13 مارس 2024

أسياد في الأرض: تكنولوجيا المقاومة التوحيدية

أسياد في الأرض: تكنولوجيا المقاومة التوحيدية

تجري الآن معركةُ "طوفان الأقصى" بين الطليعة المجاهدة في الأمة التي تصدّت لقضية القدس والأقصى، ورأس حربة المشروع الاستعماري الغربي في المنطقة؛ "إسرائيل". وعادةً ما يَنظر جمهورُ الأمة لهذه الطليعة المجاهدة بكثيرٍ من الإشفاق، لضعف عتادها وعددها أمام عدوٍّ يُوصَفُ بأنّه من أقوى جيوش العالم ويمتلك أكثر الأسلحة تطوراً على وجه الأرض. حتى ذهب كثيرٌ من المحللين العسكريين إلى وصف المعركة بأنها معركة بين جيشٍ "فائق التكنولوجيا" (High-Tech) ومقاومةٍ "فقيرة تكنولوجياً" (Low-Tech). لكن هل هذا هو توصيف الواقع فعلاً؟

ما الذي تخبرنا به المعركة؟

اعتمد العدوّ في خطّة اقتحامه البري على استخدام قواتٍ مدرّعة من دبابات "ميركافا" الإصدار الرابع، والتي تبلغ تكلفتها 3,5 مليون دولار، والإصدار الخامس الذي قد تصل تكلفته إلى نحو 6 ملايين دولار، وكذلك حاملة جند "النمر"، والتي تبلغ تكلفتها حوالي 4 ملايين دولارا، وذلك لسبب بدهي هو أنّ هذه أكثر الأسلحة تطوّراً من حيث التدريع والكفاءة الميدانية من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإن أكثر مضادات الدروع تطوراً لا تقوى عليهما، سواءً أكانت هذه المضادات وصلت إلى يد المقاومة أم لا.

كان تقدير العدو أن يدخل غزّة ويدك ما أمامه بالطائرات والمدفعية، لكنه وجد ما لم يكن يتخيله.

طوّرت المقاومة مضاداتٍ للدروع يمكنها إصابة النمر ودبابات "ميركافا 4" و"ميركافا 5". ما قامت به المقاومة هو عملية تطوير تكنولوجي معقّدة لنموذجٍ قديمٍ من القاذف الصاروخيّ المضاد للمدرعات؛ الـ "الآر بي جي" (Rocket-Propelled Grenade)، وكُلَّل هذا التطوير بإنتاج قاذف "الياسين 105"، أحدث سلاحٍ مضاد للدروع تطوراً حتى معركة الطوفان، والذي يتكوّن من رأسين متفجّرين، فبينما يخترق الأول الطبقات الأولى من درع الدبابة، فإنّ وظيفة الثاني اختراق الدرع الأساسي لها لإعطابها أو حتّى قتل وجرح من فيها، وذلك بعد أن يقف المقاتل ضمن مسافة قريبة منها كي يتحايل على أنظمة الحماية فيها، ثمّ يستهدفها في نقطة ضعفها.

اقرؤوا المزيد: رحلة تدمير الدبّابة

لا يمكن الجزم بمدى كفاءة "الياسين 105" قبل أن تنتهي المعركة وتتضح مدى فاعلية تأثيره على الأرض. لكن لو وضعنا جانباً تصريحات المقاومة عن عدد الخسائر الناتجة عن استخدامه والتي تُعلِن عنها بشكلٍ دوري، وكذلك عن خبر تراجع أعداد آليات العدو والمرصود بالأقمار الصناعية في بداية المعركة بين 1 و8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، والانسحابات المتتالية للواءات وكتائب إسرائيلية مدرعة من غزّة، لو تجنبنا كل ذلك واعتمدنا على تصريحات العدو في نوعية المصابين والقتلى والتي ينتمي جزء كبير منهم لسلاح المدرعات، يمكن القول إنّ ما يحدث على الأرض يُعدّ نجاحاً لمجموع أسلحة وتكتيكات المقاومة. 

