24 يناير 2019

أنفاق رفح التجاريّة

الحفر من أجل البقاء

الحفر من أجل البقاء

كانت مدينة رفح بشقّيها المصريّ والفلسطينيّ مدينةً واحدةً، إلى أن عَقَدَتْ مصر اتّفاقاً للسّلام مع دولة الاحتلال الإسرائيليّ عام 1978، تلاه الانسحاب الإسرائيليّ من شبه جزيرة سيناء عام 1982.

منذ ذلك الوقت، انقسمتْ رفح إلى اثنتين، واحدة فلسطينيّة، والأخرى مصريّة، توّحدهما تشكيلات عائليّة وعشائريّة مشتركة، ويفصلهما سياسيّاً وجغرافيّاً سلكٌ شائكٌ وخطٌّ حدوديٌّ، و"يُنظّم" المرور بينهما معبر رفح البريّ.

أمّا تحت الأرض، نشأت منذ أواخر الثمانينيّات شبكة أنفاق تربط بينهما، تكثفت خلال سنوات الحصار الحاليّ، وهُرِّبت خلالها الأسلحةُ والبضائعُ على أنواعها وما يحتاجه القطاع من مقومات الصّمود والمقاومة.

في البدء.. كان تهريب الماء

في الثمانينيّات وبعد إعادة ترسيم الحدود وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد وفصل رفح المصريّة، بقيتْ رفح الفلسطينيّة تحت السّيطرة الإسرائيليّة. وكانت دوريات جيش الاحتلال الإسرائيليّ منتشرةً على طول الشّريط الحدوديّ بين قسمي المدينة، أو ما أصبح لاحقاً يُعرف بمحور فيلادلفيا أو محور صلاح الدّين، الممتد بطول 14 كم، من شاطئ البحر المتوسط غرباً، وحتى خطّ الهدنة 1948 شرقاً، تهدفُ إلى تكريس حالة الفصل الاجتماعيّ والجغرافيّ.

جعل هذا الوضع الأمنيّ الجديد حركة الأفراد والبضائع داخل المدينة الواحدة تهريباً وخرقاً للقانون، بعد أن كانت فعلاً يوميّاً عاديّاً بالنسبة لسكان المدينة أبناء العائلة الواحدة. كما أصبح تنقُلَ المزارعين من وإلى مزارعهم الواقعة في الجانب المصريّ، خرقاً للحدود ما لم يتم عبر ميناء رفح البريّ، المعروف حالياً بـ"معبر رفح".

في مواجهة ذلك، استخدم المزارعون الأنابيبَ الاسبستيّة والفخاريّة الممتدة تحت الأرض على أعماق لا تتعدى السّنتيمترات، لريّ محاصيلهم الزراعيّة في الجانب المصريّ، خاصّةً أن غالبيّة آبار الريّ الزراعيّ وقعت في الجانب الفلسطينيّ من مدينة رفح.

وبعد أن هُجِرَت تلك الأراضي الزراعيّة بفعل التقسيم، استُخدِمت ذات الأنابيب الاسبستيّة كوسيلة بدائيّة، وربما كأولى إرهاصات أنفاق التّهريب، لتهريب سلعتين أساسيتين، مما خف وزنه وزاد سعره من البضائع: الذهب وقطع السّلاح الخفيفة.

في تلك الفترة، مطلع الثمانينيّات، بدأ الأهالي في رفح بحفر الأنفاق، مستفيدين من الجذور العائليّة الواحدة التي تربطهم على طرفي الحدود. كان الحفر غالباً يبدأ في ساحات المنازل، في محاولة لتجنب الانكشاف والاعتقال، على عمق 15 متراً، يمتدّ لبضعة أمتار مخترقاً الحدود، ومن ثم يُفتح للأنفاق مخرجٌ في ساحة منزل قريب أو ابن عمّ في رفح المصريّة. بحسب التوثيق الإسرائيلي، فإنّ أول اكتشاف إسرائيليّ لنفق تهريب في رفح كان في العام 1983.

لاحقاً، حفّزت الانتفاضة الأولى عام 1987، عملية حفر الأنفاق لأغراضٍ شتّى، من بينها الحصول على البنادق وقطع السّلاح الخفيفة، ما دفع جيش الاحتلال لزيادة العمل على تدميرها، واعتقال من يُشتَبه بمشاركته في حفرها.

