في العام 2013 شهدت فلسطين احتجاجات عارمة ضدّ مخطط "برافر". وأدّت هذه الاحتجاجات، التي اعتُقل وجُرح فيها العشرات، إلى إلغاء مشروع القانون الذي هدّدَ بتدمير أكثر من 40 قرية في النقب لا تعترف بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وبتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين البدو، ومصادرة أكثر من 800 ألف دونم من أراضيهم. عمليّاً، أفشلت الاحتجاجات مخططاً ضخماً لتصفية أراضي النقب، من خلال تقنين نهائيّ لنهب الأراضي ووضع خطّة شاملة لتهجير الناس وحسم قضيّة القرى غير المعترف بها.
رغم إسقاط مشروع القانون، إلا أنّ السعي الاستعماريّ الإسرائيليّ لا زال على نهجه. بعد 7 سنوات على إسقاط "برافر"، نرى جرائم "إسرائيل" بحقّ أهل النقب مستمرّةً من خلال مخططات متعدّدة ومختلفة. عمليّاً، جزّأت "إسرائيل" المخطط الشامل إلى مخطّطات صغيرة مختلفة، لها مبرّرات وآليّات قانونيّة أكثر دقةً، وتستهدف دوائر جغرافيّة أصغر، لكنّها معاً وبالصورة الشاملة، تقوم فعليّاً بذات وظيفة مخطط "برافر".
يفصّل هذا المقال 5 من المشاريع الإسرائيليّة المختلفة التي تستهدف أراضي النقب وتعمل على تهجير أهله وهدم قُراه ومصادرة أراضيه. وهذه المخطّطات هي: مخطط "رامات بيكاع"، ومخطط "مناجم الفوسفات"، ومشروع "توسيع شارع 6"، ومشروع "سكة حديد عراد"، ومشروع "سكّة حديد ديمونا".
"رامات بيكاع"... معسكرات ومصانع أسلحة على خرائب القرى
صادقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مخطط "رامات بيكاع" عام 2019 وسيبدأ تنفيذه عام 2023. بموجب هذا المُخطط، ستُنقل مصانع عسكريّة وصناعيّة إسرائيليّة ومصانع كيماويّات خطيرة، بعضها من منطقة "رمات هشارون"- وهي منطقة ساحليّة تقع بين نهر الحوّاطات من الشمال ونهر العوجا من الجنوب- إلى أراضي النقب، وتحديداً إلى أراضي قرى الصواوين، ووادي النعم، وأبو تلول، ووادي المشاش، وأم امتنان، وقصر السر، وغيرها.
بحسب الصحافة الإسرائيليّة، أدّت المصانع في المناطق الساحليّة إلى درجات تلوّث مرتفعة، وقد أُغلقت 40% من منشآت استخراج مياه الشرب من هذه المنطقة خلال أقلّ من عقدين بسبب التلوّث. كما ظهر أنّ بعض هذه المناطق الساحليّة ستتحوّل إلى مشاريع إسكانيّة لتلبية احتياجات الإسرائيليين في المنطقة وحلّ أزمة العقارات وغلائها. عمليّاً، ستُنقل هذه المصانع، بإسقاطاتها البيئيّة الخطيرة لِـتُـلوّث منطقة النقب.
لكنّ الأمر لا يتوقّف عند التلويث البيئيّ. يُهدِّد المخطّط بهدم 730 مبنىً في قرية أم امتنان، و248 مبنىً في وادي المشاش، و152 مبنىً في وادي النعم، و55 مبنىً في الصواوين، و28 مبنىً في أبو تلول، وهو تأثير يطال أكثر من 550 عائلة فلسطينيّة.وفي حال بقاء الأهالي في قراهم سيؤدّي ذلك إلى تعريضهم لأخطارٍ مباشرةٍ ناجمةٍ عن المصانع الكيماويّة التي ستُقام هناك.
