1 أبريل 2023

جولة في سلفيت: "المستوطن هو من يحكُم هنا!"

جولة في سلفيت: "المستوطن هو من يحكُم هنا!"

فَتَحَ المستوطن ذراعيه معلناً استيلاءَه على أراضي منطقة الرأس، في قرية قراوة بني حسّان، غرب سلفيت، وقال لأهلها: "المنطقة جميعها مُلكي وسآخذها رغماً عنكم". وبينما يُدير ظهره، أومأ بأصبعيه لمثقال ريان (27 عاماً)، يقصد بذلك أنّه سيُطلق عليه النار. في اليوم التالي، نفّذ المستوطن تهديدَه، واستقرّت رصاصةٌ من سلاحه في رأس مثقال فسلبتْهُ حياته، وسلبت أطفالَه الثلاثة أباهم.

 11 شباط/فبراير 2023، لبّى مثقال مع أهالي قريتِهِ نداءَ الفزعة للتصدي لهجمةٍ جديدةٍ من هجمات المستوطنين، هذه المرّة على مزارعين في أراضيهم وعمالٍ يعملون في منازل قيد البناء على أطراف القرية. 

"كلّما تراجع المستوطنون خطوة، تقدّم مثقال وهو يلقي الحجارة، لم يقبل العودة إلا بعد رحيلهم، لم يكن يخاف الرصاص وكان أجرأ منّا كلنا"، يقول سامر ريان، شقيق مثقال. يُؤمن سامر أنّ الرصاصة التي أصابت أخاه لم تكن عشوائيّةً، بل مقصودةً بهدف قتلِهِ انتقاماً لنشاطه المتواصل في صدّ هجمات المستوطنين. 

هذه واحدة من عشرات القصص التي تعيشها قرى محافظة سلفيت، عنوانها التصدي شبه اليوميّ لاعتداءات المستوطنين وتوغلهم على أراضي الناس وبيوتهم، وقلقٌ دائم من تنفيذ عشرات إخطارات هدم المنازل، وصمودٌ يُدفع ثمنه بالدمّ. 

وبالنظر إلى الأرقام فإنّ حوالي 75% من أراضي محافظة سلفيت مُصنّفة على أنّها منطقة (ج)، وهو ما يعني تلقائياً تهديداً للوجود الفلسطينيّ، وزحفاً للمدّ الاستيطانيّ. 

صُنّفت الضفة الغربية وفق اتفاق أوسلو إلى 3 مناطق: أ، وب، وج. في مناطق (ج)، التي تشكل حوالي 60% من الضفة، أبقت "إسرائيل" على صلاحياتها الأمنيّة والإداريّة، فيما أعطت بعض الصلاحيات في مناطق أ وب للسلطة الفلسطينية. وتُعد منطقة (ج) خزّان الأراضي الأساسي لتمدد المستوطنات والقواعد العسكريّة وشق الطرق، وعليه فإنّ أكثر من 300 ألف فلسطينيّ يعيشون هناك يواجهون سياسات الاحتلال الساعية لطردهم وتهجيرهم، وعنوانها الأبرز: هدم المنازل، ومنع التوسع العمرانيّ أو النشاط الزراعيّ. 

في هذا المقال نجول على عددٍ من قصص المواجهة والصمود أمام آلة الاستيطان في محافظة سلفيت، والتي غدت روتيناً يوميّاً وأسلوب حياة.

الأغنام سلاح آخر في يد مستوطن

بدأت هجمات المستوطنين على منطقة الرأس في قراوة بني حسّان، حيث استشهد مثقال، عام 2022، وذلك بعد أن أُقيمت بؤرة استيطانيّة قريبة منها. فعليّاً تقع البؤرة على أراضي القرية المجاورة دير استيا، وتحديداً على قطعتي أرض في منطقة تُسمّى "خربة أبو خليل" بمساحة 30 دونماً، ولكنها تبعد كيلومتراً واحداً فقط عن منطقة الراس التابعة لقراوة بني حسّان.

