2 فبراير 2023

"لم أرَ مثل ذلك في حياتي من قبل".. جنين في يوم المجزرة

<strong>"لم أرَ مثل ذلك في حياتي من قبل".. جنين في يوم المجزرة</strong>

أطلق عزّ الدين صلاحات النّار مجدداً، سَكَن لثوانٍ معدودة ليُراقب المكان، ثمَّ تسلّل بخطوةٍ إضافيّة إلى الأمام. لَوَّحَ له محمود خريوش (52 عاماً) من النافذة متوسّلاً إيّاه الرجوع، ولكنّ عزّ، الذي بالكاد بلغ الـ22 من عمره، طمأنه، ثمّ بدَّل مخزن ذخيرتِه الذي فرغ لتوه. وفي الأثناء، كان رفاقه يتوافدون من كلِّ زقاقٍ باتجاه حي جورة الذهب وسط مخيّم جنين. صَدَح رصاصهم، وعَلِم عزّ أنَّ نداءَه قد سُمِعَ.

قرابة الساعة السابعة من صباح الخميس 26 كانون الثاني/يناير 2023، وبينما كانت الأمهات يُجَهِّزن أطفالهنّ للمدارس، تَسلَّلت القواتُ الخاصّة لجيش الاحتلال مستخدمةً مركبات مدنيّة إلى داخل مخيّم جنين، وبدأ عناصرها باعتلاء أسطح بعض المنازل المحيطة بمنزلٍ لعائلة الصباغ، وسط حي جورة الذهب، وهو منزل عائلة شهيد انتفاضة الأقصى علاء الصباغ. دوّت صليةُ الرصاص الإسرائيلي الأولى، ورُدّ بمثلها، فعَلِم أهل المخيم أنَّ ذلك الصباح سيكون واحداً من صباحاتهم المشتبكة.

زفّة العريس التي تمّت 

سريعاً، خلافاً لعادتِها، طوت ماجدة عبيد (61 عاماً) مصحفها، تاركةً مسبحتها بين الصفحتين 317-318، في قلب سورة طه، حيث ستبقى هناك. أعطت حفيدها عمراً هاتفها ليلعبَ به، وطلبت منه الذهاب عند والدته. كما طلبت من ابنتها النزول إلى الطابق الأول. وبينما كانت كفاية (26 عاماً) تهبط الدرج، كانت تسمع أمَّها تُرَدِّد دعوتَها للمقاتلين، وصوتها يعلو: "الله يحميكم.. الله يحميكم".

صفحة القرآن التي توقفت عندها الشهيدة ماجدة عبيد. عدسة: شذى حمّاد.

كانت بيوتُ جورة الذهب تهتزُّ مع كلِّ دويٍ للرصاص. أعطت الأمهاتُ الأمرَ لأبنائهن بعدم الوقوف بالقرب من النوافذ، وبالزحف والتجمع بين الغرف، لئلا يصبحوا أهدافاً للقنّاص الذي كلّما رأى حركة خلف واحدٍ من النوافذ أفرَغَ رشاشَه صوبها. تسمّر الأطفالُ مكانهم، لا صوتَ لهم، كما لا صوت لأي حديثٍ، ما يُسمع فقط هو الرصاص الذي لا يتوقف!

تقدّم عزّ في خطوتِهِ الأخيرة، وبينما كان يصوّب رشاشَه تجاه هدفٍ رصدَه، جاءته رصاصةٌ من الخلف. سقط عزّ. وانهالت عليه الرصاصات كي لا ينهضَ من جديد. سقَطَ عزّ على باب منزل عائلةِ صديقِهِ من عائلة خريوش، الذي اتفق وإياه في أحد الأيام أن يكون حمامُ عرسِهِ وانطلاق زفتّه من هناك. سحبت العائلةُ عزّاً إلى داخل المنزل، وبدأت محاولات إسعافه. قال عزّ مُطمئناً: "أنا على وضوء"، نطق الشهادتين، وخلال ثلاث دقائق ارتقى عزّ شهيداً في البيت الذي أحبّه، والذي لم يكن يمر يومٌ إلا ويزوره. 

