22 مايو 2023

"رغافيم" معك في كلّ طوبةٍ تبنيها!

"رغافيم" معك في كلّ طوبةٍ تبنيها!

يقولون إنّهم يعملون لوقف "الضمّ الفلسطينيّ للأرض الإسرائيلية في مناطق (ج)"، ويتساءلون مستنكرين: "ألا يكفي الفلسطينيين ما لديهم من أراضٍ في مناطق (أ) و(ب)؟". تعكس هذه الادعاءات جانباً مركزيّاً من عمل جمعية "رِغافيم" الاستيطانيّة المختصة بملاحقة الوجود والنشاط العمرانيّ والزراعيّ الفلسطينيّ.

من جمعية يعمل في إطارها بعض المتطوعين، إلى جمعيةٍ كبيرة فيها 14 موظفاً وعشرات المتطوعين، مستعينةً بـ"أفضل المحامين والمتحدثين"، وفق مديرها، وبميزانية سنويّة تزيد عن 4 ملايين شيكل (بعض مصادرها حكوميّة)، أصبحت رغافيم واحدةً من أبرز معاول الضغط والتوجيه والتأثير على سياسة الحكومة الإسرائيليّة، وبالذات على عمل الإدارة المدنيّة في مناطق (ج) في الضفة الغربيّة.  

يتجلّى هذا التأثير في حدّه الأقصى، عندما نرى برامج رغافيم قد أصبحت بنوداً في الاتفاقيات الائتلافيّة الحكوميّة، التي تشكّلت على إثرها الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين (2022- ). كذلك، فإنّنا نراه في تولي بعض من مؤسسيها ونشطائها مناصب إداريّة وأمنيّة وحكوميّة رفيعة تسمح لهم بتطبيق أجندتها الاستيطانيّة بشكلٍ مباشر.

على رأس هؤلاء، بتسلئيل سموتريتش، أحد مؤسسي هذه الجمعية، والذي كان وزيراً للمواصلات في الحكومة الإسرائيلية الرابعة والثلاثين (2015-2020)، خلال فترته مثلاً تمت المصادقة على شق شوارع استيطانيّة ضخمة كالتفافي حوارة، وهو ما يخدم أجندة المستوطنين، ثم أصبح وزيراً للمالية في الحكومة الحالية، وهي الحكومة التي منحته أيضاً منصباً مهماً وحساساً باعتباره وزيراً داخل وزارة الأمن، ووضعت تحت مسؤوليته التصرف بغالبية المواضيع ذات الصفة المدنية في الضفة، وهو بطبيعة الحال منصب حيويّ في عملية استهداف الفلسطينيّين في مناطق (ج).

هذا المقال يبيّن الدور الذي تقوم به الجمعيّة في الاستيلاء على أرضٍ تلوَ الأرض، ويكشف عن نشاطها الاستيطانيّ المتنامي بالأخصّ في مناطق (ج).

من أجل "إسرائيل الكاملة"

كردّة فعل على الانسحاب الإسرائيليّ من مستوطنات غزّة وعدد من مستوطنات شمال الضفّة، نشأت في عام 2006 حركة باسم "كومميوت"، تتبع التيار الدينيّ القوميّ والحريديّ القوميّ، تختص في "تطبيق الشريعة اليهوديّة، والنضال من أجل دولة إسرائيل الكاملة"1تحمل الكلمة عدة معانٍ ودلالات أبرزها: "الاستقلال"، و"السيادة"، و"النهوض من جديد"، وهي مستقاة من اقتباسٍ من التوراة: "וָאוֹלֵךְ אֶתְכֶם קוֹמְמִיּוּת". تتبع هذه الحركة لحزب "تكوماه" الإسرائيليّ، الذي تأسس عام 1999، والذي يُعرف اليوم بحزب "الصهيونية الدينيّة"، ويرأسه وزير المالية الإسرائيلي الحالي، بتسلئيل سموتريتش. دعت الحركة مراراً جنود جيش الاحتلال إلى رفض الأوامر بإخلاء أي مستوطنات أو بؤر استيطانيّة يصدر قرار عسكري أو قضائيّ بإخلائها، وتُواظب على دعم البؤر الاستيطانيّة الجديدة، وما زالت حتى اليوم تُنظّم مسيرات "الحج" إلى ما تبقى من مستوطنة حومش، التي أُخليت في العام 2006.. وحتى تُحقق الحركة حلمها في "إسرائيل الكاملة"، فرّعت منها جمعية لتعمل على ذلك، فكانت رغافيم الاستيطانيّة.2تعني "رغافيم" "حفنة من التراب" واختيار الاسم له دلالة على التمسك بالأرض. 