كُلل هذا النجاح بخروج "لواء جولاني" أشهر ألوية النخبة لدى العدو، من غزّة، بعد أن مُني بخسائر فادحةٍ لم يظهر للعلن منها إلا تصريح قائد اللواء الأسبق بفقد اللواء ربع مقاتليه في معارك غزّة. تشي هزيمة اللواء، في جانب منها، إلى نجاح استثمار المقاومة في تطوير "الياسين 105". ولعلّ لهذه القذيفة نصيب من بركة من سُميت على اسمه. 

بالإضافة إلى "الياسين 105"، طوّرت المقاومة، وعلى مدى سنوات، سلاح المُسيرات الذي ظهر مؤخراً، وهو من أحدث أنواع الأسلحة تكنولوجياً. ليس هذا فحسب، بل أعادت تأهيل بعض أنواع المُسيرات لتكون قادرةً على حمل ذخائر مضادة للمدرعات والجنود. كذلك طوّرت المقاومة شبكةً من الأنفاق لم يتمكن سلاح الهندسة، مستودع الخبرة التكنولوجية لدى العدو، من كشفها أو التعامل معها. بالإضافة إلى القدرة على التشويش الراداري المستخدم أثناء الاقتحام في بداية المعركة.  

يظهر بعضٌ  من نتاج هذا التنوع في البيانات الصادرة عن المقاومة، والتي رصدها مركز "معطى" في تقريره خلال 3 أشهر من الحرب في الفترة ما بين 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى 26 كانون الثاني/ يناير 2024. على صعيد الآليات: تم استهداف 1111 آلية وتدميرها كلياً أو جزئياً، منها 209 آليات ذكرت البيانات أنها دُمِرت بشكلٍ كامل، و902 آلية دُمِرت كلياً أو جزئياً، منها 358 دبابة، و85 ناقلة جند، و83 جرافة، و20 جيباً عسكرياً. وعلى صعيد الأفراد:  رُصِد 282 إعلاناً عن استهداف قوات راجلة في كمائن واشتباك مع قوات راجلة ومتحصنة، بالإضافة إلى 32 عملية قنص. بالإضافة إلى الإعلان عن أنواع من الأسلحة المختلفة المستخدمة في المعركة مثل المسيرات ومضادات الدروع والعبوات والصواريخ بتشكيلاتها المختلفة. 

من الواضح أن ما ظهر حتى الآن في معركة طوفان الأقصى يعارض سردية التكنولوجيا الفائقة أمام التكنولوجيا المتخلفة. بالطبع، يمكن القول بوجود فارق كبير في العتاد والقوة النارية وسلاح الجو وحجم الجيش، يمكن قول كل ذلك، لكن لا يمكن القبول بسردية الأكثر تقدماً في مقابل الأقلّ تقدماً.

كيف يمكننا التمييز بين طبيعة التكنولوجيا الفائقة التي يعتمد عليها العدو في دعايته وفي الميدان، والتكنولوجيا الفائقة التي طورتها المقاومة وتستخدمها في الميدان لإحداث فارقٍ حقيقي على الأرض؟ أعتقد هذا هو السؤال الأجدر بالتناول في هذه المسألة.

هل "التكنولوجيا الفائقة" مصطلح محايد؟

يمكن الاقتراب من هذا المفهوم من عدة مستويات. مستوى الجذور الفلسفية التي نبت منها هذا المفهوم، ومستوى التشكلات الواقعية التي تحمل هذا المفهوم/ التصور، بالإضافة إلى تجليات هذا المفهوم في الواقع من منتجات وأنظمة يستخدمها ويعتمد عليها الاحتلال أو المقاومة.

في هذا التحليل لن نُبحر بشكلٍ عرضيٍ بين الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية لظاهرة "التكنولوجيا الفائقة"، لكن سنغوص بشكلٍ عموديٍّ في أعماق جذورها الفلسفية إلى أن نصل إلى تجلياتها وأدواتها التي نراها ونُعايشُها.

