليس التحضير لاتفاقيات التطبيع مع عددٍ من الدول العربيّة.

الثلاثي الصهيونيّ في إدارة ترمب 

كوّن تاجر العقارات كوشنر مع ديفيد فريدمان وجيسون غرينبلات ثلاثيّاً صهيونيّاً خطيراً في إدارة ترمب، فقد تولّى فريدمان وغرينبلات تحت إشراف كوشنر مسؤولية الاتصال بين الحملة الرئاسية لترمب وبين الجالية الموالية لـ"إسرائيل". وعقب فوز ترمب بالرئاسة تولّى كوشنر الإشراف على ملف عملية السلام في الشرق الأوسط، بينما أصبح فريدمان المحامي الشخصي لترمب سفيراً في "إسرائيل" رغم عدم وجود أي خبرة دبلوماسية أو سياسية سابقة له، أما الضلع الثالث فهو المحامي جيسون غرينبلات الذي عيّنه ترمب مبعوثاً للشرق الأوسط. 

يروي كوشنر في كتابه، وعلى لسان فريدمان، نهج تلك المجموعة تجاه القضية الفلسطينيّة قائلاً: "يجب أن نتعامل مع أيّ اتفاقٍ إسرائيليّ فلسطينيّ كإجراء إفلاس، فإسرائيل دائن مضمون، فهي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة التي تتمتع بحكومةٍ مستقرةٍ واقتصادٍ قويّ وسوقٍ قابلة للحياة، أما الفلسطينيون فهم دائنٌ غير مضمون، فلديهم قيادة فاسدة واقتصاد مُتَعثر وعدم استقرار، ومع ذلك يعتقدون أنهم متساوون مع الدائنين المضمونين". 

عقب تكليف ترمب لكوشنر بالإشراف على ملف السلام والقضية الفلسطينيّة، طلب كوشنر النصيحة من وزير الخارجيّة ومستشار الأمن القومي السابق كيسنجر، فأوصاه بتجنب العمل على تحقيق اتفاقيةٍ كبرى، والتركيز على إحداث تقدم من خلال الاتفاقات قصيرة الأجل. كما نصحه بعدم ترك ذلك الملف لوزارة الخارجية قائلاً: "عليك دائماً إدارة السياسة الخارجية في البيت الأبيض، إذا خسر البيت الأبيض سياسته الخارجية لصالح وزارة الخارجية، فلن تنجز أي شيء".

وقد تبنى كوشنر نهجاً يقوم على "وجود صراعين، الأول بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول رسم الحدود في القدس والضفة الغربيّة، والثاني هو الصراع الأوسع بين إسرائيل وجميع العرب حول الوصول إلى المسجد الأقصى". وبناءً على تلك الرؤية فقد اقترح كوشنر أنّ الحل يمكن في "تشجيع قادة الدول الإسلامية على التركيز على مصالحهم الوطنية والمضي قدماً في التطبيع، ففي حال تحقيق السلام بين إسرائيل والعالم العربي، سيُفتح الطريق إلى صنع سلامٍ بين الفلسطينيين وإسرائيل".

ويروي كوشنر أنّه تأثّر في فهمه للواقع بكتاب دوري غولد، مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق، ومستشار سابق لكل من أريئيل شارون وبنيامين نتنياهو، بعنوان "الكفاح من أجل القدس"- The Fight for Jeruslem، والذي يصوّر دولة الاحتلال على أنّها مجنيٌ عليها من العرب الذين "منعوا اليهود من ممارسة طقوسهم الدينيّة في القدس قبل عام 1967".

الإمساك بعبّاس من يده التي تؤلمه

وتماشياً مع رؤيته التي لا تقيم وزناً للقيادة الفلسطينيّة، فقد هدّد كوشنر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في لقاءٍ متوتر جمعهما عام 2017، وذلك رغم نصيحة خبراء السياسة الخارجيّة في مجلس الأمن القومي الأميركي له بعدم الضغط على عباس، خوفاً من استقالته وخسارة دوره كـ"شريكٍ أمنيّ مهم" ضدّ النشاط المقاوم في الضفة. 