تعلن رغافيم، وهي جمعية غير حكوميّة، أنَّ هدفها "الحفاظ على أرض الشعب اليهوديّ والكنوز الطبيعيّة فيها ومنع استيلاء الغرباء عليها"، والغرباء هنا هم الفلسطينيون. وفقاً لذلك الهدف، يتركز عمل الجمعية على المستويات الميدانية والقضائية والتشريعية والدعائية، في كل ما يساهم في السيطرة على المزيد من الأراضي وطرد الفلسطينيين منها. 

اقرؤوا المزيد: الضمّ الصامت: كُلّ الطرق تؤدي إلى تل أبيب!

أبرز مجالات ذلك مراقبة النشاط الزراعيّ والبناء الفلسطينيّ "غير المُرخّص"، وذلك في مختلف المناطق؛ (ج) في الضفّة، والنقب، والجليل، والمثلث، والقدس، وكذلك الجولان السوريّ المحتل. 

يبدأ ذلك الطريق (1) بالبحث الميدانيّ المُنظّم لجمع المعلومات حول أي نشاط فلسطينيّ، ثمّ يمرّ (2) بإصدار التقارير الدوريّة والنشرات التوثيقية بالإنجليزية والعبريّة، وقيادة الحملات الدعائيّة لحشد الدعم والمناصرة لأهدافها في طرد الفلسطينيين والتضييق عليهم، كتقاريرها الدوريّة التي تصدرها عن عدد المباني الفلسطينيّة "غير المرخصّة" وتوزّعها، وفي مستوى أعلى (3) تخصص الجمعية إحدى دوائرها لتنفيذ نشاطات المناصرة من محاضرات وجولات ميدانيّة للوزراء وأعضاء الكنيست والمشاركة في جلسات لجانه المؤثرة، وهي نشاطات قد تؤديّ في نهايتها إلى إصدار قوانين أو تعليمات إداريّة جديدة تُضيّق على الفلسطينيين. إضافة إلى نشاطات وجولات شبيهة تستهدف الأوروبيين والأميركيين كنوع من أنواع الـ"هسباراة". وصولاً إلى (4) رفع دعاوى في المحاكم الإسرائيلية لضمان هدم المنشآت الفلسطينيّة، وغير ذلك الكثير.

خارطة في اليد، وطائرة في السماء

في السابع من أيار/ مايو 2023، افتخرت الجمعية عبر حساباتها على التواصل الاجتماعيّ بـ"إنجاز" جديد. فجر ذلك اليوم، "وأخيراً، بعد سنوات من التباطؤ"، هدمت قوّة من جيش الاحتلال مدرسّة "جب الذيب" بالقرب من قرية زعترة، جنوب بيت لحم، وهي مصنفة كمنطقة (ج).3مدرسة جب الذيب واحدة من حوالي 27 مدرسة (تدّعي رغافيم أنّها 100 مدرسة) أطلقت عليها السلطة الفلسطينية اسم "مدارس التحدي"، بنتها بتمويلٍ أوروبيّ لخدمة التجمعات الفلسطينية المعزولة في مناطق (ج).  تدّعي "رغافيم" أنّ لا "حاجة تعليميّة حقيقية" لبناء تلك المدارس، وأنّ السلطة تبنيها دون تراخيص لتستخدمها كغطاء من نوع "حقوق الإنسان" لتحقيق أهداف سياسية عبر تحويلها إلى نقاط جذب للسكان الفلسطينيين. 