وقد وُضِعت لأجل ذلك الخطط والمقترحات، وكان من بينها، توسيع الممرّ بين الجدار الحدوديّ وبيوت رفح الفلسطينيّة، أيّ خلق منطقة عازلة، فبدأت "إسرائيل" بهدم بعض البيوت الفلسطينيّة، وحفر خندق بعمق عشرة أمتار، وبعمق ثلاثة كيلومترات على امتداد الحدود، وذلك في محاولة لمنع حفر المزيد من الأنفاق، واكتشاف الأنفاق القائمة. وهي آلية، سيمتدّ تبنيها حتى اليوم، يتناوب عليها مرّة الإسرائيليون ومرّة المصريّون، والهدف واحد: تدمير الأنفاق.

تواصلت محاربة الأنفاق بعد اتفاقية أوسلو عام 1993. وبحسب الروايات الميدانيّة، شهدت تلك الفترة تراجعاً كبيراً في عمليات الحفر والتهريب، إذ استطاعت أجهزة الأمن التابعة للسّلطة الفلسطينيّة وعلى رأسها جهاز الأمن الوقائيّ اعتقال وتفتيش عشرات البيوت التي كانت تحتضن فوهات لأنفاقٍ في الجانب الفلسطيني. ولم يكن التعامل الأمنيّ سبباً وحيداً في تراجع أنفاق التهريب، بل كذلك التغيّر السياسيّ في تلك المرحلة، وخفوت شُعلَة الانتفاضة والسّهولة النسبيّة في دخول البضائع.

مع ذلك، شهدتْ تلك الفترة حملات عسكريّة إسرائيليّة لاكتشاف الأنفاق وتدميرها، فحسب الادعاء الإسرائيلي، هُرّبت عبر أنفاق رفح أسلحةٌ استخدمت خلال مواجهات هبّة النفق عام 1996.

الانتفاضة الثانيّة .. بعث جديد للأنفاق

انطلقت شرارة الانتفاضة الثانيّة عام 2000، فعادت ظاهرة حفر الأنفاق من جديد، واستخدمت بشكل أساسيّ لتهريب الأسلحة، واجهتها قواتُ الاحتلال الإسرائيلي بالعديد من العمليات.

في العام 2002 مثلاً، نفّذ جيش الاحتلال عمليات توغل محدودة على طول الشّريط الحدوديّ، خصوصاً في الجزء الشّرقيّ من الحدود، للتنقيب عن فوهات لأنفاق التّهريب، هدمت ودمرت خلالها عدداً هائلاً من منازل الفلسطينيين، بلغ ذلك حدّ تدمير أحياءٍ بكاملها، مثل حيّا البرازيل والسّلام، وحيّ البراهمة ومنطقة الجرادات، ومحيط معبر رفح.

وفي مايو/ أيار 2004، أطلق جيش الاحتلال حملةً عسكريّةً بعنوان "قوس قزح"، حدّد هدفها بقتل البنية التحتيّة للمقاومة في غزّة، متمثلةً بشكلٍ أساسيّ بكشف وتدمير الأنفاق في مدينة رفح، واعتقال المنخرطين في حفرها والإشراف عليها.

وقد تخلّلت هذه العملية عملياتُ هدمٍ واسعةٍ طالتْ ما يقارب 188 بيتاً، خاصّة في منطقة تل السّلطان وحيّي البرازيل والسّلام في رفح، وأسفرت عن استشهاد 32 فلسطينياً، على الأقل.

سنوات الحصار .. البعث الأكبر

بعد الانسحاب الإسرائيليّ من قطاع غزّة عام 2005، وسيطرة حركة "حماس" على القطاع عام 2007، شُدِّدَ الحصار المفروض أصلاً على القطاع منذ بداية التسعينيّات، وأُعلن "كياناً معاديّاً" لـ"إسرائيل"، ومُنِعت آلاف البضائع والمواد التموينيّة من دخول القطاع. بحسب إحدى المنظمات الحقوقيّة، فإنّ مجمل ما كان يسمح بدخوله للقطاع خلال سنوات الحصار الأولى (2007-2010) لم يكن يتجاوز ما نسبته 38% من احتياجات السّكان فيه، إضافةً للتقييدات شبه التامّة على دخول مواد البناء.

