12 أكتوبر 2019

في القدس

"الحدائق القوميّة".. الاستيطان باسم الطبيعة

"الحدائق القوميّة".. الاستيطان باسم الطبيعة

على بعد أمتارٍ قليلةٍ إلى الشّرق من حيّ وادي الجوز، وعلى السّفوح الغربيّة لجبل الزيتون في مدينة القدس، يقع وادي الصّوانة. يبدو أنّه اكتسب اسمه من حجر الصّوان الذي يتشكّل منه الوادي. من طرف جبل الزيتون، بالقرب من مستشفى المُطّلع- أوغستا فيكتوريا الشهير، وفي طريقك للنزول إلى الوادي، تحظى بمشهد القدس الذي لا يُملّ؛ البلدة القديمة من جهتها الشّماليّة، سورها، وقبتها اللامعة وسط المسجد الأقصى، والمعالم التاريخيّة التي تُحيطها. 

أشجار زيتون عتيقة، شجرة خروب هنا وهناك، وروايات فلسطينيّة وبقايا قصورٍ فاخرة بنتها عائلات مقدسيّة في القرن السّابع عشر فصاعداً، ضربت فيها الأمثال، وأراضٍ متفرقة تابعة لأهالي القدس أو لدائرة الأوقاف الإسلاميّة، ومبنى مدرسة الإبراهيميّة الثانويّة، ومستشفى الهلال الأحمر، هذه هي أهمّ معالم وادي الصّوانة في ذاكرة الفلسطينيّ. 

منذ عام 2000 وحتّى اليوم، ازدادت تلك المعالم؛ مثلاً ازداد عدد أشجار الزيتون، وبدأت أشجارٌ أخرى لم تكن تنمو في الوادي بالظهور. لافتاتٌ جديدةٌ باللغة العبريّة، تدّعي أهميةً يهوديّةً، ومرافق جديدة تخدم الهدف المرجو. في ذلك العام، أعلن وزير الداخليّة الإسرائيلي، نتان شيرانسكي، عن أراضي الوادي ومحيطه، بمساحة 165 دونماً، "حديقةً قوميّةً" إسرائيليّةً، باسمٍ ليس إلّا ترجمةً لاسمِ وادي الصوّانة: "عيمك تسوريم".


ماذا تعني الحديقة القوميّة؟

الحديقة القوميّة اسمٌ بديلٌ و"لطيف" لأداة مركزيّة في خنق الفلسطينيين وتقليل عددهم في القدس ومنع تمدّدهم العمرانيّ واتصالهم الجغرافيّ، ولاحقاً توظيفها في تهويد المدينة. إنّه اصطلاح يبدأ بالقول: صادرنا أرضَك وأصبحت تحت إشراف "سلطة الحدائق والطبيعة" الإسرائيليّة، وبالتالي لا يمكنك البناء أو العيش فيها.

يُحدِّد القانون الإسرائيليّ تعريف "الحديقة القوميّة"، بأنّها "مساحة من الأرض مستخدمة اليوم أو ستسخدم مستقبلاً لتلبية احتياجات النّاس في الترفيه عن أنفسهم في أحضان الطبيعة". يُضيف التعريف، بأنّ الإعلانَ عن مكانٍ ما كـ"حديقة قوميّة" يكون لواحدٍ من الأسباب التاليّة: أن يحمل المكانُ أهميّةً تاريخيّةً، أو أثريّةً، أو هندسيّةً، أو طبيعيّةً، أو حتى "مشهديّة". يملك صلاحية الإعلان عن مكان ما حديقة قوميّة وزيرُ الداخليّة الإسرائيليّ.1 يمكن مراجعة قانون "الحدائق القومية، والمحميات الطبيعية، والمواقع القومية، ومواقع التخليد، لعام 1998". بالعبرية هنا.