الجذور والفلسفة:

يُعتبر المشروع الصهيوني مشروعاً علمانياً مفارقاً للمُطلق الرباني، لذلك فهو منتج حداثي يحمل ما تحمله الحداثة من نظرة للإنسان والعالم. فالإنسان فرداني يسعى وراء متعه، والعالم هو مسرح هذا الاستمتاع الذي يجب السيطرة عليه واستهلاك موارده. 

حينما تنزع عن بني البشرية تصورهم وارتباطهم بالمطلق الرباني المتعالي فإنك بذلك تنزع عنهم إنسانيتهم وتحولهم إلى أشياء، فهم مجرد تطور دارويني حدثت له طفرات على مدى زمنيّ كبير. مثلما ينظر يوفال هراري إلى ما يُسمّى "الذكاء الاصطناعي"، الذي يتنبأ بإمكانية حدوث طفرات لمنتجات الذكاء الاصطناعي، لتنتج عنه ذواتٌ أكثر كفاءةً من البشر، وذلك على مدى زمني أقل بكثير مما حدث مع البشر. 

هذا الإنسان الشيء يعيش على الأرض مع أشياء أخرى مُنبتة عن المطلق الرباني، لكن الفرق بين "الإنسان الشيء" وغيره من "الأشياء" الأخرى أنه سيد عليها، يسخرها ويستعملها ويستهلكها لاستمتاعه. من هنا جاء دور التكنولوجيا في التصور الحداثي، والذي يمكن اختصاره بأنه عمليات التمكين الأداتي التي تحقق سيادة الإنسان على الأرض

يختلف هذا الجذر بكليته مع الجذر التوحيدي الذي يتبنى نظرة مختلفة للإنسان والعالم. فالإنسان هو عبد الله وخليفته في أرضه، مُكلّف بإعمارها وفق مراده سبحانه وتعالى. وسخر الله له ما في الأرض ليمكّنه من تحقيق دوره الاستخلافي فيها. فالإنسان وفق الجذر التوحيدي سيد في الأرض وليس سيداً عليها، لأنها أرض الله. من هنا يمكن رسم دور التكنولوجيا في التصور التوحيدي بأنه عمليات التمكين الأداتي التي تُمكّن الإنسان من أداء دوره الاستخلافي على الأرض

وفق هذين التصورين المختلفين يمكن أن نستكشف جذور وفلسفة التطوير في عقل العدو وعقل المقاومة. فالعدو يحيل للتكنولوجيا أدوارَ الجندي المقاتل، وبذلك يكثّف اعتماده على التكنولوجيا في مقابل تقليل اعتماده على خصائص الجندي المقاتل. ليس لحفظ حياته فقط، ولكن أيضاً لأنه يرى أن ما يقوم به "الإنسان الشيء" يمكن أن يقوم به "السلاح الشيء" أيضاً. لذلك معيار الأداء والفاعلية يقاس بمدى تقدم التكنولوجيا بكونها "تكنولوجيا فائقة". بالتالي، لا يمكن لهذا العقل أن ينتج عنه منتج تكنولوجي مثل عبوات "العمل الفدائي" أو عبوات "شواظ" التي طورتها المقاومة، والتي تحتاج لجسارة المقاتل كي يقترب من الهدف من مسافة صفر أثناء القتال. 

هنا يتجلى الفرق بين عقل يطور تكنولوجيا الحرب من أجل أن يحرق الأرض ومن عليها قبل الالتحام، وعقل يطور تكنولوجيا الحرب من أجل أن يدفع عدوه ويحافظ على الأرض ومن عليها. 

