4 يونيو 2022

المُسيّرات.. لِمَن سماء البلاد؟

المُسيّرات.. لِمَن سماء البلاد؟

في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، استهدفت طائرةٌ إسرائيليّةٌ مُسيّرةٌ سيارةَ نائب القائد العام لكتائب القسّام الشهيد أحمد الجعبري، مما أدّى لاستشهاده ومرافقه الشهيد محمد الهمص. كانت الطائرة المُسيّرة أو ما عُرِفَ فلسطينيّاً بـ"الزنّانة" الحلَّ الأخير للاحتلال لاغتيال الجعبري الذي نجا في أربع محاولاتٍ سابقة. وجاء استخدام المُسيّرة من قبل جيش الاحتلال على غير العادة المتبعة في الاغتيالات خلال الانتفاضة الثانية، والتي اعتمدت بشكلٍ أساسيّ على الطيران المروحيّ. 

كان الدافع الأساسي لإنتاج مُسيّراتٍ إسرائيليّة يتمحوّر أساساً حول جمع المعلومات والأهداف الاستخباريّة، ومع الوقت تطوّر هذا القطاع وأصبح جزءاً هامّاً من اقتصاديات الحرب الإسرائيليّة، في تعبيرٍ عن التفوق الإسرائيليّ في هذا المجال، والذي بدأ يتخلخل مع ابتكار المقاومة في غزّة "زناناتها". نتتبع في هذا المقال ظهور المُسيرّات الإسرائيلية، واستخداماتها المتعددة، ثمّ دخولها في اقتصاديات الحرب الإسرائيليّة، وصولاً إلى ظهور المُسيّرات لدى المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة.

"البحث فوق التل"

يمكن تأريخ بداية التفكير الإسرائيليّ بقطاع الطائرات المُسيّرة مع سنوات حرب الاستنزاف التي خاضتها "إسرائيل" أمام مصر، وتحديداً في العام 1970. خلال تلك الحرب حصلت مصر على مضادّات جويّة سوفيتيّة ساعدتها في إسقاط طائرات حربيّة إسرائيليّة، ووفي التشويش على الغارات الإسرائيليّة التي استهدفت المطارات المصريّة. وقد تسبّب ذلك في الحدِّ من حريّة عمليات سلاح الجوّ الإسرائيليّ. وفي المقابل، حصلت "إسرائيل" في حينه من الولايات المتحدة الأميركيّة على طائرات مُسيرّة استطلاعيّة وأخرى تُستخدم لتضليل المضادّات المصريّة، وكانت تلك الطائرات مؤسِّسةً لأوّل سربٍ للطائرات المُسيّرة في جيش الاحتلال.

أما حرب تشرين/ أكتوبر 1973، فقد كانت دافعاً آخر للسعي الإسرائيليّ الحثيث من أجل إنتاج أوّل الطائرات المُسيّرة. خسرت "إسرائيل" في تلك الحرب (وفق أقلّ التقديرات) 100 طائرة قتاليّة، كما أظهرت فشلاً استخباريّاً سواءً في توقُّع وقت الحرب أو في رصد تحركات الجيش المصريّ. 

في ضوء ذلك، أُنتجت الطائرة المُسيّرة Tadiran Mastiff من قبل شركة Tadiran Electronic Industries، من أجل "الرؤية فوق التل"، أي أنها استُخدمت أساساً لأهداف استخباراتيّة. واستمر الدورُ الاستخباراتيّ للمُسيّرات خلال تواجد منظمة التحرير الفلسطينيّة في لبنان، وساهمت المعلومات التي وصلت من خلالها في وضع خطط اجتياح 1982، بالإضافة إلى المساهمة في إبطال دور المضادات الجويّة السوريّة في منطقة البقاع. 

جندي في جيش الاحتلال يتحضر لإطلاق مُسيرة من نوع Skylark I فوق سماء غزّة، وهي مُسيّرة مُعدة لأغراض الرقابة، يوليو/ تموز 2014. (عدسة: جاك جوز/ وكالة الصحافة الفرنسية).