وبما أنّ "الجيش والاستيطان يدٌ واحدة"، فقد بدأ الزحف الاستيطانيّ بقرارٍ عسكريٍّ إسرائيليّ صدر بداية عام 2020 تقريباً، ينصُّ على مصادرة أراضٍ من دير استيا في القطع التالية: خربة أبو خليل، الجبل الأمرد، ومنطقة المحفور، تحت ذريعة أنّها "أملاك دولة". 

تلا ذلك في العام 2022، قدومُ مستوطن ومعه قطيعٌ من الأغنام إلى خربة أبو خليل مُستغِّلاً القرار العسكريّ فأقام البؤرة الاستيطانيّة، وينضم إليه مستوطنون آخرون ينفّذون بين الحين والآخر اعتداءاتهم على أهالي القرى المجاورة، مستخدمين العُصي والأسلحة الناريّة.

وعادةً ما تُستخدم ذريعة "أملاك الدولة" عند الحديث عن أراضٍ مَنَعَ الاحتلال أصحابَها من الوصول إليها لسنواتٍ طويلة، ثمّ استخدم ذلك تبريراً لمصادرتها، على اعتبار أنّها "أراضٍ متروكة". وتحت هذه الذريعة صادر الاحتلال "خربة أبو خليل"، وصعّب الوصول إليها من خلال شقّ شارعٍ استيطانيّ قطعها عن امتدادها الطبيعيّ نحو القرى المجاورة. 

عن ذلك يقول أمين مخلوف (62 عاماً) من دير استيا: "لاحظت أن هذا المستوطن متنكر بأنه راعي غنم، ولكنه من خلال ذلك الرعي المزيف يبحث عن الأراضي البور أو التي يغيب عنها أهلها لوقتٍ طويل حتى تكون له ذريعة يضع يده عليها ويسرقها".

يُذكر أنَّ دير استيا مُحاصرةٌ بسبع مستوطنات، سرقت حوالي 10 آلاف دونم من أراضيها، وقد أُقيمت البؤرة الجديدة في منطقة تقع بين ثلاثٍ من تلك المستوطنات هي: ياكير، ونوفيم، وحفات يائير، إضافةً إلى برج عسكريّ بالقرب منها. هذا الموقع الجغرافيّ يعني بطبيعة الحال امتداداً استيطانيّاً واحداً، وتهديداً للمزيد من الأرض.

ولأنّ منطقة الراس هي المنطقة السكنيّة الأقرب للبؤرة، فقد أصبحت هدفاً لاعتداءات المستوطنين. يقول رئيس بلدية قراوة بني حسان، إبراهيم عاصي: "لا يوجد طمع بمنطقة الرأس ذاتها، ولكن المستوطن يحاول استباق الأحداث بتخويف الناس وتوسيع دائرة نفوذه". 

تبلغ مساحة المنطقة حوالي ألفي دونم، وعدا عن تهديدها بالاعتداءات من المستوطنين، فإنّ منازلها مهددة بالهدم من جيش الاحتلال. من بين 50 منزلاً في المنطقة، هناك 42 منزلاً تلّقت إخطاراتٍ إسرائيليّة بالهدم أو وقف البناء، بذريعة البناء غير المرخّص، في منطقة (ج)، التي لا يوافق فيها جيش الاحتلال على منح تراخيص البناء بشكلٍ جارف. 

 لكن تلك الاعتداءات لا تمرُّ دون ردّ، فرغم بُعد المنطقة نسبيّاً عن مركز القرتين، وفصلها بواسطة الشارع الاستيطانيّ، إلا أنّ الأهالي وصولوا إلى البؤرة الاستيطانيّة مرتين منذ إقامتها، وفكّكوا كرفاناتها، وأحرقوها. 

"ما خلولنا أرض ولا خلولنا ولاد"

بالعودة إلى الشهيد مثقال، فإنَّ عائلته تملك قطعة أرضٍ صغيرة داخل القرية، بنوا عليها منازلهم، ورغم ذلك تجدهم من المدافعين عن منطقة الراس، إذ تعتبر العائلة أنّ السكوت عن اعتداءات المستوطنين هناك يعني إعطاء المستوطنين الضوءَ الأخضر لمزيدٍ من الاعتداءات والتمهيد لامتدادها مستقبلاً لتصل إلى وسط القرية.

