19 أغسطس 2020

كورونا.. فرصة أخرى لتسويق قدرات "إسرائيل" العسكريّة

كورونا.. فرصة أخرى لتسويق قدرات "إسرائيل" العسكريّة

مع تصاعد الإصابات بفيروس "كورونا" في دولة الاحتلال منذ مارس/ آذار الماضي، وضع نفتالي بنيت، والذي كان وزيراً للأمن الإسرائيليّ آنذاك، خطّة وطنيّة لمواجهة "كورونا". تصف تلك الخطّة الدور المركزيّ الذي يجب على وزارة الأمن، أي الجيش فعليّاً، أن تقوم به في قضايا الصحّة العامة والسياسات الاقتصاديّة. وقد وصفت حالة الوباء بأنّها "اندماجٌ للطبّ مع الحرب".

وبالفعل، منذ بداية الأزمة الصحيّة، لعبت الأجسام الأمنيّة الإسرائيليّة المختلفة دوراً أساسيّاً في صياغة وتطبيق أجندة "إسرائيل" في مواجهة الوباء، بدءاً من "مجلس الأمن القوميّ" والذي يعمل تحت مظلّة مكتب رئيس الوزراء، مروراً بالـ"موساد"، وجهاز الأمن العام "شاباك"، ووحدات الجيش المختلفة، وصولاً إلى شركات التصنيع العسكريّ الإسرائيليّ. في هذا المقال، نلخص بعضاً من تدخلات هذه الأجهزة الأمنيّة وسعيها لتصدير "خبراتها" حول العالم.

الموساد يبحث عن "بطولة" جديدة

مع بداية الأزمة، كان التحدي الأبرز هو توفير معدات طبيّة لازمة لمواجهة الوباء. وهكذا، شغّل الـموساد شبكة عُملائه العالميّة والسريّة من أجل السّيطرة بشكلٍ غير قانونيّ، أو بتعبير أدقّ: سرقة معداتٍ طبيّةٍ وأدوات أخذ العينات، في حين كان العالم يتنافس للحصول عليها. أو كما عبّر عن ذلك، مفتخراً في أحد التقارير الإعلاميّة الإسرائيليّة، مدير قسم التكنولوجيا في الموساد: "نحن نفعّل علاقاتنا الخاصّة من أجل الحصول على معداتٍ طلبتها أصلاً جهاتٌ أخرى". 

وقد ظهر رئيس الموساد في برنامج مفتخراً بدوره ونشاطه في قيادة مقر التعامل مع فيروس كورونا. ومن ضمن الشبكات التي فعّلها الموساد خلال هذه الفترة كانت علاقاته مع النظام الإماراتيّ، والذي زوّد "إسرائيل" بـ100 ألف جهاز لفحص كورونا. كما أعلنت الإمارات عن اتفاقيّة عقدتها مع دولة الاحتلال للتعاون فيما بينهما لمواجهة الفيروس. ينضمّ إلى هذه الخطة القطاع الخاصّ أيضاً، فلقد عقدت شركة الأسلحة الإسرائيليّة Israel Aerospace Industries اتفاقيةً مع شركة Group42، والتي تتخذ من الإمارات مقراً لها، وتنصّ الاتفاقيّة المشتركة بينهما على التعاون في مشاريع طبيّة.

أمّا جهاز الأمن العام، "الشاباك"، فقد أُعطيت له الصلاحيّات القانونيّة بمراقبة مرضى "كورونا" وكلّ من يختلط بهم، في محاولة لحصر عدد الإصابات المُحتملة وتحويلها إلى الحجر الصحيّ. إنَّ المراقبة مهمةٌ سهلة على جهازٍ أمنيّ كـ"الشاباك" متمرّسٌ في فرض الرقابة على شعب كامل. لأجل ذلك، استخدم "الشاباك" قاعدةَ بياناتٍ سريّة وموجودة منذ عشرات السنين، والتي تُعرَف بـ"The Tool"، والتي تجمع معلوماتٍ بشكلٍ متواصلٍ حول الأفراد، والتي يُفترض أنّها أدقُ وأسرع جهازٍ للتتبع، إذ لديها القدرة على تتبع كلّ المحادثات والرسائل والمواقع. 

وقد انضمت إلى "الحرب" الوحدات الاستخباراتيّة في جيش الاحتلال، فوحدة 8200 المعروفة بسنوات القمع والرقابة والاغتيالات، وبتخريج آلاف الخبراء الأمنيين، ووحدة 81 وهي وحدة سريّة أُقيمت عام 1948، تشاركان في أبحاث طبيّة تتعلق بـ"كورونا".

أما فيما يتعلق بالجيش الإسرائيلي عامّةً، فقد أقيم خلال مارس/ آذار الماضي "مركز المساعدات القطريّ" داخل واحدة من القواعد العسكريّة في الرملة، يضمّ الجيش ومؤسسات إسرائيليّة "مدنية". كما أُعطيت للجيش مهام عديدة ابتداءً من تقديم مساعدات لوجستية كنقل مواد فحص أو أجهزة تنفس، وتطوير أجهزة طبيّة و"تمدين" التكنولوجيا العسكريّة وتحويلها لصالح إنتاج معدات طبيّة. 