كيف تشكلت وتجسدت هذه الجذور على الأرض؟

لا توجد هذه الجذور الفلسفية والانحيازات في الوجدان فقط، بل تترجم إلى واقع عن طريق منظومة الإنتاج. بالنسبة للمحتل الصهيوني الحداثي، فإنّه يتبنى المنظومة الرأسمالية كطريقةٍ لتطوير تكنولوجيته العسكرية. مما يعني شركات تطوير عسكرية هادفة للربح وشبكة علاقات دولية من أجل التطوير المشترك والتسويق والدعاية. كل ذلك يعطي انسجاماً مع المنظومة الحداثية وبنيتها المؤسسية، مما يستدعي ارتباطاً وثيقاً بخصائص هذه المنظومة.

هذه البنية المُترجِمة للجذور تفرض شروطها التي لا فكاك منها، فلكي تكون حاضراً في الصف الأول لهذه البنية لا بدّ أن تطوّر منتجاً من أجل الربح، ولكي تستمر في مقدمة المطورين لا بدّ أن تحتكر السوق وتستحوذ على من يحاول أن يصعد السُلم. كل ذلك ينعكس بالضرورة على تكلفة المنتج النهائي، فتكلفة البطارية الواحدة لنظام الدفاع الصاروخي المسمى "القبة الحديدية"، تقدّر بـ 100 مليون دولار، في حين تكلفة تشغيله تقدّر بنحو 50 ألف دولار لكل صاروخ. 

لا تعتمد المقاومة على هذه البنية في الإنتاج. ولافتقاد أمتنا المسلمة لنموذجٍ مغاير في البنية الإنتاجية (عن النموذج الرأسمالي) يُسعف المقاومة في عملية التطوير والإنتاج التكنولوجي، فقد لجأت إلى تطوير بنيةٍ تكافليةٍ مقاومة تحت ضغط الواقع. لا توجد مصادر عن كيفية تصميم وعمل هذه البنية، لكن يمكن القول إنّها بنية تكافلية سرّية لا تعتمد على الربح في الإنتاج، وكوّنت لها شبكة علاقات إقليمية ودولية.

على عكس النموذج الرأسمالي، والذي تعتبر الشركة فيه المستودع الاحتكاري للخبرات، مُنعت المقاومة من أي قدر من تراكم الخبرات في الإنتاج التكنولوجي العسكري من محيطها الأممي الطبيعي على مستوى بنى الدول والشركات على حد سواء. فلا يمكن الاستفادة من طفرة التطور التكنولوجي العسكري التركي، سواءً في المُسيّرات أو غيرها، نتيجة تموضع المشروع التركي كدولة قومية داخل المنظومة الغربية الرأسمالية من جهة، ونتيجة ما يستتبعه ذلك من طبيعة التطوير الشركاتي التركي الهادف للربح من جهة أخرى. كذلك لا يمكن الاستفادة من تراكم الخبرات، وإن كانت متواضعة، مثل تجربة الجيش المصري ومؤسسات إنتاجه المختلفة، وذلك بسبب تموضع النظام المصري، والجيش بالتبعية، كنظام وظيفي للمُهيمن الحضاري. 

أما فيما يخص علاقة المقاومة بالمشروع الإيراني، فلا يُرجى منها الانفتاح الكلي بين مستودع الخبرة الإيراني في تطوير التكنولوجيا العسكرية ونموذج المقاومة. هذا لأن المشروع الإيراني مشروع دولة قومية، صحيح تحاول الخروج من أسر النظام الدولي، لكنها دولة قومية في النهاية. وعلاقة المقاومة مع إيران تقع في إطار تقاطع المصالح بين مشروع فارسي طائفي إقليمي، وحركة مقاومة لتحرير الأقصى بوصلتها الأمة. ولا أدل على ذلك من عدم مشاركة المشروع الإيراني للمقاومة بأي نوع من أسلحة الدفاع الجوي، وهو ما يمكن أن يغير معادلة أي اشتباك بين المقاومة والعدو. فعداء المشروع الإيراني للاحتلال عداء مشاريعٍ إقليمية، وليس على أرضية الأقصى وبوصلة الأمة. أما المقاومة، فتحاول الانفتاح عن طريق تشكيل شبكة علاقات متنوعة، وإن كانت محدودة، منفتحة على كل المتاح للاستفادة منه، حتى لو اتُهمت من الصديق والمتربص قبل العدو. 

