عام 1992، طُرِح لأوّل مرّة النقاشُ داخل الحركة الإسلاميّة في الأراضي المُحتلة عام 1948 حول المشاركة في الانتخابات الإسرائيليّة البرلمانيّة. في حينه، حُسِمَ النقاش في ألا ضرورة سياسيّة تقتضي وجود نواب فلسطينيين في البرلمان الإسرائيلي؛ الـ"كنيست". لكن بعد فترةٍ وجيزةٍ، عاد النقاش مرة أخرى، ولكن بحدية أكبر، ليدقّ المسامير الأخيرة في نعش الحركة الموحّدة، وهو نقاش أثاره الموقفُ المتباين من اتفاقية أوسلو.
عندئذٍ، انتقل الخلافُ بين مؤسسي الحركة بعد أن كان محصوراً في الغُرَف المغلقة ليصبح علنياً؛ من ناحية، دَعَم الشّيخ عبدالله نمر درويش، أحد أبرز مؤسسي الحركة، العمليةَ السياسيّةَ السّلمية التي قادتها منظمة التحرير الفلسطينيّة، بينما رفضها الشّيخ رائد صلاح الذي اتسقّ موقفُه حينها مع موقف حركة "حماس".
حسب الشيخ صلاح، وكما ورد في كتاب "حوارات في تاريخ الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة"، ظهر خلال الاجتماعات التأسيسيّة، خطّان أساسيان: يرى الخطّ الأول في الحركة التي ينتمي إليها ويسعى إلى تطويرها حركةً محليّةً تَخدِمُ الفلسطينيين في أراضي الـ48 بما تسمح به حدود القانون الإسرائيليّ، ويجب بالتالي أن تنخرط في أدواته، بينما أكدَّ الخطّ الثاني لفظاً وممارسةً أنّ حركتَهم جزءٌ من الحركة الإسلاميّة العالميّة، وأن الخصوصية المحليّة في الداخل لا تفرض انخراطاً في أدواتها.
بعد أوسلو، كان الانشقاق مسألة وقت. فورَ فتح النقاش حول المشاركة في الـ"كنيست" مُجدداً عام 1995، والتصويت على المقترح خلال المؤتمر العامّ للحركة الإسلاميّة في كفر قاسم، حاز المقترح على غالبية الأصوات. هكذا وقع الانشقاق -الحدث الأهم في تاريخ الحركة.
مع الانشقاق الفعليّ، أو "الحسم" كما يُسَمّيه الشيخ صلاح، أصبحت الحركةُ بشقّين، الأول "الحركة الجنوبيّة"، يقودها الشيخ درويش، الذي كان يرى في الـ"كنيست" أداةً واقعيّةً وإضافيّةً لخدمة المجتمع الفلسطيني في الداخل بعد أوسلو، والثاني "الحركة الشماليّة"، بقيادة صلاح، الذي يرفض أن تكون الـ"كنيست" منصةَ ممارسةٍ سياسيٍّة للفلسطينيين، ويؤمن بالعمل المدنيّ والاجتماعيّ والجماهيريّ كميدانٍ لخدمة مصالح المجتمع والمصالح الوطنيّة، بالاتساق مع النصّ الدينيّ.1سُميت الشماليّة بذلك لأن أهم رموزها كان الشيخ رائد صلاح وهو من أم الفحم، التي تقع إلى الشمال من كفر قاسم التي كان منها أبرز رموز الحركة الجنوبيّة..
في هذا المقال، نحاول الإضاءة باختصار على مشروع الحركة الإسلاميّة الشماليّة الذي حاولت بناءه -قدر الإمكان- خارج سقف وأدوات اللعبة السياسيّة الإسرائيليّة، كأنّ لسان حالها يقول: "نرفض الكنيست، وهاكم بديلنا".
الأقصى كقبّة برلمانيّة
كانت أولى القضايا السياسيّة التي ركّزت عليها الحركة الشّمالية، الاهتمام بشؤون المسجد الأقصى والأماكن المقدسة في فلسطين عامةً، وهو اهتمام تطوّر لاحقاً ليشمل مدينة القدس وهمومها. القضية الثانية تعلقت بملف مصادرة الأراضي من أصحابها في الداخل المحتل، ومحاولة التصدي لمخططات الاستيلاء عليها، ومن ثمّ الاهتمام بقطاع غزّة، الذي أصبح له مكانة واضحة في خطاب الحركة بعد حصاره من قبل جيش الاحتلال، ومن ذلك مثلاً مشاركة الشيخ صلاح في سفينة مرمرة التركيّة.