اعتبر كوشنر أنّ عباس لن يُقدم على تلك الاستقالة خوفاً من "افتضاح فساده الواضح وأسلوب حياته الفخم على حساب شعبه سواءً في قصره برام الله أو قصره بعمان في الأردن"، وبحسب تعبير كوشنر: "بينما كان رئيس وزراء إسرائيل يطير عادةً على متن طائرة تجارية تابعة لشركة العال، سافر عباس حول العالم على متن طائرة خاصة بقيمة 50 مليون دولار لعقد اجتماعات مع رؤساء الدول".

ويروي كوشنر أنّه هدّد عبّاس قائلاً: "إذا استقلت، فسنعمل مع الأمم المتحدة وحلفائنا المحليّين وننشئ حكومةً مؤقتة، سنضخّ الكثير من الأموال لبناء البنية التحتية الخاصّة بشعبك وتنمية اقتصاده، سنوّفر الكثير من الوظائف وننشئ قضاءً عادلاً ومستقلاً. في غضون خمس سنوات سنرسم حدوداً عادلة، وسنُجري انتخابات، وسيكون لشعبك قائد جديد وحياة أفضل". 

ورغم ذلك لم يتفاعل معه عبّاس، ويفسّر كوشنر موقف عبّاس قائلاً: "يتلقى الفلسطينيون كل عام أكثر من مليار دولار كمساعدات من المجتمع الدولي، وإذا عقد عبّاس صفقة فقد يخسر هذا التمويل ويفقد المسألة الوحيدة التي أعطته الاهتمام على المسرح العالمي، وسيُنظر إليه من شعبه على أنه خائن".

 شبان فلسطينيون يقفون أمام السياج الإسرائيلي الذي يعزل قطاع غزّة عن بقية فلسطين، وذلك خلال مواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيليّ عقب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، مايو 2018. (عدسة: أحمد حسب الله/ SOPA Images).

نقاشات ما قبل نقل السفارة إلى القدس

تعهّد ترمب في خطابه خلال الحملة الانتخابيّة عام 2016 أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس، وفكّر في إعلان القرار في أول يومٍ له بمنصبه، لكنّ وزيرا الدفاع والخارجية حذّراه من تلك الخطوة. وفي المقابل، عمل كوشنر على تفعيل قانون أصدره الكونغرس عام 1995 يُلزم الرئيس بنقل السفارة ما لم يوجد مانع، وهو القانون الذي يتم تأجيل تطبيقه مرة كل ستة شهور.  

في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 ضغط الثلاثي كوشنر وفريدمان وغرينبلات على ترمب للاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأميركية، وقال فريدمان لترمب: "العالم بأسره من طهران إلى بيونغ يانغ يراقب ليرى ما إذا كان ترمب سيصبح رئيساً يُوفي بوعوده أم لا".

ويروي كوشنر تفاصيل اجتماع انعقد في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 لبحث نقل السفارة الأميركية للقدس، تخلّلته نقاشات هزليّة توضّح مدى ضحالة مسئولي إدارة ترمب بخصوص القضية الفلسطينية. خلال الاجتماع تحدّث وزير الخارجيّة تيلرسون عن أنّ الإسرائيليين سيطروا على القدس في حرب عام 1996، فقال له السفير فريدمان: "كلامك يحتوي على أخطاء كثيرة، وينبغي أن تطرد من كتبه لك، لم تحدث حرب في عام 1996، إنما حدثت في 1967". 

أما وزير الدفاع الأميركي ماتيس فقد أوضح خلال ذلك الاجتماع أنّه لا يستطيع فهم سبب التركيز الكبير على قضية القدس، قائلاً إنّه زار "إسرائيل" كثيراً، وعقد لقاءاته في كلّ مرة في تل أبيب، فسأل: "لماذا ننقل السفارة إلى القدس إذا كانت وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب؟".

ردّ عليه فريدمان: "أين البنتاغون؟"، أجاب ماتيس: "في فيرجينيا"، فتابع فريدمان: "هل عاصمتنا في فرجينيا؟، عندما تذهب إلى إسرائيل تلتقي بالمسئولين في مقر وزارة الدفاع بتل أبيب، وعندما يأتون إلى هنا  يلتقون معك في البنتاغون في فيرجينيا، لكن الكونجرس والمحكمة العليا والبيت الأبيض يقعون في واشنطن العاصمة. وبالمثل، فإن الكنيست والمحكمة العليا ومقر إقامة رئيس الوزراء كلها في القدس"، فأقرّ ماتيس بوجاهة كلامه. 