بدأت القفزة الكبيرة لصناعات المُسيّرات عقب فشل مشروعٍ إسرائيليّ لتصنيع طائراتٍ نفّاثة، ليتقرَّر التوجه نحو المُسيّرات. وبدعمٍ من رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق إيهود باراك أُطلق برنامجٌ للإنتاج والاستثمار في المُسيّرات عام 1994، وحصلت على مناقصة العمل فيه شركة Silver Arrow.  1حصلت على المشروع شركة Silver Arrow التي أسسها العميد المتقاعد من سلاح الجوّ الإسرائيليّ إيلي جامزون، وكان الهدف من المشروع الاستفادة من ظهور أنظمة تحديد الموقع مما يزيد من نطاق عمل الطائرات، وتطويرها من أجل أن تكون أخفّ وزناً وأقلّ قابليةً للاكتشاف من الرادار. يُذكر أن ملكية هذه الشركة انتقلت لاحقاً إلى شركة Elbit Systems. 

أنتج هذا المشروع عام 1998 طائرة Hermes 450، وهي واحدة من أكثر الطائرات استخداماً من قبل جيش الاحتلال، وتُستخدم بشكلٍ مشتركٍ من قبل القوات الجويّة والبريّة. وكانت ذروة نشاطها خلال الانتفاضة الثانية إذ استُخدِمت لتتبع مطاردين فلسطينيّين. كما شاركت في الحروب الإسرائيليّة على قطاع غزّة، وحرب تموز 2006 في لبنان، والغارات الجويّة في السودان الهادفة لمنع تهريب السلاح إلى غزّة.

وفي حرب تموز 2006 تحديداً، استُخدِمت الطائرات المُسيّرة الإسرائيليّة كمنصة هجوميّة، كما أنّها حلّقت خلالها عدد ساعات أطول من الطائرات المأهولة. وقد كان التحوّل الكبير في استخدام سلاح الطيران والمُسيّرات بالأخص في قطاع غزّة عقب الانسحاب الإسرائيليّ منه عام 2005، فبعدها أصبحت المُسيّرات الوسيلةَ الأساسية للسيطرة الإسرائيليّة على غزّة.2:إيال وايزمان، "وسائل الموت"، في: ساري حنفي وعدي اوفير وميخال غيفوني (محررون)، ​سلطة الإقصاء الشامل : تشريح الحكم الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2012)، ص 645- 698. كما مُنحت صلاحية استخدام المُسيّرات للقوات البريّة بشكلٍ مستقل، ليتصاعد استخدامها خلال الحروب اللاحقة، والتي كانت تستمر طائرات مُسيّرة خلالها بالتحليق في سماء غزّة طوال الوقت.3يمكن مراجعة: Stefan Borg, "Assembling Israeli drone warfare: Loitering surveillance and operational sustainability", Security Dialogue, 2021, Vol. 52(5) 401–417.

كيان قائم على الحرب.. وإنتاج عسكريّ مستمر

فتحَ الاختبارُ والتجربة المستمرة لهذه الأسلحة في الحروب الإسرائيليّة المجالَ من أجل إنتاج عدّة أنواع من المُسيّرات ونماذج مُحسنّة منها، فيما سيطرت على معظم هذا القطاع شركة Elbit Systems وشركة الصناعات الجويّة الإسرائيليّة Israel Aerospace Industries. 

الطائرات المنتجة من قبل Elbit Systems هي Micro-V وSniper وSkylark التي أُنتجت منها 3 طرازات، لكنها أصبحت أقلّ استخداماً بعد تمكّن المقاومة في قطاع غزّة من السيطرة عليها وإسقاطها. كما أنتجت الشركة ذاتها طائرات مُسيّرة باسم Hermes منها 6 طرازات، ويعدّ الطراز Hermes 450 المخصّص للاستطلاع من أكثر الطائرات استخداماً اليوم.