من بين هذه الاهتمامات الرئيسة، ظلّ المسجدُ الأقصى والمقدسات القضية السياسية الأساسية في عمل الحركة الإسلاميّة الشّمالية، بل تحوّلت في كثير من الأحيان إلى أداة الحشد الأكبر لجماهيرها، وسط اهتمام أقلّ بقضايا سياسيّة أخرى تؤرق الفلسطينيين.
اقرؤوا المزيد: "رائد صلاح.. شيخ الأقصى الذي لا يهدأ".
لأجل الأقصى تبنت الحركة مجموعةً من النشاطات وبرامج العمل تصاعد شكلها وهدفها وحجمها مع تراكم التجربة ومرور الزمن، ومع تزايد مخاطر التهديد الاستيطانيّ للمسجد. بدأ ذلك بحملات صيانة ورعاية وتنظيف داخل الأقصى، مروراً بتنظيم مهرجان "طفل الأقصى" في ساحاته على مدار 13 عاماً. وفي قمة هذا النشاط جاء مشروع "مصاطب العلم" الذي أُعيد إحياؤه في العقد الأخير عبر "مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات"، بهدف استعادة المكانة العلميّة للمسجد من جهة، وتثبيت الوجود الفلسطيني فيه عبر الرباط من جهة أخرى، وهو ما حظرته سلطات الاحتلال في سبتمبر/ أيلول 2015 لاعتباره "تنظيماً إرهابيّاً".
لا يُنسى في هذا الجانب الدور الأكبر الذي لعبته الحركة في خلق حشد دائم من المصلين في المسجد الأقصى في ظلّ استهدافه من المستوطنين، فكان مشروع "مسيرة البيارق". نظّمت الحركة عبر هذا المشروع ومنذ العام 1999 حافلاتٍ يوميّةٍ تنقل المصلّين مجاناً، من مدنهم وقراهم في أراضي الـ1948، إلى المسجد الأقصى. لم يُحقق هذا المشروع هدفاً دينياً متعلقاً بالصلاة في المسجد فحسب، بل ساهم في رفد الأسواق التجاريّة في البلدة القديمة للقدس بقطاعاتٍ جديدةٍ من الزبائن، مُنعشاً الحركة الاقتصادية في المدينة المعزولة بالجدار والحواجز.
لعلّ أهمّ وأضخم المشاريع التي عملت الحركة على تنظيمها سنويّاً، وكان لها أثرٌ بنقل واقع القدس والأقصى وسعي الاحتلال لتهويدها إلى كلّ بيت عربيّ وفلسطينيّ، هو مهرجان "الأقصى في خطر"، الذي نُظِّم سنويّاً منذ عام 1996 لمدة 19 عاماً، كان أبرزها ذلك المهرجان الذي سبق الانتفاضة الثانيّة بأسبوعين، وآخرها عام 2015 قبل انطلاق انتفاضة القدس بأسبوعين.
في إزاء ذلك، انتبهت الأجهزةُ الأمنيّةُ والسياسيّةُ الإسرائيليّة مبكراً نسبياً لنشاط قادة الحركة وكوادرها، ورأت بمجمل هذا النشاط -البسيط منه والمعقد- تهديداً وجوديّاً لها. لاحقاً، استخدمت تلك الأجهزة، "مهرجان الأقصى في خطر"، والخطابات التي أُلقيت فيه، تحديداً عامي 2000 و 2015، ومشروع مصاطب العلم (المرابطون والمرابطات)، كخيوطٍ أساسيّة تسند إليها ادعاءاتها في حياكة ملف حظر الحركة عام 2015.
في هذا السياق، يُذكَر أنّ "لجنة أور" التي شكّلها الاحتلال الإسرائيلي لبحث أسباب ومحرِّكَات اندلاع الانتفاضة الثانيّة وامتداد تأثيرها إلى أراضي الـ1948، قضت في تقريرها عام 2003 أنّ الحركة الإسلاميّة، وتحديداً الخطابات التي أُلقيت في مهرجان "الأقصى في خطر" الذي سبق اندلاع الانتفاضة، كانت سبباً أساسيّاً.
وفقاً لحديثٍ مع الشّيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الشّماليّة قبل حظرها، فإنّ ذات السّبب قدّمته القيادةُ السياسيّةُ الإسرائيليّةُ لقوى إقليميّة ولوزير الخارجيّة الأميركي السابق جون كيري، في اجتماعٍ عُقِد في العقبة قبل حظر الحركة بأقلّ من شهر. في هذا الاجتماع، وفق الخطيب، قال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إنّ الحركة حَشَدَت الفلسطينيين للمشاركة في هبّة القدس عبر مقولة "الأقصى في خطر".