في القدس عشرات الحدائق القوميّة؛ قرية لفتا المهجرة غرب القدس حُوِّلت حديقةً قوميّة، أراضي قرية الولجة، جنوب القدس، أُعلنت حديقةً قوميّةً تُهدِّدُ بحرمان أهلها من زراعة أراضيهم أو الوصول إليها حتى. أما في وسط القدس، حيث تتكثف وتتضح أكثر الوظيفة السياسيّة الاستيطانيّة لهذه الحدائق، نجد حديقتين رئيسيتين تحيطان بالبلدة القديمة؛ "الحديقة القوميّة في وادي الصوانة"، و"الحديقة القومية حول أسوار القدس"، وأربع حدائق أخرى، على الأقلّ، في طور التّخطيط والتّنفيذ؛ كـ"الحديقة القوميّة في منحدرات جبل المشارف"، والحدائق القوميّة في كلّ من: حيّ باب الساهرة، حيّ الشّيخ جراح، وجبل الزيتون، وغيرها. 

رجوعاً إلى وادي الصّوانة، فإنّه لا يحتضن أيّ معالم ذات أهميّة تاريخيّة أو أثريّة مميّزة تستدعي الحفاظ عليها. بكلماتٍ أخرى: يمكن لأيّ مكانٍ آخر غير وادي الصّوانة أن يحتضن نفس المعالم، نفسها بالضبط، وأن يُحوّل بكلِّ بساطةٍ إلى مشروعٍ عمرانيٍّ ضخم، دون أن تُلقي سلطة الحدائق أو حتى سلطة الآثار بالاً لذلك. 

رغم ذلك، يمكن لسلطة الحدائق دوماً "خلق" معالم جديدة، أو إيجاد سببٍ ما تُقدّمه كادعاءٍ يُبرر فعلها. هكذا، ادّعت "إسرائيل" عندما أعلنت عن وادي الصّوانة "حديقة قوميّة"، وعندما أعلنت عن حديقة جبل المشارف (أراضي العيسوية والطور)، أنّ المكانَ مهمٌ للحفاظ على "المشهد القديم" الذي كان يحظى به الحجاجُ في طريقهم من الشّرق باتجاه القدس، وكذلك للحفاظ على "المشهد الزراعيّ لكروم الزيتون"، والأهم: خلق امتدادٍ جغرافيّ من الحدائق القوميّة حول البلدة القديمة.

بالنسبة للمشهد القديم، فإنّ الطريق من منطقة البحر الميت وصولاً إلى القدس كلّها قصص عن ذات "المشهد القديم" تُـذكِّـرُ بقصص الحجاج والرهبان وغيرهم. مع ذلك، فإنّ ذات الطريق مليئة بمشاريع الاستيطان، أبرزها مستوطنة معاليه أدوميم الضخمة، ولا حدائق قوميّة في كل زاويةٍ هناك. ولأجل الحفاظ على هذا "المشهد" تُستدعي الروايات التوراتيّة وتوّظف، كقول أفيتار كوهين، وهو مدير دائرة القدس سابقاً في سلطة الحدائق، الذي عمل قبلها في جمعية "إلعاد" المختصة في شراء عقارات فلسطينية في سلوان، إن "كلّ من جاء إلى المدينة أو غادر منها من الأنبياء والملوك وقف على تلك السفوح"، يقصد الأراضي بين العيسوية والطّور. وهو قول شائع تُردده جهات رسميّة إسرائيليّة كذلك لتسويغ إزاحة الفلسطينيين عن "المشهد".

فيما يخصّ المشهد الزراعيّ، غير الموجود تقريباً، فقد عملت سلطة الحدائق على خلقه. هكذا خلال السنوات العشرين الأخيرة، أضيفت إلى المساحة أشجار جديدة، بعضها نُـقِلت إلى هناك بعد خلعها من أراضي قرى فلسطينيّة ليمرّ فوقها الجدار الفاصل، وبعضها ما زالت سلطة الحدائق تأتي به شهريّاً ليُزرع ويُضاف إلى المشهد. كما بَنَت مصاطبَ وطرقاً ومساراتٍ للمشي، بل وحاولت -وفشلت- سرقة موقف السّيارات الخاصّ بمدرسة الإبراهيمية ليصبح موقفاً لزوّارها.