عزّ، الأسمر البشوش، الذي يفوح عطره في كلِّ مكانٍ يَحِلُّ فيه، كان أحد الشبان الذين يحرسون المخيم، ولا يغادرونه إلا صباحاً، رغم عدم امتلاكه السلاح الذي لم يكن يقدر على تحصيل ثمنه. يقول من بقي من أصدقائه إنّه كان ينهارُ بكاءً مُتحسِّراً على عدم امتلاكه البارودة، وخاصّةً بعد توالي استشهاد أصدقائه في "كتيبة جنين"، الواحد تلو الآخر: جميل العموري، نور جرار، وعبد الله الحصري، وخليل طوالبة. 

مشيعون يحملون جثمان الشهيد عز الدين صلاحات أحد شهداء مجزرة جنين في 26 يناير / كانون الثاني 2023. (عبر Gettyimages)

قبل شهورٍ سعى عزّ للالتحاق بوظيفةٍ في السلطة الفلسطينيّة حتى يتمكّن من جمع ثمن سلاحه. وقد حصل على دورةٍ عسكريّة، ثم فُرِّغ على فريق كرة القدم المُمَثِّل للشرطة، وذلك لمواهبهِ الرياضيّة. يقول شقيقه إياد في حديثه مع "متراس": "في اليوم الذي أحضر البارودة، دخل المنزلَ يُنادي على أُمِّي وقال لها: زغردي جبتلك العروس". وإياد كان هو من قرَّر تسمية شقيقه عزّ تيّمناً بالاستشهادي في "كتائب القسّام" عز الدين المصري

يُضيف إياد: "لم يكن عزّ يخرج إلا ليلاً، ولم يستعرض ببارودتِه يوماً.. لم أكن أعرف ماذا يفعل، ولكني كنت على ثقة أنه على قدر المسؤولية، ورغم ذلك صُدِمت عندما رأيت الفيديوهات التي توثّق اشتباكه، هو فعلاً بطل". 

وبينما كانت إيمان مشارقة (أم العبد) تُغطي عزّاً وتودّعه، وتردّد كلمةً واحدة فقط: "مع السلامة.. مع السلامة"، كانت الاشتباكات ما تزال تُدوّي في جورة الذهب، وتمتدُ إلى حي الحواشين، تعزيزاتٌ عسكرية جديدة لجيش الاحتلال تصل إلى المنطقة، وصوت لعدد من الطائرات دون طيار تُحلِقُ في سماء المخيم. فيما تواصل الجرافة العسكرية شقّ طريقها إلى قلب المخيّم مدمرةً كل ما يعترضها، حتى تلك المركبات التي هرب من داخلها أصحابها سريعاً قبل أن يُطحنوا داخلها. 

أما ماجدة التي تركت مسبحتها عند سورة طه، فلم تتوقف عن تحصين الشباب بدعائها، بينما يشتدّ الاشتباك. تقول ابنتها كفاية: "سمعت صوت شيءٍ وقع، شعرت أنّها أمي، وركضت صاعدةً إليها وأنا أنادي، وهي لا ترد النداء.. وجدتُها ملقاةً على الأرض وتنزف من رقبتها، كانت إصابتها مباشرة".

كفاية تحمل صورة أمها الشهيدة ماجدة. عدسة: شذى حماد.

تشهد نوافذ بيت ماجدة على استهدافه برصاصات القناصة. كانت إحداها قريبةً من الصورة العائليّة الوحيدة المُعلَّقة في المنزل لماجدة وأطفالها. لم تُصِب الصورةَ، ولكنَّها أصابت قلبها، وارتقت ماجدة شهيدة. تشير كفاية إلى الخطوط بين البلاط: "أزلنا دم أمّي عن الأرض، ولكن الشقوق تشرّبت دمها". وتشير إلى أحد جدران المنزل الذي ما زال يحتفظ بدماء والدتها. تذكر كفاية كيف كانت والدتها، خلال معركة المخيّم 2002، تَحضُنَها وشقيقتها، وتقول: "يجي الصاروخ فيّ ولا فيكم". وبعد 20 عاماً من المعركة، أصابها الرصاصُ، كما طلبت، ولم يصب أبنائها. 