أما شركة الصناعات الجويّة الإسرائيليّة، فقد أنتجت 11 طائرةً مُسيّرة، وهي Scout وPioneer وHunter وRanger وSearcher وBird-Eye وI-View وHeron ونتج منها ثلاث طائرات Heron 1 وSuper Heron (Heron HF)، وEitan (Heron TP) وPanther وGhost. 

مُسيّرة إسرائيلية تقع أرضاً بعد أن نجح متظاهرون فلسطينيون بإحاطتها بشبكة، وذلك خلال مظاهرات بالقرب من السياج الحدودي، سبتمبر 2018. (عدسة: سعيد الخطيب/ وكالة الصحافة الفرنسية).

إلى جانب الأنواع السابقة، استُخدِمَت في عملية اغتيال الشهيد بهاء أبو العطا عام 2019، وخلال معركة "سيف القدس" والأيام التي تلتها، مُسيّرة كواد كبتر الانتحاريّة، التي تُنتِج شركة الصناعات الجويّة الإسرائيليّة 5 أنواع منها. بالإضافة إلى ما سبق، ومنذ عام 2017 استخدمت طائرات صغيرة للتصوير في المواجهات التي تندلع مع جيش الاحتلال، وأخرى قاذفة لقنابل الغاز. أما آخر الإنتاجات الإسرائيلية للطائرات غير المأهولة، فقد كان مروحيةً قادرةً على اطلاق الرصاص من خلال رشاش مثبّت بها.

اقرؤوا المزيد: "كواد كابتر.. الجاسوس القاتل"

ولم يقتصر إنتاج المُسيرّات في "إسرائيل" على تلك العسكريّة، بل توّسع ليشمل حالياً المستخدمة في الأعمال التجاريّة والطبيّة والزراعيّة والبناء، وهناك 9 شركات ناشئة startups إسرائيليّة عاملة في هذا القطاع وتورد منتجاتها لعدة دول في العالم. 

كيف تُسوّق لإنتاجك؟ جرّبه على الفلسطينيّين

تُشير التقديرات في عام 2017 إلى أنّ دولة الاحتلال استحوذت خلال العقود الثلاثة الماضية على حوالي 60% من سوق الطائرات المُسيّرة في العالم، وأنّها تبيع مُسيّراتها لحوالي 50 دولةً في العالم، كما أنّها تبقى باستمرار ضمن أوّل ثلاث دولٍ مُنتجةٍ ومسوّقةٍ للُمسيّرات إلى جانب الصين والولايات المتحدة. 

وقد أشارت دراسة تعود لعام 2013 إلى أنّ دولة الاحتلال تُعدُّ أكبر مُصدّرٍ للمُسيرّات في العالم وتمتلك سوقاً واسعاً لها، فمن ضمن زبائنها بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا والصين والبرازيل والمكسيك وتركيا (الوحيدة من منطقة الشرق الأوسط، وتصنع نموذجها الخاصّ الآن) والهند وأوغندا.4نشرت صورٌ من الحرب في أوكرانيا تظهر بقايا طائرة مُسيرّة تحمل بطاقةً ظهر عليها اسم شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية من نوع The Forpost، وهي طائرات تنتجها روسيا بعد حصولها على تصريح من "إسرائيل" بذلك، وهي نسخة من الطائرة الإسرائيلية IAI Searcher.