وتبلغ المساحة التي ستُبنى فوقها المصانع نحو 113 ألف دونم، ستُستَغل 40% منها للغرض تجربة السلاح، مما يُعرض أهالي المنطقة لمزيد من الأخطار. كما أنّه يُمنع البناء في محيط هذه المنطقة الصناعيّة على مساحة تبلغ أكثر من 60 ألف دونم (جزء من المساحة الأصلية) وهي في غالبها مسكونة من مئات العائلات البدويّة منذ مئات السنوات. وكعادتها، صادقت سلطات الاحتلال على المخطط دون أي اعتبار لملكية الأراضي والتواجد فيها طوال السنوات الفائتة.
مناجم تحت القرى
في رقعة أخرى في النقب، تحديداً غربيّ "عراد" الإسرائيليّة، كَشَفَت سلطات الاحتلال عن وفرة مادة الفوسفات، والتي تستخدم بشكلٍ أساسيّ في تصنيع الأسلحة، ومن أبرزها الفوسفور الأبيض، وأيضاً لأغراض زراعيّة كتصنيع الأسمدة. في مارس/آذار 2018 صادقت الحكومة الإسرائيليّة على مخطط لبناء منجم في تلك المنطقة، مصادرةً بذلك ما يقارب 26 ألف دونم.
يقع هذا الحقل المنجميّ المسمّى "سدي برير" بمحاذاة كلّ من قرى الفرعة (معترف بها)، والزعرورة، وعزة، والقطّامات (غير معترف بها)، متجاهلاً وجود 15 ألف بدويّ تُهدد حياتهم ومساكنهم. في قرية الفرعة الواقعة على حدود مساحة المخطط مثلاً، سيتهدد 317 مبنى منها مدرستين ابتدائيتين يتواجد في كلّ منها نحو ألفي طالب، إلى جانب روضات الأطفال التي تقع تماماً على حدود أرض المنجم.
وأما الزعرورة، فهي قرية زراعيّة غير معترف بها، سيُهدم منها 223 مبنى يقع على الأرض التي سيُنبى فوقها المنجم نفسه، و247 مبنىً إضافيّاً موجوداً على الأراضي المحيطة بالمنجم. بينما يُهدِّد المخطط ما يقارب 521 بيتاً في قرية عزة بشكلٍ مباشرٍ، ويقع 219 مبنى إضافيّاً في الأراضي المحيطة بالمشروع. وفي قرية القطامات، يقع ما يقارب 465 مبنىً ضمن دائرة خطر الهدم، منها 155 مبنى في الأراضي المحيطة بالمشروع.
غير هدم مئات البيوت وتهجير أهلها، فإنّ خطراً جسيماً يتهدّد من سيبقى في القرى المحيطة بالمنطقة. إذ أكّدت جهات صحيّة عديدة أن المواد المنبعثة من عمليّة استخراج الفوسفات يُمكنها أن تؤدّي لصعوبة في التنفّس ولأمراضِ قلب جديّة. وعلى الرغم من معارضة وزارة الصحة الإسرائيلية على المخطط فقد صودق عليه رسمياً سنة 2018.
شارع 6... الأفعى تمتد جنوباً
لطالما كان "شارع 6"، المعروف أيضاً باسم "شارع عابر إسرائيل"، من أضخم مشاريع سرقة الأراضي الفلسطينيّة خلال العقود الأخيرة، ومحاصرة القرى والمدن الفلسطينيّة ومنع امتدادها، لا سيما في منطقة المثلّث. هذه السنوات، تنوي سلطات "إسرائيل" توسيع المخطّط ومدّ الشارع ليربط شمال الأرض المحتلّة بجنوبها، ذلك كلّه، طبعاً، على حساب أراضي بدو النقب.
يُهدِّد المخطط بمصادرة أراضي في قرى أم بطين، وبير الحمام، وخشم زنة، والصواوين، ووادي مشاش، فيما يلاحق شبح التهجير أكثر من ثلاثة آلاف فلسطينيّ يعيشون في هذه المنطقة. فمثلاً في قرية أم بطين المعترف بها سيُصادر 7400 دونمٍ من أراضيها، وهو ما يعادل ثلث مساحة المخطط الكلي للشارع، والذي يبلغ 22،200 دونم.