آثار الرصاص بالقرب من صورة العائلة في بيت ماجدة غنيم. عدسة: شذى حمّاد.

اللاجئون الشهداء

اشتدَّ الحصارُ في محيط منزل عائلة الصباغ، حيث تركّزت عملياتُ الجيش، وبدأت صورة الحدث تتّضح أكثر: يحاصر جنود الاحتلال مجموعةً من المقاومين داخل المنزل ويشتبكون معهم. ثمّ دوّى انفجار قوي هزّ جورة الذهب، إذ قُصِف المنزل بقذائف مضادّة للدروع - حسب بيان جيش الاحتلال - اشتعلت النيران، وانهالت جدران المبنى. ليست هذه المرة الأولى التي يُستهدف المنزل، فقد سبق أن هُدِم مرتين؛ الأولى عام 1991 بعد اعتقال الابن محمد الصباغ الذي حُكم بالسجن ثلاثة مؤبدات1أُفرج عنه عام 2013 في إطار اتفاق بين السلطة والاحتلال قبيل استئناف المفاوضات.، والثانية عام 2002 عند محاولة الاحتلال اعتقال علاء، الذي استشهد لاحقاً.

في تلك الأثناء، عَلِمَ أهالي الحيّ أنّهم على موعدِ وداعٍ جديدٍ. بدؤوا يهاتفون بعضهم البعض، متتبعين تحركات الجيش وانسحابه. الكلُّ سعى للوصول السريع إلى منزل الصباغ وإنقاذ المحاصرين فيه، كأنّهم يسابقون الموت قبل وصوله، ولكنّه كان أسرع. ورغم قرب المنزل، ولكنه كان الأبعد بسبب حصاره واطلاق النار على كلِّ من حاول الاقتراب منه.

لم يخرج الجيش، إلا بعد أن تأكد أنَّ عمليته قد تمت، وأنّه اغتال ثلاثة مقاومين داخل المنزل، الشقيقين محمد ونور غنيم، ورفيقهم محمد صبح، عدا عن 7 شهداء آخرين. فيما تشير بعض المصادر أنَّ مقاومين آخرين تمكّنوا من الانسحاب. وحسب ادعاء الاحتلال فإنّ المقاومين الذين اغتالهم في المنزل، كانوا يشكِّلون خليّةً عسكريّةً تسعى لتنفيذ عملياتٍ داخل "إسرائيل".

تأتي هذه العملية العسكريّة لتُذكّرنا بأنّ الاحتلال لم ينجح في القضاء نهائياً على حالة المقاومة التي تنبت في المخيّم، وخاصّة تلك التي نبتت فيه منذ عامين، فها هي تسعى للنهوض من جديد وتطوّر أدواتها. وقد ظهرت في المخيم هذه المرة استعدادات لم تكن سابقاً، ككاميرات المراقبة التابعة لعناصر المقاومة، والشوادر الهادفة لإعاقة التصوير الجوي لطائرات الاحتلال، والمتاريس الحديدية على مداخل المخيم. وتلك أدواتٌ سبق أن استخدمتها مجموعة "عرين الأسود" في بلدة نابلس القديمة، ما يشير إلى محاولات المقاومة لمراكمة خبرتها بالاستفادة من التجارب، ولتحصين أماكن تمركزها، وبالتالي استمرارية فعلها. 

ملصق يحمل صور الشهداء على باب أحد منازل المخيم. عدسة: شذى حمّاد.

كان الشهداءُ الثلاث قد لجأوا من قريتهم برقين غرب جنين، إلى حيّ جورة الذهب واحتموا فيها منذ عدة شهور، بعد ملاحقتهم من قبل أجهزة السلطة، التي نجحت في اعتقال شابٍ مقرّب منهم ومصادرة سلاحه. ويذكر أحد المصادر أنَّ الشهداء الثلاث سبق أن خاضوا اشتباكاً مع قوات الاحتلال في قريتهم برقين قبل انتقالهم إلى المخيم. 