4 ديسمبر / كانون الأول 2008، فلسطيني يهرب عجلاً عبر أحد أنفاق رفح.

في مواجهة ذلك، ارتفعت وتيرة حفر الأنفاق، وفُتِحَت عمليّات التّهريب على مصراعيها. اعتبرتُ الأنفاق إحدى وسائل تعزيز صمود الغزيين، إذ تمكنوا من خلالها من إدخال مختلف البضائع، إضافةً لإدخال المواد ثنائية الاستخدام، التي تمنع "إسرائيل" دخولها، لكونها صالحة للاستخدام في صناعة الأسلحة.

لم تضع حرب 2008، المواجهة الأولى مع "إسرائيل" بعد سيطرة "حماس" على القطاع، أوزارها حتى عاد آلاف العمال لتفقد المنطقة الحدوديّة التي أسقطت عليها طائرات الاحتلال مئات الصّواريخ الارتجاجيّة، والمُحمّلة بأطنان المتفجرات، في دكٍّ استمرّ على مدار ثلاثة أسابيع من الحرب، كان أحد أهدافها المعلنة هو القضاء على أنفاق التهريب، سواء التّجاريّة أو الخاصّة بإمداد المقاومة بالعتاد.

بعد أسابيع قليلة من انتهاء الحرب، عادت الأنفاق التّجاريّة لتعلب دوراً مركزيّاً في إجهاض الحصار الإسرائيلي. وشجّعت فاعليتها، وشبه انعدام تأثير القصف الإسرائيلي عليها، أصحابَ رؤوس الأموال المحليّين لاستثمار أموالهم فيها. وهكذا كانت الفترة الذهبيّة للأنفاق ما بين 2007-2013، اتسّعت خلالها دائرةُ الأصناف المُهرّبة، وصولاً لإدخال سيارات بهياكل كاملة، في الوقت الذي وظّف هؤلاء المستثمرين أرباحهم لبناء أنفاق أكثر تحصيناً واتساعاً في أقطارها الداخليّة.  كما أن الحكومة في غزّة فرضت ضرائب على السّلع المهرّبة، شكّلت أحد أهم مصادر تمويلها، بل أسست هيئة حكوميّة كاملة للإشراف عليها.

زاد من حالة الأمان لدى المستثمرين المحليّين ودفعهم إلى ضخّ ملايين الدولارات في حفر الأنفاق، الثّورةُ المصريّة في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وسقوط حكم الرئيس المصريّ السّابق محمد حسني مبارك.

كما أثّر فوز محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، بالانتخابات الرئاسيّة عام 2012 إيجابيّاً على العلاقات بين "حماس" ومصر. وتباعاً لذلك، شهدت تلك الفترة ارتفاعاً في أعداد المسافرين عبر معبر رفح، كذلك شهدت انتعاشاً كبيراً في نوعية وكميّة السّلع المهربة إلى غزّة.

المنطقة العازلة .. وخنق الأنفاق

إلا أن الإنقلاب العسكريّ لوزير الدفاع السّابق عبد الفتاح السيسي على الرئيس مُرسي في 30 يونيو/حزيران 2013، أدّى إلى تعطيل توّسع تجارة الأنفاق. اشتدّ الخصامُ بين الجيش المصريّ وجماعة الإخوان المسلمين، مما انعكس على سياسات مصر تجاه قطاع غزّة. في ذلك العام، أغلقت مصر معبر رفح، وأحكم الجيش المصريّ قبضته على الحدود لمنع التهريب، وبدأ بتطبيق مختلف الوسائل لتدمير الأنفاق ومنع حفرها، والتي كان بعضها مطبقاً قبل ذلك ولكن بوتيرة أقل.

تصاعدت الإجراءات المصريّة تحديداً بعد انتهاء العدوان الإسرائيليّ على غزّة عام 2014، وذلك في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، وبحجة هجوم أوقع عشرات الجنود المصريين قتلى، أعلن المصريون عن إقامة منطقة عازلة في الجهة المصريّة من الحدود مع قطاع غزّة.