إهمال عريقات وفرج، ولا مبالاة نتنياهو

إثر تسرّب أخبار نقل السفارة للصحافة، زار كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ورئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج كوشنر، وحذّراه من أن تلك الخطوة ستكون خطأ كبيراً، إذ ستندلع الفوضى، وستضعُف علاقة أميركا بالمنطقة بما في ذلك الإمارات والسعودية والأردن ومصر، وستُحرم واشنطن من لعب أيّ دورٍ في الوساطة وعملية السلام. 

ردّ كوشنر عليهما بشكلٍ مُتعجرف قائلاً: "إنّ الرئيس ترمب يفي بكلمته، وإذا قرر الاعتراف بالقدس، فسنراقب تصرفاتكم وبياناتكم عن كثب للحكم على الدرجة التي يجب أن تحافظ بها الولايات المتحدة على جميع جوانب علاقتها بالسلطة الفلسطينية بما في ذلك حزمة المساعدات الخارجية السنوية السخية التي تقدمها للسلطة".

وقبيل توقيع ترمب على القرار، اتصل به صديقٌ من رجال الأعمال ناصحاً إياه بضرورة حمل الإسرائيليين على تجميد نشاطهم الاستيطانيّ مقابل نقل السفارة، فسأل ترمب كوشنر عما إذا كان من الخطأ إعطاء شيء مهم لـ"إسرائيل" دون طلب شيءٍ في المقابل، فأجابه كوشنر قائلاً: "ستحصل على مقابل، وهو بناء رصيد لدى الشعب الإسرائيلي، فإذا أحرزنا تقدماً في ملف السلام، فستحتاج القيادة الإسرائيلية إلى تقديم بعض التنازلات السياسية الصعبة، وجعلهم يثقون بك أمرٌ لا يُقدّر بثمن. علاوةً على ذلك، لقد وعدتَ بنقل السفارة خلال حملتك، وأنت تعمل بجدٍّ للوفاء بكلّ وعودك".

ووفقاً لهذا، اتصل ترمب بنتنياهو في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2017 وزفّ له نيته إعلان نقل السفارة في اليوم التالي، فلم يُبدِ نتنياهو كبير اهتمام، فاعتقد ترمب أنّه لم يفهمه وكرّر عليه أنّه سيعترف بالقدس عاصمةً لـ"إسرائيل" وينقل السفارة للقدس، وأنّه يتوقع أن تأتي "إسرائيل" في الوقت المناسب إلى طاولة المفاوضات لعقد اتفاق سلام، فردّ عليه نتنياهو بفتورٍ. دفع ذلك ترمب للتساؤل بصوتٍ عالٍ عن سبب خوضِهِ لهذه المخاطرة إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يعتقد أنّها مهمة، وقال فجأة لنتنياهو: "أعتقدُ أنك أنت المشكلة"، فردّ الأخير بأنّه جزءٌ من الحل. 

يوضّح كوشنر أنّه بعد الإعلان عن قرار نقل السفارة مباشرة، بدأ مايكل بيل كبير مديري مجلس الأمن القومي في عقد اجتماعات مشتركة بين الوزارات والوكالات الأميركية مرتين يوميّاً لرصد التطورات، ووجدوا ردّ الفعل في أنحاء العالم الإسلامي "هادئاً بشكلٍ كبيرٍ مقارنةً بالتوقعات". ومن ثمّ خَلُص كوشنر إلى أنّ "ردّ الفعل المعتدل للقادة العرب أثبت أنه يمكننا تحمل مخاطر محسوبة والتشكيك في الافتراضات السائدة".

 ابنة الرئيس الأميركي السابق ترمب، إيفانكا، وزوجها، مستشار البيت الأبيض، جيرالد كوشنر، خلال افتتاح السفارة الأميركية في القدس، 14 مايو 2018. (عدسة: ميناحم كهانا/ وكالة الصحافة الفرنسية).  

من صفقة القرن.. إلى التطبيع العربي

بحلول فبراير/شباط 2019 خلص كوشنر وفريقه إلى تطوير خطّة سلامٍ تتضمن تنازل الفلسطينيين عن القدس وحقّ العودة وإقامة دولة حقيقية حرّة، وأطلع كوشنر خلال مؤتمر ميونيخ للأمن القادة الأوروبيين على خطته للسلام، فأعربت ميركل عن دعمها دون أن تلتزم بذلك، فيما خلص من لقاء مع ماكرون إلى أن فرنسا لن تدعم أي خطة لم يوقع الفلسطينيون عليها. 