مُسيرة عسكريّة إسرائيليّة تحمل قنابل الغاز لإلقائها على المتظاهرين خلال مسيرات العودة على السياج الحدودي شرق قطاع غزّة، فبراير 2018. (عدسة: جاك جوز/ وكالة الصحافة الفرنسية)

تمرّ القدرة الإسرائيليّة على الترويج لمنتجاتها من خلال دماء الفلسطينيّين والعرب الذين تُختَبر المُسيّرات عليهم. عبّر عن ذلك مؤسس إحدى شركات إنتاج المُسيّرات، فقد قال في توضيحه لسبب التفوق الإسرائيليّ في هذا المجال، إنّ الشركات الأميركيّة عندما تُنتج طائراتها تحتاج عدّة سنوات حتى تختبرها في أرض المعركة، أمّا الشركات الإسرائيليّة، فإنّ العاملين فيها هم جنود وضباط سابقون في الجيش، كما أنّ المهندسين العاملين على تطوير الأنظمة هم جنودٌ في الخدمة الاحتياطيّة، بالتالي فهم يختبرون المُسيّرات في الحروب وفي التدريبات، ثمّ يعودون إلى مكاتبهم بملاحظاتٍ وتعليقاتٍ حول اختبار السلاح.

تظهر هذه العلاقة بين الحرب والصناعة العسكريّة بوضوحٍ من خلال مثال قريب، فبعد معركة "سيف القدس" عام 2021 أعلنت "إسرائيل" عن صفقة بيع طائراتٍ مُسيّرة إلى دول أسيويّة دون أن تُحدّدها بقيمة 200 مليون دولار. وكانت الطائرة المباعة من إنتاج شركة صناعات الفضاء الإسرائيليّة من نوع Heron MK II، وهي طائرة استطلاع كانت من بين أكثر الطائرات استخداماً خلال معركة "سيف القدس"، وتُستخدم اليوم في حوالي 20 دولة حول العالم. هذه الصفقة التي أُبرِمَت في يونيو/حزيران 2021، كانت الصفقة الرابعة خلال العام. كما أنّ الصفقات الإسرائيليّة لم تتوقف عند بيع المُسيرّات، بل شملت أيضاً المضادّات الأرضيّة للمُسيرّات.

"إسرائيل" ليست وحدها في سماء المُسيّرات..

لم تَعُد الطائرات المُسيّرة حكراً على دولة الاحتلال، أو الدول في المجمل، فقد تمكّنت المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة من إنتاج طائراتها، بالإضافة إلى "حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن، ومنها الطائرات الاستخباريّة ومنها الهجوميّة. ويذكر أنّ القوات الجويّة الإسرائيليّة قد صنَّفت المُسيّرات كواحدةٍ من ضمن أكبر 5 تهديدات

وفيما يتصاعد القلق الإسرائيليّ من المُسيّرات، فقد أعلن الجيش الأميركي في 15 فبراير/ شباط 2022 إسقاط طائرتين مُسيّرتين في العراق يُعتقد أنها كانت موجّهة لتنفيذ ضربات في "إسرائيل". وبعدها بيومين، أسقط جيش الاحتلال مُسيرّةً انطلقت من قطاع غزّة، كانت المُسيّرة الثالثة على الأقلّ خلال 6 أشهر. وفي الأسبوع ذاته، أُرسلت  مُسيّرة تتبع لـ"حزب الله" إلى شمال فلسطين المحتلة دون أن يتمكّن الاحتلال من اسقاطها، فقد عادت إلى لبنان بعد مهمة استمرت 40 دقيقة. 

وفي العام الماضي، أعلن جيش الاحتلال عن تمكّنه من إسقاط طائراتٍ مُسيّرة في مارس/ آذار 2021 ، قال إنّها أُرسلت من إيران إلى قطاع غزّة، واستخدمَ في عملية إسقاطها طائراتِ أف-35 في أول عملية اعتراض تنفّذها هذه الطائرات للمُسيّرات، وهو الأمر الذي قد يشير لضعف المضادّت الأراضيّة أمام المُسيّرات. 