عام 2021 خصّصت الجمعية تقريراً مفصّلاً للتحريض على المدارس المبنية في مناطق (ج)، وتفاخرت أن ذلك ساهم في "توفير قاعدة بيانات واقعية واضحة لمتخذي القرارات". لكن القصة بدأت قبل ذلك.

في نيسان/ أبريل 2017، وثّق باحث ميدانيّ من رغافيم أعمال تهيئة قطعة أرض لصالح بناء المدرسة، ثمّ أبلغت مؤسسته الإدارة المدنيّة بـ"مخالفة البناء" التي تجري، ثم تكرّر ذلك مع تقدم البناء. لكن بلاغات رغافيم قوبلت، حسب ادعائها، بالتجاهل أو بردّود عامّة مقتضبة. 

فلسطينيون، بينهم طلاب المدرسة، يتجمعون فوق ركام مدرسة جب الذيب، الواقعة في منطقة مصنفة ج من محافظة بيت لحم، بعد هدمها من جيش الاحتلال بحجة عدم الترخيص. (مأمون وزوز/ وكالة الأنباء الصينية).

رفعت رغافيم إثر ذلك دعوى في المحكمة الإسرائيلية العليا، تطالبها بإجبار وزير الأمن، وضابط جيش الاحتلال المسؤول عن المنطقة، والإدارة المدنيّة، باتخاذ الإجراءات القانونية ضدّ "البناء غير القانوني" للمدرسة. انتهى الأمر بإصدار المحكمة مطلع آذار/ مارس 2023 قراراً بالهدم، وهو ما نُفّذ فعلياً مطلع الشهر الجاري. 

تتكرر هذه القصة مع عشرات المباني الفلسطينيّة سنوياً. تُشغّل رغافيم فريقاً من الباحثين الميدانيين، يتجولون في مختلف أنحاء فلسطين مع التركيز على مناطق (ج)، يرصدون أي نشاط عمرانيّ وزراعيّ فلسطينيّ (مثلاً زرع الزيتون في الأراضي المهددة)، يوثّقونه بدقّة كنقاط على الخرائط التي يحملونها، ويلتقطون صوراً وفيديوهات بجودة عالية للمكان، ويبحثون عن أسماء أصحابه والمبادرين له، وتتكرر الزيارات أكثر من مرة لرصد أي تقدم أو توقف في عملية البناء.

قد لا يكون الوصول إلى كل أماكن تواجد الفلسطينيين، خاصّة في مناطق (ج)، سهلاً أو آمناً لهم، لذلك زوّدت رغافيم باحثيها بالطائرات المسيّرة لتساعدهم في رصد البناء عن بعد. وتشتري بين الحين والآخر من شركات التصوير الجويّ صوراً جويّة مُحدّثة لمناطق الضفّة، لتساعدها في التجسس على العمران الفلسطينيّ.


مثال على استخدام الطائرات المسيرة للتجسس على البناء الفلسطينيّ، طائرة رغافيم فوق أحد التجمعات البدويّة شرق القدس، عام 2015، وأطفال فلسطينيون يلقون الحجارة باتجاهها.

تُستخدم المعلومات التي تجمع في إطارين: الأول؛ الرصد والتوثيق، ومن ثم إصدار التقارير الدوريّة والإحصائيات عن "مخالفات" البناء الفلسطينيّ، وتحويل ذلك إلى مواد دعائية.4حسب رصدها لعام 2021-2022 هناك أكثر من 81 ألف مبنى فلسطيني "غير قانوني" في مناطق ج". والثاني؛ هو بطبيعة الحال تحويل المعلومات إلى سلاح لطرد الفلسطينيين.  