وفي 22 يونيو/ حزيران 2019 نشر فريق كوشنر "خطة السلام من أجل الازدهار" في 140 صفحة، وتضمنت استثمارات بقيمة 50 مليار دولار في الضفة الغربية على مدار فترة عشر سنوات مع بناء طرق وخطوط سكك حديدية جديدة، وتجريد المعابر الحدودية من السلاح، وتغيير المناهج الدراسية مع تفاصيل 179 مشروعاً وضعها صديق كوشنر توماس ستورتش. 

يذكر كوشنر أنّ هدفه الحقيقي من هذه الخطّة خلال حديثه مع ترمب قائلاً: "إذا عارض الفلسطينيون هذه الخطة، فإنها ستُقرِب بين إسرائيل ودول إسلامية أخرى مما سيزيد الضغط على القادة الفلسطينيين في المستقبل، ويخلق الظروف الملائمة للدول العربية للتطبيع مع إسرائيل". ثمّ أُعلن رسمياً عن الخطة في 28 يناير/ كانون الثاني 2020 في واشنطن بحضور نتنياهو ويوسف العتيبة وسفيري البحرين وعمان بالولايات المتحدة.

وفي 26 مايو/ أيار 2019 اتصل يوسف العتيبة السفير الإماراتي في واشنطن بكوشنر، ونقل له رسالة من ولي العهد محمد بن زايد باستعداده لتطبيع العلاقات بشكلٍ كاملٍ مع "إسرائيل"، وأراد أن يكون الأول في ذلك، وقال إنّه إذا اتخذت الإمارات هذه الخطوة فسيتبعها الآخرون. وعقب ذلك سافر كوشنر للمغرب للقاء الملك الذي فاتحه في قضية الصحراء المغربية، واعتبر كوشنر أنّ وجود المغرب في الصحراء الغربية من شأنه أن يمنع المنطقة من التحول إلى فراغٍ يترك مجالاً للإرهاب وعدم الاستقرار. ثمّ توجّه كوشنر للقاء نتنياهو الذي قال إنّه ليس مستعداً لإطلاق خطة السلام مع اقتراب انتخابات الكنيست، فقدّم له كوشنر عرض الإمارات، فقال نتنياهو إنّه لا يعتقد أنهم جادون، فأقنعه كوشنر بأهمية الاستجابة للعرض.

اقرؤوا المزيد: ""إسرائيل" - الإمارات وبالعكس.. تحالف ضدّ من؟"

طرح فريق كوشنر على نتنياهو صفقةً للتطبيع مع الإمارات مقابل تعليق خطط ضمّه للضفة الغربيّة، فقال نتنياهو إنه لن يعقد صفقةً مع الإمارات فقط، وإنّه لن يُعلّق الضمّ إلا إذا طبّعت معه ثلاث دول، وهو ما رفضه كوشنر قائلاً إنّ التطبيع مع الإمارات سيُشجّع دولاً أُخرى على ذلك. لاحقاً، تم التوصل للإعلان عن الصفقة في 13 أغسطس/ آب 2020، إذ أعلن عنها ترمب عبر حسابه على تويتر. وعقب تغريدة ترمب، تلقى مساعدٌ لِكوشنر مكالمةً هاتفيّة من سلمان بن خليفة، وزير المالية البحريني، أعرب فيها عن رغبة بلاده أن تكون الثانيةَ في قائمة التطبيع.

 الأعلام الأميركية والإسرائيلية والإماراتيّة مرفوعة على طائرة إلعال الإسرائيلية مصحوبة بكلمة "سلام" بالإنجليزية والعبرية والعربيّة، عند وصولها إلى مطار أبو ظبيّ في أول رحلة تجارية لطائرة إسرائيليّة للعاصمة الإماراتية، 31 أغسطس 2020. (كريم صاحب/ وكالة الصحافة الفرنسية).