فيما يتعلق بامتدادٍ جغرافيّ من الحدائق القوميّة حول البلدة القديمة، يمكن القول إنّهم "صدقوا" في ذلك. بالنظر إلى الخرائط، نفهم كيف تُشكّل الحديقة القوميّة في وادي الصّوانة امتداداً جغرافيّاً يتصل بمجموعة من الحدائق القوميّة الإسرائيلية في القدس. من الجهة الجنوبيّة، تتصل حديقة وادي الصوانة بحديقة قوميّة ضخمة، أُعلِنَ عنها عام 1974، باسم "الحديقة القوميّة حول الأسوار"، بمساحة 1100 دونم. ومن الجهة الشرقيّة الشماليّة يتصل وادي الصّوانة، بحديقة أخرى ما زالت في طور التخطيط وبانتظار التنفيذ هي "الحديقة القومية في منحدرات جبل المشارف"، المخططة على أراضي العيسوية والطّور. هكذا تتصل ببعضها البعض هذه الحدائق الثلاثة، وتُشكِّلُ حزاماً استيطانيّاً مترابطاً وحاجزاً للبلدة القديمة وما حولها عن أماني العرب وأياديهم. 


خنق الفلسطينيّين… الأحياء منهم والأموات

تستخدم "إسرائيل" هذه الحدائق القوميّة اليوم لخنق الفلسطينيّ حيّاً كان أم ميتاً. عندما تُعلَن منطقةٌ ما حديقة قوميّة، فهذا يعني تلقائياً أنّ البناء فيها ممنوع. إذا أخذنا الحديقة القوميّة المُعلنة حول أسوار البلدة القديمة للقدس، فإنّ ذلك يشمل أراضٍ تقع بالقرب من حي الصّوانة، وحيّ وادي الجوز، يُحرم أصحابها من حقّ البناء فوق أراضٍ يملكونها. هكذا، تقلّل كمّ العرب بالقرب من البلدة القديمة. في المقابل، تُخصّص مساحات من هذه الأراضي لصالح بناء مسار سياحي استيطاني يسهل من خلاله جلب السيّاح من أعالي جبل الزيتون، مروراً بوادي قدرون، وصولاً إلى عين سلوان، في مسار يستمعون فيه حصراً للرواية الصهيونيّة التوراتيّة.

مثالٌ آخر على خنق الوجود الفلسطينيّ، هو "الحديقة القوميّة في منحدرات جبل المشارف"، والتي لم تخرج إلى حيز التنفيذ بعد، بسبب تعطيلها بفعل اعتراضات الفلسطينيين قضائيّاً.2عام 2014 صدر قرارٌ من قبل المجلس القطريّ للتخطيط والبناء يقضي بإعادة المخطط مرة أخرى إلى اللجنة اللوائية داخل بلدية الاحتلال لتُعيد النظر فيه، ولكن بشرط أن يلائم ذلك احتياجات أهالي العيسوية والطور. يحمل هذا القرار الدلالة على استمرار العمل لتنفيذه، فالقرار لم يرفض منطق إقامة الحديقة، إنما طلب من اللجنة اللوائية أن تُعيد تخطيطها بما يتلاءم مع احتياجات الناس، وهذا يعني أن المخطط قائم مع تعديلات طفيفة، تتعلق غالباً بحدود الحديقة، وستُسوق لاحقاً أنها "لصالح الناس". مهم أن نذكر، أنّه رغم عدم خروج الخطة إلى حيز التنفيذ بعد، فإن سلطة الحدائق ومعها بلدية الاحتلال لا تتوقفان عن الاعتداء عن تلك المساحات، وتقومان بين الحين والآخر بهدم بركسات وجرف الأراضي في تلك المنطقة. انظر هنا. إعلان هذه الحديقة يعني قتل أيَّ أملٍ لتوّسع بلدتي الطّور والعيسوية المكتظتين والواقعتين إلى الشّرق والشّمال الشّرقيّ من وسط القدس. في الجهة الشّرقيّة من العيسوية، وفي الجهة الشّماليّة من الطّور، تقع مساحاتٌ من الأراضي التي تتصل ببعضها البعض، بمساحة أكثر من 700 دونماً. بدلاً من أن يتوّسع الفلسطينيون فوقها، وهي بملكيتهم الخاصّة، تعمل "إسرائيل" منذ عام 2005 تقريباً على تحويلها إلى "حديقةٍ قوميّة". 