بناء المؤسسات
كثّفت الحركةُ الشّماليّةُ نشاطها في القطاعات الحياتيّة المختلفة، محاولةً بناء مؤسسات أهليّة، تهتم بكلّ قطاع وتوّفر احتياجات النّاس فيه؛ مؤسسات اقتصادية، وتربوية، ودينية، وقانونية، وغيرها. جرى ذلك ضمن رؤيةٍ واسعة تسعى لتحقيق نموذج "المجتمع العصاميّ" الذي يقوم بجوهره على الاكتفاء الذاتيّ، وتؤمن بضرورة بناء مؤسسات تُقدّم خدمات غير مشروطة ونظيفة من أجندات دولة الاحتلال، وتُغني أهالي الـ48 عن التعامل مع المؤسسات الإسرائيليّة الرسميّة وغير الرسميّة.
هكذا، بدأت الحركة بإقامة اللجان: لجنة التربية، ولجنة نشر الدعوة، ولجنة الإشراف والتوجيه، والمكتب السياسي، ومكتب العلاقات الخارجيّة، والمجلس الإسلامي للإفتاء للداخل الفلسطيني، وغيرها. تطوّر هذا النشاط إلى بناء ما يقارب 30 مؤسسة على مستوى أراضي الـ48، متنوعة التخصصات، تبعت جميعها إداريّاً ورقابيّاً للجنة الإشراف والتوجيه.
في مجال الرعاية الصحيّة على سبيل المثال، افتتحت الحركة عام 2009 مستشفى الرحمة لطب الشيخوخة في مدينة طمرة شماليّ فلسطين، والذي صنّفته وزارة الصّحة الإسرائيليّة عام 2012 كأفضل مستشفى في مجاله. بالإضافة لبناء وتشغيل جمعية الزهراء الطبيّة في كفر كنا التي تعمل منذ 1987 في مجالات طبية مختلفة. أيضاً ساهمت الحركة في بناء مركز النور الطبيّ في أم الفحم (الذي فاقت تكلفتُه الـ 13 مليون دولار أميركي)، موظفة بذلك أموال التبرعات التي جنيت عبر مبادرة "المتر الخيريّ"، التي أطلقتها مؤسسة "لجنة الإغاثة الإنسانية للعون" التابعة للحركة، والمشمولة بالحظر عام 2015.
برز عمل الحركة كذلك في قطاع التعليم بعدة أشكال، سواء عبر تأسيس وتشغيل مدارس أهليّة وحضانات ورياض أطفال في بلدات أم الفحم وكفر كنا والمشهد ومناطق أخرى، أو عبر صناديق منح تدعم الطلاب ماديّاً وأكاديميّاً في مسار التعليم الجامعي بعيداً عن المنح الجامعية الإسرائيليّة، مثل صندوق "إقرأ". قدّم هذا الصندوق منحاً ماديّة ووفّر دورات أكاديمية مدفوعة تؤهل الطلاب لاجتياز امتحانات دخول الجامعات الإسرائيليّة، وتوفر لهم لاحقاً إطاراً طلابياً يُمكنهم ممارسة العمل الطلابيّ والسياسيّ من خلاله.
فيما يتسق مع رؤية الحركة بدورها في الإصلاح المجتمعي واعتبار الأسرة نواة هذا الإصلاح، أسست مشاريع وجمعيات نسائية تعنى بالتوعية التربوية، وإنتاج إصدارات دورية تناقش ما يهم الأسرة، كجمعية سند للأمومة والطفولة، ومجلة إشراقة التربوية المخصصة للأهالي، ومشروع حِرَاء لتحفيظ القرآن للأطفال، والذي كان الشق النسائي فيه نشيطاً جداً.
ونظراً لاعتبار الحركة نفسها جزءاً من المجتمع الفلسطينيّ الكبير ومن الأمة العربيّة والإسلاميّة، ظلَ هناك حرص على التفاعل مع القضايا الإنسانيّة في العالم العربيّ والإسلاميّ، عبر ترجمة التضامن لمشاريع إغاثة إنسانيّة.
كان أبرز من عمل على ذلك: "لجنة الإغاثة الإسلاميّة"، التي دعمت عائلات شهداء الانتفاضة الثانية، و"لجنة الإغاثة الإنسانيّة للعون" التي جمعت ونسّقت الحملات الإغاثيّة للاجئين والنازحين السوريين، عبر مؤسسات إقليمية وسيطة، وكذلك للمسلمين من ضحايا الصراعات في البوسنة والهرسك وكوسوفو. هذا بالإضافة لتشجيع وتنظيم برامج كفالة أيتام في قطاع غزّة والضّفة الغربيّة على مدار سنوات طويلة.