يقول سامر، شقيق الشهيد: "رح نضل ندافع عنها بدمنا، هذه أرض للوطن". فيما تقول والدته: "إبني بفتخر فيه كل الافتخار، مات وهو يدافع عن وطنه.. المستوطنين ما خلولنا أرض ولا خلولنا دور ولا خلولنا ولاد". ولكنها تستدرك: "احنا فدا الوطن وبنضل ندافع عن وطنا لآخر لحظة". 

قراوة بني حسّان، سلفيت، 12 كانون الثاني/ يناير 2023: جنازة تشييع الشهيد مثقال ريان، الذي استشهد برصاص مستوطن خلال تصديه لاعتداء المستوطنين على أراضي القرية. (عصام الريماوي/ وكالة الأناضول).

لم يكن ذلك الاعتداء الوحيد للمستوطنين على قراوة بني حسّان، بل هو واحدٌ من اعتداءات متصاعدة تكثّفت بعد استيلائهم على أرض خربة أبو خليل عام 2022، وسعيهم للاستيلاء على مزيد من الأراضي المحيطة بها. وما يميز هذه الاعتداءات أنّها مُنظّمة ويُشارك فيها عددٌ كبيرٌ من المستوطنين الذين يحملون السلاح، ويعتدون على منازل في أطراف القرية، وعلى العُمّال والمزارعين فيها، كما يسرقون المواشي ويقطّعون أشجار الزيتون. ويتخلل تلك الاعتداءات إطلاقُ النار على الأهالي الذين يخرجون لصدّهم بالحجارة والتكبيرات.

كما أنّه لم يكن الشهيد الأول من قراوة بني حسّان في صدّ تلك الاعتداءات، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2022، استشهد الشاب مجاهد داوود (31 عاماً) بعد إطلاق الرصاص الحيّ عليه من قبل جيش الاحتلال. كان ذلك خلال مواجهات عنيفة شهدتها القرية بين الأهالي وجيش الاحتلال، وكان الجيش أواخر ذلك العام قد كثّف من ملاحقته للعمال في المنطقة وصادر معدات البناء، وخاصّة الجرافات، تحت ذريعة أنها مناطق (ج).

كما يلاحق جيش الاحتلال المزارعين الذين يحاولون إعمار أراضيهم بزراعتها وحراثتها، وكذلك الأمر بالنسبة لرعاة الأغنام، وهو دور أصبح من مهام المستوطن أيضاً، بهدف تحويلها إلى أراضٍ متروكة تمهيداً لمصادرتها. 

فوزات ريان (43 عاماً)، أحد مزارعي قراوة بني حسّان، تعرض لأكثر من اعتداء من المستوطنين. يقول فوزات إنّ خمسة مستوطنين أحضروا أغناماً وأصبحوا يتواجدون في أراضي شمالي القرية منذ تموز/ يوليو 2022، والتي بالعادة يرعى بها فوزات وأبناؤه الأربعة. يُضيف: "سرقوا سبعة أغنام من ابني وعندما طاردهم لاستعادتها رشّوا عليه غاز الفلفل وضربوه بأعقاب المسدسات". 

فوزات وأبناؤه تعرضوا لاعتقالاتٍ متكررة من جيش الاحتلال، وذلك تنفيذاً لبلاغات قدّمها المستوطنون تضمّنت اتهاماتٍ بمهاجمتهم وتهديدهم بالقتل. يقول فوزات: "المستوطن هو من يحكم هنا!"، ويشير إلى أنه في يوم استشهاد مثقال، كان المستوطن يصرخ باسمه ويقول "أحضروا لي فوزات لِأقتُلَهُ".

سؤال من واقعٍ قاس: هل الدولة فقط في المدينة؟!

غرب سلفيت، وإلى الجنوب من قريتي قراوة بني حسّان ودير استيا، تقع قرية بروقين. وللقرية قصة مع المستوطنة التي سلبت حتى اسمها "بروخين". بينما كان الأشقاء الثلاثة ياسمين وراكان وريان، أبناء عاصم خاطر (36 عاماً)، يلعبون في فناء منزلهم، انطلق صوت حارس المستوطنة من خلال مكبّرٍ للصوت يُحذرهم ويطالبهم بالدخول إلى البيت والتزام الهدوء! يعبس الأطفال ويدخلون فزعين إلى منزلهم. 