عام 2006، وبينما كان أهالي العيسوية ينتظرون ردَّ بلدية الاحتلال على مخططٍ هيكليٍّ لبلدتهم قدّموه لها، يسمح لهم بالبناء فوق تلك الأراضي، عملت جهات استيطانيّة عدّة على منع الموافقة عليه.3بدأ الحديث عن الحديقة القوميّة منذ عام 2005 تقريباً، وتم إيداعها كخطّة من قبل اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء، وهي لجنة داخل بلدية الاحتلال في القدس، في أواخر عام 2011. أودعت الخطّة ذلك العام وفتح المجال لتقديم اعتراضات ضدّها حتى أبريل/ نيسان 2013. قدّم أهالي العيسوية والطّور اعتراضاتهم في مناسبات عدة، وهو ما أفضى في نهاية الأمر إلى قرار المجلس القطري، انظر الهامش السابق. في يوليو/ تموز 2009، أرسل جلعاد أردان، وكان حينها وزيراً للبيئة، رسالةً إلى وزير الداخليّة إيلي يشاي، يطلب منه الإعلان عن تلك الأراضي حديقة قوميّة. كانت تلك الرسالة ثمرةَ لقاءٍ جمع الوزير أردان مع ماتي دان، رئيس جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانيّة، المختصة بشراء العقارات والاستيطان داخل البلدة القديمة وحولها. وهكذا، بعد جهود استيطانيّة واسعة، أحبط السماح للفلسطينيين باستخدام أراضيهم تلك، وأُعلنت الخطّة لمصادرتها وإنشاء حديقة قوميّة فوقها عام 2011.

عدا عن ذلك، فإنّ الأهميّة هنا اسراتيجيّة، فهذه الأراضي تُطلّ باتجاه الشّرق على خطّ رئيس من شوارع القدس؛ شارع رقم 1 في مقطعه الشّرقي الواصل بين مستوطنة معاليه أدوميم وبين مركز المدينة المحتلة. يشكّل هذا الشّارع خطاً أساسياً في الطريق من القدس نحو الشّرق، أي نحو مشروع E1 الاستيطانيّ. من يريد لمثل هذا الشّارع الواقع في الوادي أسفل العيسوية والطّور أن يُحوّط من شرقه وغربه بمزيدٍ من العرب؟ ليست "إسرائيل" طبعاً.

إذن، فإنّ الإعلان عن حديقة قوميّة فوق تلك الأراضي يصيد عصافير كثيرة بحجرٍ واحد؛ يحرم بلدتي الطّور والعيسوية من إمكانية التوّسع العمرانيّ الوحيدة، وما يتبع ذلك من منع امتدادٍ جغرافيّ عربيّ، و"تطفيش" المزيد من المقدسيين، ويؤمّن الطريق الواصلة بين معاليه أدوميم والقدس وهو ما يخدم مشروع الاستيطان الأكبر؛ "القدس الكبرى".4 "القدس الكبرى": مُصطلح إسرائيليّ بدأ بالظهور في تسعينيات القرن الماضي، يُشير إلى الرغبة بتحقيق أغلبية يهوديّة في القدس، عن طريق توسيع حدود المدينة البلديّة، وضمّ 3 كتل استيطانية ضخمة لها، هي معاليه أدوميم في الشرق، وجفعات زئيف في الشمال، وغوش عتصيون في الجنوب. قُدّمت هذه الفكرة كمشروع قانون للكنيست عام 2017، باسم "القدس وبناتها"، لكن تم إرجاء التصويت عليه حينها، ولم يطرأ جديد -على المستوى التشريعي- حتى اللحظة.

أما خنق الوجود ميتاً، فإنّ حدود "الحديقة القوميّة حول أسوار القدس" تشمل أقدم مقبرة إسلاميّة في القدس، هي مقبرة باب الرحمة، الملاصقة تماماً للسور الشرقيّ للبلدة القديمة (وهو سور مشترك كذلك مع المسجد الأقصى). يعود تاريخ هذه المقبرة إلى ما يقارب 1300 عام، وما زالت تستخدم للدفن حتى اليوم. في العام الماضي، سيّجت سلطة الحدائق والطبيعة المقبرة، في محاولة لمنع تمدد المساحة التي يُدفن فيها الموتى إلى مساحاتٍ جديدة. 

اقرأ/ ي المزيد: باب الرحمة.. مواجهة متجددة في الأقصى.

ومنذ عام 2004 تقريباً، تلاحق ذات السّلطة برفقة شرطة الاحتلال الفلسطينيين الذين يفتحون قبوراً جديدة في مساحات جديدة داخل المقبرة، خاصّةً في جهتها الجنوبيّة. قبل أيام، انهار سورٌ استناديٌ قصير في المقبرة، وعندما تداعى أهالي سلوان المجاورة لإصلاحه، زاحمتهم في ذلك سلطة الحدائق لتثبيت سلطتها على المكان.


