في الوقت الذي تسابقت فيه السلطة الفلسطينية والفصائل (منهم حماس، والجهاد) لتقديم التعازي لـ"القيادة السورية" بعد الزلزال الذي ضرب المنطقة يوم الاثنين الماضي (6 شباط 2023)، ووجدت بعضها في الكارثة فرصةً للتملق للنظام، كانت هناك أكثر من 1700 عائلة فلسطينية مُهجّرة ومنكوبة في شمال غرب سوريا، لم تلتفت إليها أي جهة فلسطينية. أرسلت السلطة والفصائل تلك الرسائل للنظام الذي قتل عشرات آلاف السوريين و"قتل من الفلسطينيين أكثر مما قتلت "إسرائيل""، حسب تعبير الحكيم جورج حبش، وهجّرهم من مخيماتهم، وأبرزها مخيّم اليرموك، الذي وصلت نسبة الدمار فيه إلى أكثر من 80%، حسب تصريح لمفوض عام وكالة الأونروا فيليب لازريني عام 2018، ولا تزال الأجهزة الأمنية التابعة للنظام حتى يومنا هذا تضع المعوقات أمام عودة سكانه.
تلك الفئة من اللاجئين الفلسطينيّين منسيون منذ سنوات ومتروكون لمصيرهم، وقد هُجّروا إلى منطقةٍ لا يكاد يتوقف النظام وروسيا عن قصفها واستهدافها، وهي تعاني شحّاً في الخدمات والاحتياجات الأساسية وغياباً شبه تام للمساعدات الإنسانية، بسبب طول سنوات النزاع، وتراجع الاهتمام الدولي بـ"الأزمة السورية". نزح هؤلاء اللاجئون من مخيّمات اليرموك وخان الشيح وسبينة وحندرات ومناطق ريف دمشق ومخيمات درعا، ويتوّزعون اليوم على مخيّمات دير بلوط وأطمة وبعض بلدات إدلب وريف حلب الغربي، كسلقين وجنديرس والدانا وغيرها. وقد وجدت هذه العائلات نفسها اليوم في حالة نزوح جديدة نتيجة الزلزال.
وبالرغم من جهود الإنقاذ والإغاثة التي بادرت إليها طواقم الدفاع المدني التابع للسلطة والهلال الأحمر الفلسطيني، وكذلك طواقم عمل وكالة الأونروا في مخيمات النيرب وحندرات ومخيم الرمل الفلسطيني في مدينة اللاذقية (مناطق النظام)1تعاني هذه المخيمات ظروفاً إنسانيةً متردية نتيجةَ الانهيار الاقتصادي الحاصل في مناطق النظام، حيث يتفشى الفقر والبطالة وفقدان مصادر الدخل وشح الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء ومواد التدفئة والرعاية الصحية.، إلا أنّها ليست بالحجم المطلوب. كما أنّ الفلسطينيين في سوريا يشعرون بالامتعاض من أداء السلطة ومنظمة التحرير وبقية الفصائل ووكالة الأونروا، بسبب تقاعسها عن تلبية مناشدات تلك العائلات الفلسطينية المهجرة إلى الشمال السوري، وتعامل هذه الأطراف باستنسابية (وفق تقديرات غير موضوعية) مع ضحايا الزلزال المدمر تبعاً لمناطق السكن.
وتعتبر هذه المناطق التي تأوي اللاجئين الفلسطينيين من أكثر المناطق تضرّراً من الزلزال لقربها من الحدود مع تركيا، وخاصّة أنّ سكانها يعانون ما يشبه الحصار، وأنهم تعرضوا للخذلان والإهمال من قبل جميع الأطراف، وذلك باعتراف "مارتن غريفيث" وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الذي أكد في تغريدة له على تويتر قائلاً: "لقد خذلنا حتى الآن السكان في شمال غرب سوريا".
من المفيد هنا التذكير بأنّ النظام السوريّ لا يسمح لـ"منظمة الهلال الأحمر السوري" التابعة له بتقديم الدعم الإغاثي لمناطق الشمال السوري، ولا يسمح كذلك لمنظمات الطوارئ والإغاثة العاملة في الشمال السوري بالعمل في المناطق الخاضعة لسيطرته، ويلاحق كل من ينشط في المجال الإغاثي والإنساني في مناطق المعارضة منذ عام 2011 حتى يومنا هذا.
ورغم أنّ اللاجئين الفلسطينيين المقيمين والمهجّرين في الشمال السوري يقعون ضمن مناطق عمليات وكالة الأونروا الخمس، إلا أنّها تخلّت عنهم تماماً خلال السنوات العشر الماضية وتجاهلت العديد من المناشدات التي تطالبها بتحمل مسؤولياتها تجاههم، ومعاملتهم كغيرهم من اللاجئين الفلسطينيين في مناطق سيطرة النظام. وتعيد كارثة الزلزال هذه القضية إلى الواجهة، وتدفعنا للسؤال عن سبب تجاهل وكالة الأونروا لهذه العائلات وتخليها عنهم في مخالفةٍ صارخة للمهمة التي أنشئت من أجلها وفق القرار الأممي رقم "302" لعام 1949.
أما من حيث عدد الضحايا فقد وثّقت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" وهي مؤسسة حقوقية وإعلامية تنشط في مجال توثيق الانتهاكات، وثقّت وفاة 59 لاجئاً فلسطينياً من مخيمات سوريا جراء كارثة الزلزال، بينهم 20 فلسطينياً توفوا في الشمال السوري بمنطقتي جنديرس وسلقين، وثلاثة أطفال في مخيم النيرب في حلب، وأربعة في مخيم الرمل في اللاذقية، وعائلة فلسطينية مكونة من 7 أفراد في مدينة جبلة، كما قضى لاجئ فلسطيني واحد في مخيم العائدين في حمص. وفي تركيا وثقت المجموعة وفاة 22 فلسطينياً من سورية، 15 في مدينة أنطاكيا، و4 آخرين في مدينة كهرمان مرعش، وطفل في غازي عنتاب، وشخص في مدينة ايدمان، كما توفي لاجئ فلسطيني من دمشق في مدينة هاتاي.
يُذكر أن ضحايا الزلزال الذي تركز في مدينة كهرمان مرعش التركية وصلوا حتى كتابة هذه السطور إلى أكثر من 35 ألفاً في تركيا، وأكثر من 5800 في سوريا، منهم حوالي 2200 في مناطق الشمال الغربي، وهي حصيلة مرشحة للارتفاع بشكل كبير بسبب وجود مئات المفقودين تحت الأنقاض.