في الإطار الثاني، تعمل رغافيم عمل الوشاة، إذ تُرسل المعلومات التي جمعتها إلى الجهات الإسرائيلية الرسميّة المخولة بمراقبة البناء. في مناطق (ج) تتولى الإدارة المدنية هذه المسؤولية، لكن رغافيم تتهمها بالبطء في إجراءاتها البيروقراطية والمحدودية في مواردها، مما يؤخر رصد البناء غير المرخّص، وأنّ ذلك يؤدي في النهاية إلى نجاح الفلسطينيين في "سرقة" الأراضي. لذلك، فإنها ترى تدخلها مفيداً لتعويض هذا النقص. في حال لم تستجب الإدارة المدنية وغيرها من الجهات الحكومية لطلبات رغافيم بوقف البناء أو هدمه، فإنّها ترفع دعاوى للمحاكم الإسرائيليّة لإجبارها على "تطبيق القانون".   

ما بعد رغافيم ليس كما قبلها

عدا عن مساهمتها في تنجيع عمل الإدارة المدنية فيما يتعلق بسياسة الهدم، فإنّ الدور الأخطر التي تساهم فيه رغافيم هو أنّها تمنع التمدد العمرانيّ الفلسطيني من أصله، إذ إنّ جزءاً كبيراً من عملها متعلق بالتبليغ عن البناء الفلسطينيّ قبل اكتماله. للتوضيح أكثر، فإنّ الحصول على أمرٍ بهدم منزل "غير مرخص" يعني في الغالب أنّ يستغل أهله طول أمد التقاضي في المحاكم الإسرائيلية والإجراءات البيروقراطية، فيستفيدون من المنزل الذي بنوه ليأويهم إلى أن يُنفَّذ الهدم فعلياً، ربما بعد سنوات. 

لكن الحصول على أمرٍ من الإدارة المدنية يقضي بوقف البناء قبل اكتماله، وهو ما تفعله رغافيم، يعني تعطيله فترة طويلة، وفي الغالب منعه تماماً، وبالتالي حرمان عائلة أخرى من سقفٍ يأويها. من جانبٍ آخر، فإنّ ذلك يسرّع عمليات الهدم، فهدم البيوت غير مكتملة البناء يستغرق وقتاً أقل - من الناحية الإجرائية - لتنفيذه من هدم البيوت مكتملة البناء والمسكونة. 

يقول أحد سكان قرية سوسيا المهدّدة بالتهجير، جنوبي الخليل: "قبل تدخلات رغافيم كنا نُنهي بناء البيت، وفقط بعد شهرٍ أو شهرين نستلم قراراً بالهدم من الإدارة المدنية. أما اليوم، ففي 99% من الحالات، يوقفوننا بينما نحن نبني. السبب الأساسي لذلك أن رغافيم توثّق البناء وتزودّ الإدارة المدنية بالأدلة وتضغط عليها للعمل ضدّنا". 5والأمثلة على ذلك كثيرة، فمن أبرز القضايا التي تتابعها رغافيم قضية الخان الأحمر، إذ تواظب على رفع دعاوى لإجبار الحكومة على تنفيذ إخلائها وطرد أهلها. يمكن القول إن رغافيم، وغيرها من الحركات والمجالس الاستيطانية نجحت في تحويل قضية مثل الخان الأحمر وسوسيا ومسافر يطا إلى قضايا مركزية في أجندة أحزاب اليمين.