سؤال التمويل
بموازاة بناء المؤسسات، عملت الحركة على تأسيس رافعةٍ اقتصاديّةٍ لدعم مشاريع الحركة وتأمين مصادر دخل لموظفي المؤسسات التابعة لها وتنفيذ مشاريعها بعيداً عن التمويل الحكوميّ الإسرائيليّ. ارتكز ذلك على إحياء قيمٍ دينيّةٍ ذات مردودٍ في التكافل الاجتماعيّ، مثل الزكاة، والصّدقة الجاريّة، وفتح باب الوقف، وكفالة الأيتام والعائلات المستورة، وإحياء قيمة الميراث والوصية. هذا عدا عن مشاريع اقتصاديّة ربحيّة أسستها الحركة كانت تدرّ المال لها، إضافةً إلى تبرعات محليّة ودوليّة كانت تحصل عليها.
بموجب ذلك، شكّلت الحركة لجنة زكاة مركزيّةٍ، انبثقت منها لجان زكاة محليّة ضمّت تقريباً جميع مدن وبلدات وقرى الـ48. عملت هذه اللجنة، المسجلة كمؤسسة مستوفية للشروط القانونية الإسرائيلية، على جمع الزكاة سنويّاً من الأفراد وتحويل مردودها إلى مشاريع قائمة تسدّ حاجات اجتماعيّة أو تدعم مشاريع وطنيّة.
بنفس النموذج عملت مؤسسة الصدقة الجارية التي ضمّت أموال الوصية والميراث، ودأبت على تنظيم نشاطٍ دوريٍّ عُرِفَ بـ"العشاء الخيريّ" للمتبرعين لصندوق "الألف الخيري". هدف العشاء الخيريّ إلى اطلاع المتبرعين على نتائج وتفاصيل المشاريع التي تُستَثمر فيها أموالُهم، وإلى استقطاب أفرادٍ جُدد من ميسوري الحال للانضمام لمجتمع المتبرعين.
قامت فكرة هذا الصندوق على إقناع ألف فلسطينيّ بالتبرع سنويّاً بمبلغ ألف دولار أميركي للصندوق. بعد نجاحه، عملت الحركة على توسعة نشاط الصندوق ليعمل على مستوى دولي، بهدف تجنيد الأموال من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي لتبني المشاريع ذات التكلفة العالية.
بنفس الطريقة عملت مؤسسة الوقف التي ضمت الوقفيات كلها؛ وقفيات الأرض، ووقفيات العقارات التي بات يتقدم بها ناس من أجل استثمارها وإحيائها لتعود مرة أُخرى رافعةً اقتصاديّةً كما كانت قبل نكبة فلسطين.
الملاحقة والحظر
بدأت الملاحقة القضائية للحركة الإسلاميّة الشماليّة عقوداً قبل تطبيق الحظر فعلياً عام 2015. يمكننا الإشارة إلى أحداث محددة اعتُـبـِرَت نقاطَ تحوّل استخدمها الاحتلال في خطّة حظر الحركة، وهي الانتفاضة الثانيّة، وأسطول الحرية عام 2010، وهبّة القدس عام 2015. إلى جانب ذلك، كانت أحداث القدس والمسجد الأقصى والأنشطة ذات الصلة مصدر التوتر الدائم بين الحركة ودولة الاحتلال، إذ يبرز من خلال قضية القدس دور الحركة كجسم يعمل كحلقة وصل بين العالمين العربيّ والإسلاميّ وبين القدس والأقصى، وهو ما يقوّض خطط الاحتلال بعزل المدينة، فلسطينيّاً وعربيّاً ودوليّاً.
بعد الانتفاضة الثانية عام 2000، ارتفعت الأصوات الإسرائيليّة المناهضة للحركة الشماليّة، وقُدّمت عدة مقترحات قانون ومطالبات بحظرها، إلا أنّها قوبلت إسرائيلياً بالتجاهل أو الرفض. عام 2002 مثلاً، دعى بنيامين نتنياهو، الذي كان آنذاك عضواً في الـ"كنيست"، إلى حظر الحركة واعتقال قادتها، قائلاً إنّها "سرطانٌ يُمكن أن ينمو ويشكل خطراً وجوداً على دولة إسرائيل". لكن في فترة رئاسته للوزراء، عُقِدَت النيّة لبدء التجهيز لحظرِ الحركة. عام 2013 مثلاً، عقد نتنياهو عدة اجتماعات خصصت لمناقشة نشاط الحركة الإسلامية بحثاً عن دوافع وسياق سياسيّ مناسب لحظرها.