كذلك فإنّ المقاومة استفادت من مستودع خبرات متخصصين من أبناء الأمة في تطوير بنيتها التكنولوجية، ولعلّ أبرزهم المهندس التونسي الشهيد محمد الزواري.

التجليات:

وفق هذا التمايز بين هذه الجذور وتلك البنية، لكل من المقاومة والاحتلال، يجري تطوير وإنتاج أدوات تكنولوجية عسكرية تُترجم انحيازات الجذور الفلسفية والبنية. فتشييء الإنسان يزيل التمييز بين الإنسان والآلة، إذ يصبح كل ما يقوم به الإنسان يمكن الاستعاضة عنه بالأدوات التكنولوجية. وهذا ما اتجه إليه جيش الاحتلال بالاعتماد على التكنولوجيا أكثر من تطوير الفرد المقاتل، وهو ما قوبل بانتقادات داخل الجيش وخارجه. لكن ليس الدافع وراء هذا التفضيل هو خيار رشيد محايد بالحفاظ على أرواح الجنود وراحتهم فقط، بل هو خيار رشيد وفق نموذج التفكير الحداثي الذي شيّأ الإنسان. وبالتالي تكون عمليات التطوير التكنولوجي وفق هذا النموذج: عمليات التمكين الأداتي التي تحقق سيادة الإنسان على الأرض

أما النموذج التوحيدي الاستخلافي يُميّز تمييزاً جلياً بين الإنسان، خليفة الله، وبين الأدوات التي يطوّرها من أجل مهمته الاستخلافية. فيعمل على بذل الوسع في التطوير الأداتي التكنولوجي، وتزكية الإنسان المقاتل، وإعداده ليستخدم الأدوات في تحقيق مهامه القتالية. فتصبح الأداة التكنولوجية للمقاتل ساعداً فوق ساعده. وتكون قوّة قلبه المتصل بإيمانه بخالقه جزءاً من تصميم الأدوات التكنولوجية التي يستخدمها في القتال. وما عبوة "العمل الفدائي" المضادة للمدرعات إلا تجسيداً جلياً لهذا الانحياز في التصميم التكنولوجي. 

لذلك على أهمية قاذف "الياسين 105" في معركة المدرعات، وحتى لو لم يدمر "الميركافا" و"النمر" (وقد فعل) ولم يُحدث إلا الرعب والصداع للجنود المتحصنين فيها، فقد وفّى وكفّى. لكن الأهم، في رأيي، هو الأدوات التكنولوجية المطورة للاشتباك المباشر بعد خروج المقاتلين من دروعهم والقتال وجاهاً. هنا تتجلّى فرادة ونقطة قوة النموذج التوحيدي ومنتجاته. وبالتالي تكون عمليات التطوير التكنولوجي وفق هذا النموذج: عمليات التمكين الأداتي التي تمكّن الإنسان من أداء دوره الاستخلافي على الأرض

ومن أصدق ما يُستدل به على تفرد هذا النموذج ما صرّح به قائد لواء الشمال أبو أنس الغندور، وهو يصف مراحل تطوير التصنيع العسكريّ للمقاومة: "استخدمت كتائب القسام كل ما استطاعت الحصول عليه من سلاح، فبدأت بالتربية الجهاديّة بشتى أنواعها، ثمّ بما تيسر؛ بدايةً من الحجر والملتوف والبنادق والرصاص والقنابل، ثم منّ الله علينا بالمهندسين الذين وفقهم الله في صناعة المتفجرات، والتي هي بعد الله سبحانه وتعالى وقود لكل المقاومين والمجاهدين والتي أصبحت سلاح رعب وردع للمحتلين، فكانت العبوات بشتى أنواعها، الأرضية والجانبية الموجهة وللأفراد، وكانت الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، وكانت صواريخ القسام التي أنزلت الرعب في قلوب الصهاينة، وكانت الصواريخ المضادة للدروع منها البتار ومنها الياسين الذي جعل المحتلين يفكرون ألف مرة في أي اجتياح، بل أصبحوا يفكرون بالانسحاب". بهذا، فالتربية مرحلة من مراحل التصنيع؛ تصنيع الساعد والمساعد (السلاح). 