أحد مقاتلي كتائب القسّام بجانب مُسيرة فلسطينية خلال عرض عسكريّ في شوارع مدينة خانيونس،27 مايو/ ايار 2021. (عدسة: يوسف مسعود/ SOPA Images)

ويبدو أنّ تلك المُسيّرات التي أُسقطت في إحدى دول الطوق وبمساعدتها بحسب الإعلام الإسرائيلي، كانت تختبر إمكانيةَ فتح طريقٍ لنقل التقنيات إلى القطاع، خاصةً أنّ الصور التي نُشرت أظهرت أنّ المسيرّات تحمل على متنها أسلحة خفيفة، لا تحتاجها المقاومة في غزّة، وهو ما قد يدلّ على أنّ الهدف الحقيقي هو نقل تقنية المُسيّرة نفسها لا الأسلحة التي حملتها. فيما كُشِفَ أنَّ هذه المحاولة لم تكن الأولى ففي عام 2018 أُرسلت من إيران مُسيرّةٌ محملة بالمتفجرات إلى الضفة الغربيّة، لكن جيش الاحتلال تمكن من اعتراضها. 

اقرؤوا المزيد: "رُسل غزّة.. في سماء الأرض المحتلة".

وخلال معركة "سيف القدس"، تمكّن الاحتلال من إسقاط 4 طائرات مٌسيّرة، إحداها مُسيرةً إيرانيّةً من نوع "شاهد 197" وسقطت في مستوطنة معوز حاييم، شرق بيسان. رغم ذلك، تمكّنت "كتائب القسّام" خلال ذات المعركة من استخدام مُسيّرات جديدة، من نوع "شهاب الانتحاريّة" التي استهدفت فيها مصانع ونقاط تخزين وقود بالقرب من حدود قطاع غزّة وحشداً لجنود جيش الاحتلال، بالإضافة إلى منصات الغاز قرب عسقلان. 

كما استخدمت المقاومة خلال "سيف القدس" طائرةَ الزواوي التي نفّذت مهاماً استطلاعيّة، والتي سُمّيت على اسم الشهيد المهندس التونسي محمد الزواوي، الذي عمل على تطوير مشروع الطائرات المُسيّرة في "كتائب القسّام" منذ 2006. نتج عن مشروع الزواري طائرات أبابيل الاستطلاعيّة والهجوميّة والانتحاريّة، وكان واحدة من نشاطاتها بثُّ لقطاتٍ من مهامها الاستطلاعيّة في سماء تل أبيب. كما أنّ المقاومة في غزّة سبق أن تمكّنت من إسقاط طائرات مُسيّرة إسرائيليّة، إما من خلال تقنيات تكنولوجيّة، أو من خلال إطلاق النّار عليها.

عودة متجددة إلى الواجهة

 يرتبط جزءٌ من عودة ملف المُسيّرات إلى الواجهة بالقصف الإيرانيّ على مدينة أربيل عاصمة إقليم كوردستان في فبراير/ شباط الماضي.5وهو قصف أعقبه هجوم سيبراني على العديد من المواقع الإلكترونية الإسرائيلية، اعتبر من أكبر الهجمات السيبرانية. جاء هذا القصف ردّاً على قصفٍ إسرائيليٍّ استهدف قاعدةً للطائرات المُسيرّة غرب إيران (كرمنشاه)، وأدّى إلى تدمير المئات منها، وقد نُفّذ القصف بواسطة ست طائراتٍ مُسيّرة إسرائيليّة.6عاموس هرئيل، "الهجوم على أربيل يكشف جزءاً قليلاً من حرب المُسيّرات المستمرة بين إيران وإسرائيل"، نشرة مختارات من الصحف العبرية، العدد 3760، 14-3-2022، ص 7- 10.

وفي ضوء هذه التطورات، لا يستبعد الخبراءُ العسكريّون الإسرائيليّون إمكانية تعرّض "إسرائيل" لهجومٍ كبيرٍ ومُنسّق بالمُسيّرات.7تسبيكا حييموفيتش، "إيران ستواصل تحدي البُعد الجوي: وعلى إسرائيل الاستعداد لذلك"، نشرة مختارات من الصحف العبرية، العدد 3758، 10-3- 2022، ص11-  13. كما أنّ تقرير "مراقب الدولة" الإسرائيليّ أشار إلى إشكاليات في حماية المنشآت الاستراتيجيّة والمواقع التي تحتوي على مواد خطرة والقريبة من المناطق السكنيّة، خاصّةً من خطر الاستهداف بالمُسيّرات. 