ياسمين، ابنة عاصم خاطر تنظر من منزلها باتجاه مستوطنة بروخين. (عدسة: شذى حمّاد).

لا يراقب حارس تلك المستوطنة، التي تبعد أقل من أربعة كيلو مترات عن المنزل، أطفال عاصم فقط، بل يراقب كذلك كلّ تحركٍ في محيط المنزل، وأي محاولة بناءٍ أو إعمارٍ أو إضافة على بُنية المنزل كما هي الآن. في حزيران/ يونيو 2022 أصدرت سلطات الاحتلال قرارين، الأول يقضي بهدم منزل عاصم، والثاني بهدم منزل شقيقته سعاد خاطر (44 عاماً)، والمقامين على أراضي القرية منذ عام 2005، ولكنّ حظّهما أنهما يقعان في أراضٍ مصنفة كمنطقة (ج)، وللمفارقة فإنّها لا تبعد عن المخطط الهيكلي للقرية (تصنيف ب)، سوى ثلاثين متراً!

تقدّم عاصم وشقيقته بدعوى إلى المحكمة العليا الإسرائيلية مطلع هذا العام في محاولةٍ أخيرةٍ لإلغاء قرار الهدم، وبينما ينتظر النتيجة فإنّ يعيش في منزله قلقاً، يجول بنظره مرةً نحو مستوطنة بروخين التي تتوسع ويعلو بنيانها يوماً بعد يوم، ومرةً نحو أطفاله الذين يعيشون تهديد التهجير وفقدان سقف منزلهم الآمن. 

يقول عاصم: "الله أعلم كيف بنينا البيت، وكم مرة انسجنت بسبب التأخير بتسديد القرض والشيكات". ويستدرك: "البيت مش حجر، البيت ذكرياتنا الحلوة والمرة، مكان يعطينا الأمان.. بنملك كل الأوراق الثبوتية بالأرض والبيت ولكن ما قيمتها أمام قوة الاحتلال ومستوطنيه؟". 

عاصم يلهو مع طفليه في حديقة منزله المهدد بالهدم في بروقين، سلفيت. (عدسة: شذى حمّاد/متراس).

في ظل وجود خطرٍ حقيقي يُهدّد منزلي خاطر بالهدم أو بهجمات المستوطنين، نصب عاصم كاميرات مراقبة ليرصدَ أي تحركٍ في محيط منزله، خاصّةً أنَّ عائلته تواجه وحيدةً هذا الخطر دون أي إسنادٍ. يسأل خاطر: "أين الحكومة الفلسطينية، لا نسأل اليوم عن أي دعم مادي ولكن نسأل عن  الدعم المعنوي، لم يطرق بابنا أحد ولم يصل إلى منزلنا أحد بدءاً برئيس بلدية بروقين".

ويضيف، "نذهب إلى مدينة سلفيت فنشعر أننا في دولة، الشرطة والأجهزة الأمنية تملأ الشوارع، والمحافظ معبي كرسيه.. ما موقعنا نحن في هذه الدولة؟ أم الدولة فقط في المدينة؟". 

وبينما يعيش البعض وهمَ الدولة الفلسطينيّة في المدينة كما يقول عاصم، فإنَّ حارس مستوطنة بروخين يُمارس سيادة محسوسة لدولةٍ أخرى على أهالي القرى. يقول مراد سمارة، الناشط في مجال الاستيطان في سلفيت، إنّ ذلك الحارس، ومعه عدد من المستوطنين، يُراقِبون القرية، وخاصّةً منازلها المقامة في مناطق (ج)، عبر الكاميرات وطائرات التصوير من الجوّ، ويبلّغون الجيش بأي تغيرٍ، وأحياناً يقومون بالمهمة بأنفسه، فيقتحمون المنطقة ويُعرقلون أي محاولة لإضافة غرفةٍ أو أي عملٍ متعلقٍ بالبناء. 