اقرؤوا المزيد: أبو أنس الغندور: الرجل الذي لم يُسقط لواء الشمال من يده

بقي أن نُذكّر بأمرين: الأول أنّ هذا النموذج يستبطنه صاحبه سواءً أدرك ذلك أم لم يدرك. لذلك، وهذا ثانياً، إنّ هذا النموذج ليس ملازماً للمقاومة ما بقيت؛ بل هو ملازم لها ما التزمت بتحرير الأقصى كقضيةٍ دينيةٍ هدفاً وغاية. ولو تحولت عنه لتحول عنها، واستُبدل بغيره بحسب التعريف الجديد. نسأل الله لها الثبات والتوفيق.

إعادة تعريف التكنولوجيا من منظور أممي

تقول لنا معركة طوفان الأقصى إنها ليست بين جيش يستخدم تكنولوجيا فائقة أمام مقاومة تستخدم تكنولوجيا تقليدية أو متخلفة، إنما تقول إنّها معركة بين جيش طوّر أدوات تكنولوجية وفق نموذجٍ حداثي رأسمالي تدميري إبادي، ومقاومة طورت أدوات تكنولوجية وفق نموذج توحيدي تدافعي. 

محاولة التمييز بين هذين النموذجين للتطوير التكنولوجي مهم، لكن على ما في هذا التمييز من وضوح وإفادة إلا أن النموذج التوحيدي التدافعي نموذج تطوير تكنولوجي خاص بالتدافع في قضية هي من أهم قضايا الأمة: الأقصى وفلسطين. إلا أن قضية التدافع على مستوى الأمة أشمل، فمثلاً؛ مدافعة النموذج الغربي في منصات الإنترنت المختلفة على التحكم في "رواية الأمة" حول قضاياها الأساسية من احتلال وظلم واستبداد وغيرها، أعم من قضية الأقصى على أهميتها ومركزيتها كما تقدم ذكره.

كما أن الأمة لا تنهض بتطوير تكنولوجيا التدافع فقط، بل نحتاج لنماذج للبناء أيضاً. وقد أوتينا في هذه المعركة من منصات التواصل الاجتماعي المبنية وفق النموذج الحداثي، والتي شاهدنا انحيازها الفج لسردية الاحتلال.

إننا بحاجة لبناء تكنولوجيا من منظورنا ووفق نموذجنا التوحيدي، تستوعب التطور التكنولوجي الموجود وفق احتياجات وأولويات أمّتنا، فلا تستنسخ الموجود أو تبني عليه وهي متجاهلةً بنيته والفلسفات الكامنة فيه.

إلا أنّ الأمة لا تنهض بتطوير تكنولوجيا التدافع فقط، بل تحتاج لنماذج للبناء أيضاً، لبناء تكنولوجيا من منظورنا ووفق نموذجنا التوحيدي، تستوعب التطور التكنولوجي الموجود وفق احتياجات وأولويات أمّتنا، فلا تستنسخ الموجود أو تبني عليه وهي متجاهلةً بنيته والفلسفات الكامنة فيه.



16 يونيو 2019
مديحٌ فاشلٌ للسبويلر

قصّتي مع “السبويلر” بدأت قبل بضع سنوات. دخلت إلى مقهى ووجدت صديقاً، اسمه سعيد، يجلس مرخياً على كرسيّ في الزاوية،…

16 مايو 2018
يافا تصنع مدفعين

تختصر حكاية مقاومة مدينة يافا في حرب 1947- 1949، حكاية المقاومة الفلسطينية في مرحلة الحرب الأولى (ديسمبر/ كانون الأول 1947…