بينما يهدد مخطط شارع 6 حوالي 100 بيت في قرية بير الحمام بحسب تقديرات إحدى الجمعيات الإسرائيليّة الحقوقية. علاوةً على ذلك تقول وزارة الزراعة الإسرائيلية إنّه "سوف يتم استغلال هذا المخطط لإعادة آلاف الدونمات إلى الدولة، وعليه سيتم ترحيل نحو 900 عائلة أخرى".
سكك الحديد: مخططان لقطع الصحراء
يستهدف أراضي النقب والقرى الفلسطينيّة التي لا تعترف بها "إسرائيل" مُخططان آخران هما مخطط سكّة حديد "يروحام-ديمونا" ومخطط سكّة "عراد". يخدم المخطط الأوّل ربط مستوطنة "يروحام" الإسرائيلية والمستوطنات في محيطها بشبكة سكك الحديد بهدف "تقصير المسافات وربط المركز بالجنوب"، و"تخفيف عناء السفر على الجنود".
تبلغ مساحة مخطط "يروحام- ديمونا" 3600 دونم، وتمتد السكة بمحاذاة شارع 204 الذي يبلغ طوله 12.5 كيلومتراً. ويُهدد المخطط بشكل أساسي قرية الرخمة، إذ تقطعُ سكةُ الحديد القرية، وتشكّل حاجزاً بين عائلاتها وبيوتها مُهدّدة وجودها كقرية واحدة. كما يُهدد المخطط حوالي 200 بيت من قرية الرخمة بالهدم، بالإضافة إلى تقييدات البناء التي تفرضها "إسرائيل" على هذه القرية. يعيش في هذه القرية 1400 نسمة.
وأما مخطط سكّة حديد "عراد"، فتبلغ مساحته نحو 4700 دونم، ويُهدّد أكثر من 50 ألف فلسطينيّ يقيمون في المنطقة، ويُهدّد أراضي كلّ من كسيفة وعرعرة النقب؛ يُحاصرها ويمنع توسيع خوارطها الهيكلية مستقبلاً. فيما يحاصر المخطط قرى أخرى مثل الفرعة والزعرورة وعزة والمزرعة وقطامات والبحيرة. كما في حال بناء سكة الحديد -"عراد"، سيُغلق نحو 16 مدخلاً غير مُعبّد للقرى والبلدات المذكورة، منها الطريق الرئيس المؤدي إلى مدارس قرية الفرعة المٌهددة أصلاً جراء مخطط منجم الفوسفات. وسيهدد خطعراد بهدم 80 بيت يقع في دائرة المخطط و110 بيت على حدوده و450 بيت بمحيطه.
مُجدداً، يبدو من هذا الاطلاع السريع على المخططات الإسرائيليّة في النقب أنّ أهدافها مرتبطة بشكلٍ مباشر بالرؤيا الأمنيّة لـ"إسرائيل" في المنطقة، إذ تصبُّ معظم المشاريع في مصلحة تعزيز الحضور الأمنيّ الإسرائيليّ في النقب. كما أنّها تهدف كذلك إلى تعزيز المنشآت العسكريّة والصناعيّة الإسرائيليّة وربطها بشبكة طرق ومواصلات متطوّرة. ينتج عن ذلك تشبيكٌ للمخططات مع بعضها البعض، وفك للروابط التاريخيّة الفلسطينيّة الممتدة من الضّفة وصولاً إلى النقب، فيما تتعزز سيطرة "إسرائيل" على الأراضي، فيما يُهجّر الأهالي ويسلبوا قراهم التي عاشوا فيها عقوداً متتالية.
* تنشر هذه المادّة ضمن برنامج الزمالة لتدريب الكتاب والصحافيين، والذي بدأته متراس منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019.