في مايو/ أيار 2014 كرَّرَ نتنياهو المحاولة مجدداً خلال الجلسة الأسبوعيّة للـ"كنيست" التي ناقشت في حينه تشكيل لجنة وزاريّة لشؤون العرب. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، قبل الحظر بأيام، أوعز نتنياهو لجهاز الـ"شاباك" البدء بجمع الأدلة والبراهين اللازمة لحظر الحركة، وهو ما ردّ عليه الجهاز آنذاك بالرفض قائلين إن لا دلائل مباشرة حول علاقة الحركة بانتفاضة القدس وعمليات الطعن.
برغم توصية الـ"شاباك"، وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، أصدرت سلطات الاحتلال قراراً بحظر الحركة الإسلاميّة وجميع المؤسسات التابعة لها واعتبارها خارجة عن القانون، إضافة إلى تعميم قائمة بأسماء شخصيات تُمنع من ممارسة أيّ عملٍ عامّ، واعتقال آخرين. بموجب القرار وما لحقه من إجراءات امتدّت لشهور، حُظِر نشاط 35 مؤسسة من مؤسسات الحركة، وبشكل فجائيّ، وجد المئات أنفسهم عاطلين عن العمل، وقُطعت شرايين العمل الاجتماعي والسياسي والثقافي التي حاولت الحركة مدّها على مدار سنوات.
خاتمة
نجحت الحركة الشماليّة في بناء مؤسسات قدّمت للناس خدمات متنوعة ومستقلة عن دولة الاحتلال، وأثبتت قدرتها في تنويع أدوات العمل السياسي في الأراضي المحتلة عام 1948 أكثر من عقودٍ طويلة قضتها أحزاب فلسطينية أخرى تحت سقف أداةٍ واحدة؛ الـ"كنيست". وبمعزلٍ عن أيّ اتفاقٍ أو اختلافٍ مع الرؤية الأيديولوجيّة للحركة، ورُغم ما قد يؤخذ على بعض ملامح خطابها الدينيّ، إلا أنّ هذه القراءة السريعة تُشير إلى تجربة غنيّة للعمل الجماهيريّ خارج حدود الـ"كنيست" تستحق الدراسة والنقد، سعياً للاستفادة في بناء نماذج مشابهة أو أفضل.
ومما يؤخذ على هذا النموذج، أنّه ورغم تعدد نشاطاته واتساعها وملامستها هموم الناس اليومية، إلا أنّه ظلّ قاصراً عن بناء رؤية سياسيّة واسعة تنضمُّ إليها شرائح مختلفة من المجتمع الفلسطيني في الداخل. مثلاً، ركّزت الحركة في نشاطها السياسيّ على المسجد الأقصى، وساهمت في رفع الوعي بالمخاطر حوله، ولكنها لم تهتم بنفس القدر بقضايا سياسية في صُلب الحياة اليومية لمجتمع الـ48، كقضايا الأراضي ومصادرتها مثلاً، فحرمت نفسها من جماهير جديدة من الممكن أن تنضم إليها وتؤمن بمشروعها.
عدا عن ذلك، فإنّ عدم قدرة الحركة حتى اللحظة على تجاوز أزمة الحظر الإسرائيلي لها، تطرح تساؤلات عن قوّة تنظيمها السياسي، وهل سبب هذا الضعف في تجاوز الحظر هو الهشاشة التنظيمية أم غياب قرار حقيقي بالمواجهة والتصديّ للحظر. يبدو من ذلك أن الحركة، ورغم كلّ نشاطها المستقل والغنيّ في خدمة المجتمع، لم تُبرهن عن إرادة سياسية صلبة في مواجهة سياسات الاحتلال؛ يكفي أن يحظرك النظام لتكف عن الوجود، وهو ما يكشف أزمة حقيقية في تصور الحركة لطبيعة العمل السياسيّ.
مراجع:
- مقابلة أجرتها الكاتبة مع الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الشمالية.
- كتاب "حوارات في تاريخ الحركة الإسلامية"، وائل أبو هلال، 2018.
- Ghanem, A. & Ozacky-Lazar, S., 1996. The Arab Vote in the Elections to the Fourteenth Knesset May 29, 1996, Givat Haviva: The Peace Research Institute.
- Rubin, L., 2014. Islamic Political Activism in Israel, Washington, D.C.: The Saban Center at Brookings.