وفي 31 أغسطس/ آب 2020، سافر كوشنر من "إسرائيل" إلى أبوظبي على متن أول رحلةٍ تجاريّة إسرائيلية بين البلدين، وفي الإمارات قدّم له مستشار الأمن الوطني طحنون بن زايد هديتين، هما نسخة من تصريح الطيران الرسمي الذي سمح لأول طائرةٍ إسرائيليّة بالهبوط في أبو ظبي، ونسخة من قانون إماراتي جديد لإلغاء مقاطعة "إسرائيل". وحرص كوشنر على تكثيف السياحة حتى يتمكن الإسرائيليون والإماراتيون من زيارة بعضهم البعض والبدء في تكوين صداقات تُساهم في تعزيز التطبيع.

ثمّ سافر كوشنر من الإمارات إلى البحرين، وقدّم إلى الملك حمد بن عيسى لفافة توراة كهديةٍ ليضعها في الكنيس اليهودي بالمنامة، ثم سافر كوشنر إلى السعودية حيث اجتمع مع ولي العهد محمد بن سلمان، وسأله عن موقفه من التطبيع، فقال إنّ السعودية لديها مصالح مشتركة مع "إسرائيل"، لكنه يود مشاهدة تطور اتفاقية التطبيع مع الإمارات ومعرفة مدى إمكان تحقيق تقدم أولاً مع الفلسطينيين. 

وفي 15 سبتمبر/أيلول 2020 حضر نتنياهو، ووزيرا الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، والبحريني عبد اللطيف الزياني، حفل توقيع اتفاقية التطبيع في البيت الأبيض، التي قال فيها ترمب: "في تاريخ إسرائيل بأكمله لم يكن هناك في السابق سوى اتفاقيتين من هذا القبيل، الآن حققنا اثنين في شهر واحد، وهناك المزيد في المستقبل".

المغرب والسودان: اختراقات "هائلة" أخرى..

بحسب كوشنر لم يُخبر الأمريكيون أي مسؤولٍ إسرائيليٍّ عن الصفقة المحتملة مع المغرب. فعلى عكس الاتفاقية مع الإمارات، لن تحتاج "إسرائيل" لتقديم أي تنازلات، فكل ما على نتنياهو فعله هو قبول العرض الذي يصب في مصلحة "إسرائيل"، والذي يقضي باعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل تطبيعها مع "إسرائيل". وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020 أعلن ترمب عن الصفقة قائلاً: "اليوم  وقّعت على إعلان يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية... اتفق صديقتانا العظيمتان إسرائيل والمملكة المغربية على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، إنه اختراق هائل للسلام في الشرق الأوسط!". 

وأخيراً، قام وزير الخارجية الأميركي بومبيو برحلةٍ خاصّة إلى السودان، وعرض على السودانيين التطبيع ودفع تعويضات تنفيذاً لحكم قضائي لصالح ضحايا تفجيري سفارتي بلاده في نيروبي ودار السلام والمدمرة كول باليمن، مقابل شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. حمل التطبيع السوداني قيمةً رمزيّةً بحسب كوشنر، إذ عقدت جامعة الدول العربيّة قمةً في الخرطوم بعد حرب 1967، وأعلنت خلالها اللاءات الثلاثة: لا سلام، ولا اعتراف، ولا مفاوضات مع "إسرائيل".

وتكريماً لهذه الجهود التي بذلها كوشنر في خدمة المصالح الإسرائيلية، افتتح رئيس الوزراء نتنياهو في ديسمبر/ كانون الأول 2020، وبحضور كوشنر شخصيّاً، حديقةً باسمه في فلسطين المحتلة. في حفل الافتتاح قال نتنياهو: "من خلال تلك الحديقة، سنضمن أن تعرف الأجيال القادمة ما هي مساهمتك لصالح إسرائيل".

ختاماً، حاول كوشنر في كتابه إبراز نفسه كصاحب إنجازات تفوق أي دبلوماسيٍّ أميركي آخر فيما يخص القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، لكنه في الحقيقة استند في تمرير قراراته إلى تواطؤ قادة بعض الدول العربية الذين استعانوا بعلاقاتهم السريّة السابقة مع "إسرائيل"، دون أن ينجح في إحراز أي تقدم بالقضية الفلسطينية أو حتى ضمان أمن "إسرائيل" التي سرعان ما خاضت حرباً ضارية في صيف عام 2021، وواجهت منذ بداية العام الحالي تصاعداً في الفعل المقاوم في الضفة الغربية والقدس، وهو ما جعل خطة صفقة القرن أقرب للأماني منها للواقع.