خلال العشرين عاماً الأخيرة، تلقى أكثر من 100 منزل في قرية بروقين إخطاراتٍ بالهدم أو وقف البناء، وقد طالت عمليات الهدم في منطقة (ج) في القرية 23 منزلاً وغرفةً زراعيّة، إلا أن هذه الأرقام مهددة بالارتفاع في الأيام القادمة. يُعلّق سمارة: "العام الماضي تخلله استهداف للمنطقة الشمالية والغربية للقرية وقد صدرت سبعة إخطارات هدم جديدة، وفي ظل تمرير السلطات الإسرائيلية قوانين جديدة ووسط ما نسمعه من تصريحات، لا نملك أي تفاؤل". 

أكثر من 70% من أراضيها: ج!

إلى الغرب من بروقين، تقع جارتها كفر الديك التي لديها قصة شبيهة. تخيّل أنّ للقرية أكثر من 13 ألف دونمٍ ضمن تصنيف (ج)، يُقيّد فيها البناء والتواجد، بينما لا تمتد مساحة المخطط الهيكلي في المنطقة المصنفة (ب) أكثر من 1250 دونماً فقط لا غير!

تتضح فداحة هذا الواقع أكثر عندما نعرف أنّ في القرية 70 منزلاً مُهدّداً بالهدم، من بينها 16 منزلاً مُهدداً بالهدم الفوريّ في أي لحظة، لانتهاء ما يمكن ما عمله من الإجراءات "القانونيّة" لتأخير الهدم أو منعه. وفي 10 كانون الثاني/يناير 2023، نفّذ جيش الاحتلال أولى عمليات الهدم لهذا العام في سلفيت، طال ذلك منزل إبراهيم محمد ناجي.

وأحياناً تتوحد المصائب، فمنزل عائلة فتحي أحمد (65 عاماً) يواجه من جهةٍ خطر الهدم لأنه مبني في منطقة (ج)، ويواجه أيضاً اعتداءات المستوطنين الذين استولوا على قطعة أرضٍ قريبة، وبدؤوا بالتضييق على العائلة عبر إطلاق النار صوب المنزل، وتهديد أطفالها. يقول فتحي: "لم نكمل سداد ديون البيت بعد.. باع ابني سيارته، وباعت زوجته ذهبها حتى استطاعوا بناءه.. لا ننام الليل من القلق والتفكير بمصيرنا إذا هُدم".

 
 
 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by متراس - Metras (@metraswebsite)

كما أنّ أهالي القرية يواجهون تصعيداً في اعتداءات المستوطنين، على والمزارعين خاصّة، سعياً لمنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعيّة. وبينما يعيش العشرات قلق التشريد، يُمكن من قلب القرية أن نرى رافعات البناء منصوبةً استعداداً لبناء وحداتٍ جديدة في مستوطنة عاليه زهاف. يُذكر أنّ قرية كفر الديك محاصرة بأربع مستوطنات: ليشم، وعاليه زهاف، وبدوئيل، والمنطقة الصناعية التابعة لعاليه زهاف. 

يُقدّم الاستيطان وتوسعه في محافظة سلفيت مثالاً واضحاً لمعنى "الدولة" التي أقامتها حركة الاستيطان اليهوديّ في الضفة الغربيّة، بدءاً من مستوطنٍ يرعى غنمه في أرض سليبة، وصولاً إلى جرّة قلمٍ يُصادر بها الحاكم العسكريّ مساحاتٍ واسعة، فتصبح في غمضة عينٍ مستوطنة جديدة. 

وعلى الهامش، مزارعون عاجزون عن الوصول لأراضيهم التي تبعد أمتاراً عنهم، وبيوتٌ ينام أصحابها على أمل ألّا يُهدم سقف منزلهم في اليوم التالي، ومئات العمال المصطفين على بوابة مستوطنة أريئيل الصناعية بحثاً عن رزق عيالهم بعد أن ضُيّقت عليهم الأرض. وأخيراً، على هامش الهامش، رئيس بلدية في إحدى تلك القرى - يمثّل السلطة - يرفض إجراء المقابلات أو تكثيف التغطية الصحافيّة في المناطق المستهدفة، ربما خوفاً من فقدانه "تصريح الدخول إلى إسرائيل"، كما يقول بعض أهالي القرية.