نُفذت هذه المنطقة العازلة على عدّة مراحل، بدأتْ في مرحلتها الأولى بعمق 500 متر داخل الحدود المصريّة، ومن ثمّ توّسعت في المرحلة الثانيّة إلى ألف متر (1 كم). شملت المرحلتان الأولى والثانية تهجير آلاف العائلات في رفح المصريّة، وهدم ما يقارب ألفي منزل، وفي تقرير لـ"هيومن رايتس وتش"، وصل عدد المنازل المهدمة خلال عام (2014-2015) أكثر من 3200 منزل.

لاحقاً، وسّع المصريون المنطقة العازلة في المرحلة الرابعة عام 2017، لتصل إلى عمق ألفي متر. وفي تصريحات مصريّة، قيل إن المنطقة العازلة قد تمتد إلى عمق 5-6 كم في الأراضي المصريّة، وهو ما يعني إزالة مدينة رفح المصريّة بشكلٍ كاملٍ، وتهجير أهلها، وتفكيك البنى الاجتماعيّة التي شكّلت حاضنةً لأنفاق التهريب. يترافق ذلك مع ما نشر عن نقل السّيسي لضباط الجيش المسؤولين في شبه جزيرة سيناء، إذ كان بعضهم مستفيداً من السّكوت عن الأنفاق.

وبالتزامن مع إقامة المنطقة العازلة، بدأ الجيش المصريّ منذ سبتمبر/ أيلول 2015 بمدّ أنابيب تنقل مياه البحر الأبيض المتوسط إلى داخل الأنفاق سعياً لإغراقها وهدمها. وفي أحيانٍ أخرى، أغرق المصريّون الأنفاق بالمياه العادمة، وأدّت هذه العمليات إلى استشهاد عدد من الشّبان العاملين في تجارة الأنفاق.

الأنفاق ورجالها

منذ البدء بحفر الأنفاق بشكل موّسع عام 2007، وصولاً إلى ذروة عمليات مكافحتها في العام 2013، وصل عدد الأنفاق بين رفح الفلسطينيّة ورفح المصريّة -بشكلٍ تقديريّ- إلى ما يقارب ألفي نفق، فيما قدّرته جهاتٌ أخرى بأنه وصل 1532 نفقاً في ذات الفترة. 

وتراوح طول الأنفاق ما بين 300 مترٍ إلى ما يزيد عن ألفي متر. ووصل عرض وارتفاع بعضها إلى أكثر من مترين على عمق 20-30 متراً تحت الأرض. واتجّهت العمالة الغزيّة من شمال القطاع نحو جنوبه للعمل في الحفر، وإدخال البضائع، حيث قُدِّر عدد العاملين في الأنفاق في الفترة ما بين 2010 إلى 2013 بحوالي 70 ألف عامل.

تصميم متراس

يتكوّن النفق التجاريّ من البئر، وهي التسمية المحليّة التي تُعرف بها فوهة النفق الموجودة في الجانب الفلسطينيّ، وتشكّل نقطة التأسيس وبداية الحفر.

تمتدّ آبار الأنفاق لأعماق مختلفة في باطن الأرض، تتراوح ما بين 10 – 35 متراً. تلعب نوعيّة التّربة في النقطة الموجود بها النفق دوراً أساسياً في تحديد عمق النفق، ففي بداية عهد بناء الأنفاق كانت تُحفر لأعماق قصيرة المدى، وهي المفضّلة بالنسبة للمستثمرين، كونها الأقلّ تكلفةً.

ويُرجح ارتفاع احتمالات حفر الأنفاق في الجزء الشّرقيّ من رفح، لطبيعة التّربة الطينيّة في المنطقة، لقدرتها التحصينية العالية في مواجهة ضربات الاحتلال الجويّة، وبالتالي زيادة الجدوى الاقتصاديّة منها على المدى الطويل.