وفي مارس/ آذار الماضي، زار "إسرائيل" قائدُ القيادة المركزيّة للولايات المتحدة الأميركيّة (CENTCOM) الجنرال كينث ماكنزي، وكان من بين أهدافه البحثُ عن حلول ناجعة لوقف ضربات المُسيّرات في "إسرائيل" والسعودية والإمارات، في الوقت الذي تنشط فيه الولايات المتحدة و"إسرائيل" لتطوير تقنيات تستطيع كشف وملاحقة المُسيّرات.8يوني بن مناحيم، "إسرائيل هي هدف مسيّرات إيران وحزب الله وحماس"، نشرة مختارات من الصحف العبرية، العدد 3756، 8-3-2022، ص7- 9. وهذا جزءٌ مما نُوقش في "قمة النقب"، وحمل عنوان تعزيز التعاون في المجال الجويّ. كما وافقت قيادة جيش الاحتلال في الشهر ذاته على خطّةٍ دفاعيّةٍ جويّة جديدة في المنطقة الشماليّة تُراعي تزايد استخدام المُسيّرات.

حرب ألعاب الفيديو؟

حرب المُسيّرات الآن، هي شيء أقرب إلى ألعاب الفيديو؛ جنديٌّ عند مكان الانطلاق، أو في غرفةٍ مكيّفة ومغلقة على بعد مئات أو آلاف الأميال عن الهدف، يجلس مع جهاز تحكم، ويتابع من خلال شاشة الهدفَ المرصود، ويتخذ قراراً بناءً على هدف المهمة: إما الاستمرار في جمع المعلومات، أو استهداف الشخص المطلوب. لا يجد الجنديُ نفسَه أمام "عدوٍّ"، بل يجلس أمام آلة قتل، تُـنَـفِّـذ المهمة المناطة بالجنود تاريخيّاً. 

هذا التحوّل العالميّ في الحرب، ولو على محدوديته حتى الآن في "إسرائيل"، إلّا أنّه يُضاف إلى توجهٍ نحو إدماجٍ أكبر للمركبات غير المأهولة (طائرات، وغواصات… الخ) في الجيش. ينطوي ذلك على مفارقةٍ في كيان يُعتبر فيه "جيشُ الشعب" صفةً مُميّزة، وفي كيانٍ يتمسك بالخدمة الإجباريّة حتى الآن، فيما يأخذُ الاعتماد على الآلة وعلى الحرب عن بُعد، منحناً تصاعديّاً، يُحيل الجنود إلى مراقبي شاشات ويُبعدهم عن ساحة الحرب الحقيقيّة.

يحصل هذا التحوّل بالتزامن مع سعيٍ إسرائيليّ محمومٍ لامتلاك أكبر قدرٍ مُمكنٍ من المعلومات. وهذا ما يزيد اعتماد الجيش على المُسيّرات، كونها سلاح التجسُّس الأهم، خاصّةً في قطاع غزّة وجنوب لبنان، وباعتبار أنّ جمعَ المعلومات عاملٌ حاسمٌ في الحرب. وهذا جزءٌ من الاستنتاجات التي استمدها رئيس أركان جيش الاحتلال، أفيف كوخافي، من قتاله في الضفّة الغربيّة عام 2002.

من ناحيةٍ أخرى يأتي التركيز على الطائرات المُسيّرة مع إشاراتٍ متكررة حول الحالة السيئة لقوات الاحتياط في جيش الاحتلال، وعدم استعدادها للحرب، بالإضافة إلى التقييم القائل بأنّ الاعتماد الكبير على القوة الجويّة لم يُوفِّر حلولاً ناجعة في الحروب الأخيرة.