تذكرةٌ إلى الحياة اليوميّة 

تُستخدم تلك الحدائق أيضاً كأداة لتهويد المعالم التاريخيّة والأثريّة، وترويج رواية صهيونيّة حول تاريخ المكان. يبرز ذلك في محيط البلدة القديمة. تضمّ الحديقة المعلنة حول أسوار القدس مساحاتٍ واسعةً من حي وادي حلوة في بلدة سلوان. يقع الحيّ جنوب البلدة القديمة، ويضمّ واحدةً من أهم الآثار التاريخيّة في مدينة القدس؛ عين سلوان الأثرية، الموقوفة منذ زمن الخليفة عثمان بن عفان، وبركتها الأثرية، ومعالم أثريّة تعود إلى الفترة الكنعانيّة. تُسمّى تلك المنطقة في القاموس الصهيوني "الحديقة القوميّة عير دافيد"، أو "مدينة داوود"، وهي تابعة للحديقة القوميّة الأكبر في محيط الأسوار.

أعطت سلطة الحدائق والطبيعة صلاحية إدارة هذه الحديقة إلى واحدة من أقوى جماعات الاستيطان في القدس، جمعية "إلعاد"، وهي تديرها بشكل حصريّ منذ التسعينيّات. ومن المخطط أن تمتد هذه الحديقة القوميّة لتشمل لتشمل حيّ البستان وسط سلوان، والذي تُهدد منازله الـ90  منذ حوالي 15 عاماً كذلك بالهدم لصالح إقامة "حديقة قوميّة" باسم "حديقة الملك"، تُخلّد وتحفظ المكان الذي كان حسب الترويج الصهيوني، "بستاناً للملك داوود".

فرضت "إلعاد" الاستيطانية، ومن خلفها سلطة الحدائق، روايتها على المكان، بعد أن أقصت منه الحضور الفلسطيني العربيّ، وأصبح الوقوف عندها محطةً إجباريّة لدى المجندين حديثاً في جيش الاحتلال، ولدى كثير من طلاب المدارس الإسرائيليين. وبينما كانت عين سلوان ملاذاً لشباب ونساء قرية سلوان إلى سنواتٍ قريبة، وجزءاً من التاريخ الاجتماعي في حياة الناس اليوميّة، أصبح الدخول إليها منوطاً بموافقة "إلعاد" وتذكرة بـ 28 شيكلاً (8 دولارات) تُدفع لها.

وعندما لا يوجد في الحديقة القوميّة ما يكفي من الآثار لتهويدها، يمكن "خلق" واحدةٍ وربطها بالمكان. تحت ظلّ خيمة في وادي الصّوانة، تشرف جمعية "إلعاد" منذ عام 2016 على مشروع "تنخيل تراب جبل الهيكل". جَلب هذا المشروع الأتربةَ التي أُخرجت من المصلى المرواني، في المسجد الأقصى، بعد فتحه بجهود شعبية فلسطينية عام 1996، بادعاء أنها مخلّفات أثريّة قد تحمل أثراً ذا صلة بـ"الهيكل". 

كيف يمكن لهذه الحديقة وهذا الغبار أن يصبح ذا قيمة؟ أقامت "إلعاد" مشروعاً للعائلات، بتذكرة 23 شيكلاً (6 دولارات تقريباً) للفرد، حيث تُعطى لكل طفل حفنة من التراب يفتش فيها عن آثار فخار أو ما يشبه العملات النقدية القديمة، تكون قد وضعت له مسبقاً في تلك الحفنة، ويحظى بشرف "التجربة الأثرية المتعلقة بالهيكل".

بالهدم حيناً، وبادعاءات الحفاظ على الآثار والطبيعة أحياناً أخرى؛ "أراض خضراء"، أو "حدائق قوميّة" يمنع البناء فيها. هي بعضٌ ما يحويه صندوق الأدوات الإسرائيليّ، كلٌ يُستدعى حسب الحاجة، وحسب الظروف، والهدف: حجب كلّ ما هو عربيّ عن المدينة، وحجب المدينة عنه.