أمام هذه النجاعة، تحوّلت رغافيم شيئاً فشيئاً إلى "مزوّد خدمات" تستعين به المجالس الإقليمية للمستوطنات في الضفّة، خاصّة لجمع المعلومات عن البناء الفلسطينيّ، ورفع دعاوى ضدّ جهات حكوميّة أخرى من أجل محاربة البناء الفلسطيني في مناطق نفوذ تلك المجالس (تحديداً أن المجالس لا تستطيع غالباً رفع هذه الدعاوى باسمها). وبحسب مديرها، فإنّ رغافيم تتلقى حوالي 25% من ميزانيتها السنويّة من أموال تلك المجالس الإقليمية مقابل خدمات تقدّمها لها. وفي تحقيق لـ"هآرتس" نشر عام 2018، تبيّن مثلاً أنّ رغافيم تلقت عامي 2014 و2015 مبلغاً قدره 300 ألف شيكل من مجلس إقليمي السامرة، مقابل "التفتيش والتعامل المناسب مع البناء الفلسطيني غير القانوني في منطقة نفوذ المجلس".

نقل الأجندة إلى أروقة الكنيست

تُمرّر رغافيم محاضرات وجولات ميدانيّة لسياسيين وأعضاء في الكنيست الإسرائيلي، إضافةً لكتاب وصحافيين، أجانب وإسرائيليين، بهدف التأثير على مواقفهم ودفعهم لتبني مواقف ومخططات تخدم الاستيطان وتُهجّر الفلسطينيين. كما تبتعث موظفيها من قسم العلاقات الدولية إلى مؤتمرات وجولات دعائية حول العالم.

على موقعها تفتخر الجمعية أنّها نظمت منذ بداية عملها أكثر من 64 جولة ميدانيّة لأعضاء في الكنيست، وأنّها صحبتهم للتعرف على "مساعي الفلسطينيين للسيطرة على الأرض وتخريب الموارد الطبيعية والأثرية، وعلى الواقع الصعب الذي تعيشه البؤر الاستيطانيّة". 

*منشور لرغافيم على صفحتها على فيسبوك، يظهر فيه أحد موظفيها في جولة لصحافيين أجانب في النقب، بثت من خلالها رغافيم دعايتها فيما يخص الوجود الفلسطيني هناك. 

وفي سياق التأثير على المستوى التشريعي في دولة الاحتلال، تحافظ الجمعية على تواصلٍ مباشرٍ ومستمرٍ مع ممثلي الأحزاب الإسرائيلية، وخاصّةً تلك المصنّفة كأحزاب "يمين"، كالليكود والصهيونية الدينية. تُقدم رغافيم لتلك الأحزاب مقترحات وأفكار، للعمل عليها في حال فوزهم بالانتخابات البرلمانيّة. يشمل ذلك برامج عمل مفصلة، فمثلاً قدّمت لها قبيل الانتخابات الأخيرة مخططاً بعنوان: "خطّ المحراث"، والذي يشمل برنامج عمل لتعزيز الاستيطان في الضفة، وفيه خطوات عملية مثل إجراء إحصاء للسكان، والعمل على تغيير القوانين بما يضمن سهولة شراء وتسجيل الأراضي لصالح اليهود، ومضاعفة المصادقة على وحدات استيطانية جديدة. تبنّى حزب الصهيونية الدينية جزءاً كبيراً من هذه الأفكار، وضمّنها في اتفاقه الائتلافي مع حزب الليكود. 

لا تقف الأمور عند هذا الحدّ، إذ تدفع رغافيم بقضايا بعينها إلى داخل أروقة الكنيست، وذلك عبر طريقتين: الأولى؛ دفعِ أعضاء كنيست مقربين إلى استجواب الوزراء ذوي الصلة والمسؤولية عن قضايا معينة، وبالتالي نقل القضايا اليومية لأجندة الاستيطان إلى الحيز السياسيّ العام. والثانية؛ الدفع لعقد اجتماع لإحدى لجان الكنيست لمناقشة موضوع يصبّ في أجندة الجمعية. 