وشهداء برقين شأنهم كشأن عددٍ آخر من مُقاتلي المخيم لجأوا إلى جورة الذهب تحديداً، إذ يعتبر الحي آمناً بالنسبة لهم كونه يقع في قلب المخيّم، وأيضاً لرمزيته في المقاومة. فقد كان الحيّ المحرك الأساسي للمخيم خلال انتفاضة الحجارة، وتمركّزت فيه قيادته. وامتدَّ هذا الإرث إلى انتفاضة الأقصى، فكان الحيُّ مقراً لغرفة عمليات المقاومة.  

أما اسمه، فقد اكتسبه من حفرياتٍ نُفِّذت فيه في الخمسينيات بحثاً عن الذهب. لم يجد المُنقِّبون شيئاً وتحوّل المكان إلى حفرة كبيرة، قبل أن يتوسع فوقها المخيم. ثمّ ظهر ذهبٌ مختلفٌ، هو سيلٌ من الذهب الأحمر، بل من العطاء المستمر، فقدّم  الحيُّ من الشهداء: علاء الصباغ، ويوسف السويطي، ونضال جباري، وأمجد الفايد، ومحمد الفايد، ومحمد مشارقة، ونبيل خريوش، وزياد العامر، والقائمة تطول. 

أشلاء الشهيد تحت الليمونة

صباح الجمعة، اليوم التالي للعملية العسكريّة الإسرائيليّة، كانت أمُّ يوسف السولمي (46 عاماً) تعمل في دكانتِها المُقابِلة لمنزل الصباغ، تكنُس الزجاجَ المُحطَّم بسبب التفجير الكبير، وتُرتِّب ما حلَّ بدكانها من خراب. ورغم ذلك، أعدّت القهوة للمتوافدين للمكان من صحافيين وحقوقين ورجال الدفاع المدني الذين كانوا يستعدون لهدمِ ما تبقى من المنزل.

أمّ يوسف - الأم لأربعة أبناء- كانت أول من وصل إلى المنزل محاولةً إنقاذ من فيه. حاولت أوّلَ مرّةٍ، ومعها جارتُها، فأطلق الاحتلالُ النّار باتجاههما، فأُصيبت الجارة. ثمَّ حاولت أم يوسف ثانيةً فَنَجحت، لكنّها كانت متأخرة. تقول: "كانت الجثامين متفحِمة والنار ما زالت مشتعلة فيها، أحدهم كان ذائباً على بعضه البعض لا ملامح إنسان له، والثاني متفحم أيضاً ولكن بعض ملامحه واضحة، كقدميه ويديه ورأسه، أما الثالث، فكانت إصابته مباشرة برأسه.. كان المشهد مخيف جداً، لم أرَ مثل ذلك في حياتي من قبل". 

دماء أحد الشهداء في منزل عائلة الصباغ. عدسة: شذى حمّاد.

بين مشاعر الحزن على الشهداء، والخوف على الأبناء، والغضب على الاحتلال، عاشت أم يوسف، كباقي أمهات جورة الذهب، ذلك اليوم الذي لم يكن عادياً بالنسبة لهنّ. جارتها ديانا قرينة (35 عاماً)، وهي أمٌّ لخمسة أطفال، تعرّض مَنزِلُها لاستهدافٍ مباشر بصليات رصاص وقذيفة، وذلك من ثلاث جهات. توافد الناس إليهم لتهنئة بسلامتهم، فقد نجت العائلة بأعجوبة دون فقدان أحد منهم. ديانا التي تبدو أنّها ستُجنُّ خوفاً على أطفالها، تتماسك بين دمعة وأخرى. ولكنها تدعو غاضبة: "الله ينصرنا عليهم.. والله يحمي كل الشباب". 

