22 يونيو 2024

عن زاهر الحداد والاستغناء بالله عمّا سواه

عن زاهر الحداد والاستغناء بالله عمّا سواه

هذا ما سقط من رفات الشهيد زاهر الحداد لحظة انتشال جثمانه الطاهرة، 30 شيكلاً! أي ما يساوي 8 دولارات، ثلاثون شيكلاً فقط، وهو على رأس عمله في بلدية غزة ل 259  يوماً دون أي يوم إجازة واحد، دون راتب، في مخاطرة عالية، لم يتأفف يوماً، لم يعتذر يوماً، وقد كان يملك ألف عذر، على الأغلب لن تذكره الصحف ولن يتحدث عنه الإعلام ولن تخلده كتب التاريخ، لكن هذا بالضبط ما كان يحياه زاهر، الاستغناء بالله عمّا سواه.

عشتُ مع زاهر في هذه الحرب في غرفةٍ واحدةٍ ما يزيد عن 60 يوماً، هربنا معاً وأكلنا معاً ونمنا تحت القصف معاً. خلال عملنا في لجنة طوارئ بلدية غزة، احتجنا شاباً لتعبئة المياه للمواطنين؟ زاهر هنا، احتجنا شاباً لمتابعة فريقٍ ما؟ زاهر هنا، أردنا شاباً يُشرف على حراسة الوقود، زاهر هنا، نعود آخر النهار منهكين، من يُعدُّ الطعام؟ زاهر ورفاقه، من يُرتب المكان؟ زاهر ورفاقه، من يواسي الشباب ويساعد الرفاق في حفر قبور أقربائهم؟ زاهر ورفاقه، من يدفن أخاه الشهيد ويعود إلى عمله مباشرة؟ زاهر بكل تأكيد.

الشهيد زاهر الحداد.

كنتُ أسألُ نفسي، ما هذا الاستغناء، استغناء المتوكل المطمئن المعتمد على الله، استغناء تام عن كل شيء إلا من اتكاله على الله. لكن الجواب دائماً يفسّره سلوك الشهداء، يختصهم الله بخصالٍ لا تتوافر إلا بهم، ولذا ينميهم ثمّ يصطفيهم إليه، بسطاء لينون يشتاقهم الله ويشتاقونه.

زاهر الذي له 4 فتيات جميلات، جنى 12 عاماً، حلا 10 أعوام، شام 7 أعوام، ونسرين 5 أعوام. أخبرنا أحد الزملاء أن بناته غضبوا منه لأنه ذهب إلى العمل في أول أيام عيد الأضحى وأنه وعدهم بالعودة باكراً لكنه عاد بعد صلاة العصر بعدما أتمّ مهامه في تشغيل آبار المياه. من للفتيات الجميلات؟ من يعود لهن متأخراً فيبتسمن وينسين غضبهن من تأخّره؟ من يُصبّرنا إذا مِلنا يا زاهر؟ رحم الله زاهراً، وألهمنا ثباته واستغناءه ورضاه وقبوله والشهادة مثله.

مدينة غزة، كراج البلدية

21 يونيو حزيران 2024