وفق المعمول به في الكنيست، يمكن استضافة أصحاب خبرة وذوي اطلاع من خارج الكنيست للمشاركة في مثل تلك الاجتماعات، لعرض ما لديهم من معلومات. وكثيراً ما يحظى مندوبو رغافيم بالدعوة للمشاركة. في شباط/ فبراير الماضي، مثلاً، شارك مدير قسم السياسات في الجمعية في اجتماع للجنة الأمن والخارجية، وشرح في مداخلته مخاطر عملية تسجيل الأراضي الفلسطينية على "الوجود اليهودي في أرض الأجداد".

ومن المهم الإشارة إلى أنّ هذا النشاط كلّه يمتد لسائر أنحاء فلسطين، فقد طال مثلاً المنطقة الصناعية في كفر قاسم في الأراضي المحتلة عام 1948 مثلاً، التي تدّعي رغافيم أنها غير مرخصة ومضرة بالبيئة، وقدّمت ضد أصحاب المحال فيها دعاوى في المحاكم. إضافةً لعملها الموسع في النقب لدعم المخططات الحكومية لتهجير القرى غير المعترف بها، ونقل سكانها إلى بلدات النقب الرئيسية. كما أنها تنشط هناك في حملة دعائية ضدّ تعدد الزوجات على اعتبار أن ذلك يعني زيادة الخطر الديموغرافيّ العربيّ.

رافقتكم السلامة!

نجحت حركات المستوطنين، ومنها رغافيم، في نقل أجندتها إلى مستوياتٍ حكوميّة وبرلمانيّة (4 من أبرز مؤسسي ونشطاء رغافيم هم وزراء أو مدراء وزارات في الحكومة الحالية)، وساهمت في تطوير أدوات مبتكرة لإنشاء مستوطناتٍ جديدة وتوسعة مستوطناتٍ قائمة، بل حتى في المشاركة المباشرة مع جيش وشرطة الاحتلال في عملياته ضدّ الوجود الفلسطينيّ. 

مع نشوء رغافيم ومؤسسات أخرى شبيهة، أخذ النشاط الاستيطاني في العقدين الأخيرين في الضفة شكلاً أكثر تنظيماً وتخصصيةً وفاعلية.6راجع Ghantous Wassim and Mikko Joronen. 2022. “Dromoelimination: Accelerating Settler Colonialism in Palestine.” Environment and Planning D: Society and Space 393–412. https://doi.org/10.1177/02637758221090968. حتّى أنّ الأساليب التي تستخدمها في خنق الناس باتت مضرباً للتقليد. من ذلك، ما أعلنه وزير شؤون الاستيطان الإسرائيلي في نهاية 2020، بأنّ المجالس الاستيطانيّة بإمكانها التقدم بطلب للحصول على دعمٍ ماليّ لإقامة أقسام خاصّة تُفتّش على البناء الفلسطينيّ في مناطق (ج)، باستخدام سيارات خاصّة وطائرات مُسيّرة، تماماً كما تفعل رغافيم، التي رحبّت بالقرار. 

اقرؤوا المزيد في ملف: من يحكم الضفّة؟

ما جاء أعلاه، لا يحكي مجرد قصّة جمعيّة استيطانيّة تنشط في كلّ فلسطين، وبالذات مناطق (ج) في الضفّة، فهذا اختزال. إنّما ما قيل يحكي قصّة الضفّة التي تثبّت فيها يوماً بعد يوم، بالحديد والنار، حقيقة أنّ هناك دولة يسرح ويمرح فيها المستوطنون، يعملون بتنظيم عالٍ وخطوات متسارعة، وترافقهم في نموّهم الكبير هذا أدوات شتّى تضمن لهم "السلامة": رِغافيم واحدة منها!



8 مايو 2020
سيرة استنزاف الصحّة في غزّة

رغم أنّ عدد الإصابات بفيروس "كورونا" في قطاع غزّة لا يزال منخفضاً، وأنّ أغلبها إصاباتٌ محصورة في القادمين من خارج…