أما أطفالُ الحيّ، فكانوا يتوافدون من أزقته، محاولين الوصول إلى منزل الصباغ لاستكشافه، ودخوله قبل أن تحضر الجرافة وتزيل ما تبقى منه. رفض سمير البدوية (10 أعوام) الانصياع لأوامر رجال الدفاع المدني، وصعد إلى المنزل يتفقده، وأخذ يروي لزوار المنزل ما سمع وما رأى.

في تلك الأثناء، نادى عليه أحد الشبان الذي كانت مهمته التأكد من جمع أشلاء الشهداء، والحرص على دفنها. أعطاه مغلفاً أسود، وقال: "فيه أجزاء من مخ الشهيد، إدفنه منيح تحت الليمونة". لم يبدُ الخوف أو التردد على سمير، بل بدا عليه الافتخار أنًّ مهمة كهذه قد أوكلت إليه، وغادر المكان مسرعاً وقد تجمع معه مجموعة من الفتية. فيما توزّع أطفال آخرون يجمعون فوارغ الرصاص ويلعبون بها، كالطفلة سيرين السلاونة (6 أعوام)، وكأنه تحدٍّ لما عايشوه من خوفٍ في اليوم السابق. 

الطفلة سيرين تلهو بفوارغ الرصاص. عدسة: شذى حمّاد.

تحوّلت جورةُ الذهب إلى خليّةٍ من النحل، الكل يعمل ويساعد، الكل يسعى إلى إزالة آثار الدمار الذي خلّفه جيش الاحتلال في الحيّ، وكأنه إعلانٌ لنهوضٍ جديد. تقسّمت المهام بعفوية، بين تقديم شهاداتٍ للصحافيين والحقوقيين، وإزالة المركبات عن الطريق، وإصلاح ما يُمكن إصلاحه، وحراسة منزل الصباغ الآيل للسقوط في أي لحظة، وإصلاح الأضرار التي لحِقت بالمنازل، والتوافد إلى منازل الشهداء للمؤازرة والمساندة.

قرابة الساعة الثالثة من عصر الجمعة، حضرت الجرافة وبدأت بهدم المنزل، تجمهّر أهالي الحيّ في المكان. لم يكن ذلك إلا للتأكد من هدم رمزٍ من الوجع تركه الاحتلالُ كردعٍ جماعيّ، فأراد الأهالي الإسراعَ بهدمه والتخلّص منه، ثمّ المضي لاستكمال النهوض. يُعلِّق محمود سلاونة (28 عاماً): "مقاومتنا اليوم لم تعد مثل السابق، اليوم مقاومتنا هي إلي بتعطينا معنويات، وهي مقاومة مستمرة.. الوجع إلي تركوه فينا لن ننساه، واحنا وهبنا حياتنا وكل ما نملك للجهاد والاستشهاد".

قبل هدم المنزل بوقتٍ قليل، خُطّت على ما تبقى من جدرانه العبارة الشهيرة للشهيد علاء الصباغ: "ع القبر يا بلاش"، التي قالها أثناء مطاردته إبان انتفاضة الأقصى معلناً رفضه تسليم نفسه. وعلى جدران الحيّ، أُلصقت مُلصقات قديمة لعملية بيسان التي نُفِّذت ثأراً للشهيدين الصباغ وعماد نشترتي عام 2002، وكأنّها تذكيرٌ بتاريخ طويلٍ لم يُطوَ بعد من النضال والتضحية.

على بعد أمتارٍ قليلة من منزل الصبّاغ، جلس محمود خريوش بالقرب من مكان استشهاد عزّ صلاحات. الكل يمرّ يقدّم التعازي له، ثم يُهنئه بسلامته والعائلة. كُلّما ذُكِر اسمُ عز، أو الأخوين نور ومحمد غنيم، بكى محمود وكأنّه فقد أبناءه، وهذا هو حال جميع أهالي الحي. يقول خريوش: "والله نتأسف لأهل برقين أننا لم نستطع حماية أبنائهم، والذين كانوا أمانة بأرقابنا.. والله قاتَلنا حتى نفذت الذخيرة".