يأتي بعد البئر جسمُ النفق الداخليّ، أو ما يعرف محلياً بـ"الخطّ"، وهو حفرة غير منتظمة الشّكل، سقفها على شكل نصف دائرة، وأرضيتها مسطحة، ولذلك تفسير هندسيّ بديهيّ، وهو التّقليل من فرصة انهيار النفق، حيث توصّل الحفّارون لهذا الشكل من خلال التّجربة والخطأ، بعد انهيار عشرات الأنفاق التي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من العاملين.

ويُعرَف الحفّار الرئيس محليّاً باسم: "القَطّيع". وهو بطلٌ حقيقيٌّ، دافعه لذلك المغامرة ولقمة العيش، وله -غالباً- نصيب الأسد في المال المدفوع من قبل المُستثمِر، وربما يتفق معه على أن يصبح شريكاً تجاريّاً، يمتلك أسهماً في هذا الاستثمار، وبالتالي يصبح صاحب قرار في العملية التجاريّة والتطويريّة للنفق. و"القطّيع" بمثابة القائد التنفيذيّ لفريق الحفر، الذي يعمل كخلية نحل على نقل التّربة من باطن الأرض إلى سطحها.

واصل الحفّارون إبداعاتهم، فأدخلوا البوصلة إلى جانب أدواتهم المُستَخدَمة في حفر الأنفاق، إضافةً لاستخدام المقادح الكهربائيّة في الحفر، بدلاً من العمل اليدويّ. كما أدخلوا الكهرباء إلى الأنفاق، فمُدّدت الأسلاكُ على سقف النفق، ثُمّ استُخدِمَت للإضاءة بدلاً من الكشّافات المتنقلة. تطوّرت هذه الأسلاك لتصبح شبكة إنارة متكاملة، وصار هناك حرفيّون متخصصون في تمديد شبكات الكهرباء داخل الأنفاق. ومع زيادة الأعماق، استُخدمت مضخات صغيرة ومتوسطة الحجم لضخ الأكسجين إلى داخل الأنفاق.

ومع التطور، وبدلاً من نقلها يدويّاً، استخدم العمال محركّاتٍ كهربائيّةٍ صغيرةٍ لسحب التّربة المحفورة إلى الخارج. وأصبحت تلك المحركات بحاجة إلى أماكن داخل الأنفاق كي لا تعرقل عملية سحب البضائع لاحقاً، فخُصِّصَت لها غرفٌ على جانبيّ النفق، مساحتها نسبيّة على حسب قُطر النفق الداخليّ. أطلق على تلك الغرف "دشمة"، وهي المكوّن الثالث من مكونات النفق.

المكوّن الرابع والأخير هو فوهة النفق في الجانب المصريّ، ويُطلَق عليها بالتّسميّة المحليّة "العين". في البداية، كانت العين تُفتح بطريقة عشوائية، ويُترَك ذلك للصدفة المحضة، فخرجت بعض العيون في مزارع الخوخ والزيتون الممتدّة في الجانب المصريّ، وخرجت أخرى داخل بيوت بعض السّكان، وأخرى في شوارع  رفح المصريّة، وهكذا دواليك.

فيما بعد أصبح بالإمكان التحكم في مكان "العين"، من خلال الخرائط واستخدام "غوغل إيرث" والبوصلات وبعض التقنيات البسيطة والخبرات الفردية التي راكمها الحفارون الرفحيّون.

الوسائل لا تنقطع

بعد سلسلة إجراءات نفذّها الجيش المصريّ على الحدود مع رفح، بدءاً بإقامة المنطقة العازلة وهدم الحاضنة السكانيّة للأنفاق، مروراً بإغراقها أو ضرب قنابل الغاز فيها، أو هدمها، تقلّصت الأنفاق منذ العام 2014 تقريباً إلى أقلّ حدٍ لها، ولم تبق سوى أنفاق قليلة جداً، غالبها محصور الاستخدام ويمتد طويلاً تحت الأرض. فيما يُرجح البعض أن عدد الأنفاق التّجارية يؤول إلى الصّفر، فيما يُذكر آخرون إلى أن الوسائل لا تنقطع، مشيرين إلى ما قد يتطور ويصبح ظاهرة، وهي مسألة ترك البضائع في نقطة ميتة عند الحدود، وخاصّة في حدّها الشرقيّ الأقصى، ومن ثمّ يأتي من يأخذها.