وأُنيطت بالجبهة الداخليّة مهمات عدة منها: توزيع مساعدات للمحتاجين ولكبار السن، وأداء مهمات تعقيم لمنشآت سُجل فيه مصابون بالفيروس، والتبرع بالدمّ، ومساعدة وزارة الصحّة في التحقيق الوبائيّ، وقطف المنتوجات الزراعيّة خاصّةً في ظلّ انقطاع عدد من العمال الفلسطينيين عن عملهم في المزارع الإسرائيليّة. إضافة إلى توجيه ما يقارب 700 جنديّ للانضمام إلى الشّرطة الإسرائيلية في مهام لفرض التقييدات على الحركة وإغلاق البلدات، والإشراف على مراكز الحجر الصحيّ في الفنادق الإسرائيلية. حول ذلك، صرّح قائد الوحدة التكنولوجيّة في مجموعة الجيش 9900: "التعامل والجهوزية شبيهان بالحرب تماماً، يختلفان عمّا تخيّلنا وعمّا تعودنا عليه، إنّها حالة حرب بشكل قاطع". 

دور الشركات: تصنيع معدّات وتصنيع رواية

من خلال مركزة شبكة العسكر والأمن الإسرائيليّة في لُبِّ مواجهةِ وباءٍ صحيّ، وفرّت سلطات الاحتلال مظلةً لشركات تصنيع الأسلحة الحكوميّة والخاصّة مكّنتها من تقديم منتجاتها وتحقيق أرباح جديدة. ليست أرباحاً ماديّة فحسب، بل معنوية كذلك، على مستوى تعزيز سمعة "إسرائيل" على أنّها "الأفضل في إيجاد الحلول"- اقتصاديّاً، وأمنيّاً وصحيّاً. فالشركات الإسرائيلية لا تعمل فقط من أجل جني الأرباح، بل هي أيضاً طريقُ "إسرائيل" لاكتساب مصالح سياسية وتعزيز مكانتها ونفوذها في العالم.

كيف تدخلت هذه الشركات التي تُصنّع أسلحةً قاتلةً في مواجهة أزمةٍ صحيّة؟ استخدمت نمطاً معتاداً جداً إسرائيليّاً وعالميّاً، وهو استخدام معرفة عسكريّة لأهداف مدنيّة (وهما صعيدان غير منفصليْن عن بعضهما في حالة "إسرائيل"). وكما قال مدير سلطة الشركات الحكوميّة: "هناك نوعان من الصناعات المربحة، الصناعات التي تطوّر معداتٍ لقتل النّاس، والصناعات التي تطوّر معدات لحمايتهم". 

إنّ تحويل قدرات وخبرات عسكريّة إلى القطاعات المدنيّة ليس أمراً جديداً، بالأخصّ في قطاع التكنولوجيا، حيث لا يمكن الفصل بين العسكريّ والمدنيّ، فطالما عملت الأجهزة العسكريّة على استخدام الخبرة المكتسبة على مرّ عقود من الاستعمار ومن الخدمة في الجيش من أجل الاستفادة منها ماديّاً ومعنويّاً في القطاعات الأخرى، ولهذا لم يكن من الصعب أن تباشر الشركات العسكريّة بتصنيع معدات طبية.

خلال شهر مارس آذار، أعلنت شركة IAI، إحدى كبرى الشّركات الإسرائيليّة المزوّدة لجيش الاحتلال، أن قسم صناعة الصواريخ فيها، وبالتعاون مع شركة Inovytec Medical Solutions ومديرية الصناعة في جهاز الأمن الاسرائيليّ، سيعملون على صناعة جهاز تنفس. 

أيضاً شركة RAFAEL وهي شركة حكوميّة إسرائيليّة مصنّعة للأسلحة، وبالتعاون مع الشركات الخاصة Flight Medical و Baya Technologies، باشرت بتصنيع كميات إضافيّة من أجهزة التنفس. وكذلك الأمر بالنسبة لشركة Elbit Systems، وهي شركة خاصّة تُستخدم معداتُها خلال الاعتداءات على غزّة وفي الجدار وفي الحواجز، وهي من أكبر المصدّرين إلى العالم.

وبينما تعزز صناعة أجهزة التنفس من القدرة الصناعيّة للقطاع العسكريّ، هناك مشاريع أخرى تسعى إلى "تكييف" تكنولوجيا إسرائيلية عسكريّة وتحويلها إلى الاستخدامات الطبيّة المدنيّة. من ضمن هذه المشاريع، المبادرة المشتركة بين Elbit Systems و IAI لتصنيع جهاز رقابة عن بعد من أجل تتبع مرضى "كورونا". يشمل الجهاز راداراً حساساً يمكنه قياس يقيس نبض الشخص المُتتَبع، وكاميرا بإمكانها قياس درجة حرارة الجسم، ومكوّن إضافيّ يقوم بتحليل المعلومات.

مثالٌ آخر هو شركة AnyVision، التي طوّرت في السابق كاميرات لتشخيص الوجوه والمنصوبة اليوم في عدد من الحواجز العسكريّة الإسرائيلية وعلى مداخل وشوارع الضفة الغربية والقدس. وكما ورد في الإعلام الإسرائيلي، أقدمت الشركة على نشر هذا النوع من الكاميرات في المستشفيات الإسرائيليّة، والتي يمكنها أن تقيس درجة حرارة الشّخص عن بُعد. بالإضافة إلى تطوير جهاز بإمكانه تشخيص من يلبس كمامة ممن لا يلبسها، وهو جهاز يُستخدم في بعض المراكز الطبية.

ومؤخراً، سافر وفدٌ إسرائيليّ من وزارة الأمن الإسرائيليّة إلى الهند، لإجراء تجارب على مواطنين هنود بهدف فحص مدى نجاعة أدوات لتشخيص مرضى "كورونا"، وهي أدوات طوّرتها وحداتُ تصنيعٍ تابعة للوزارة. ليس عبثاً أنَّ من يقود هذه الخطوات هو وزارة الأمن الإسرائيليّة، كما أنّ اختيار الهند لم يأتِ من فراغ، فالهند أكبر المستوردين للمعدات العسكريّة والأمنية من "إسرائيل"، وفي الهند سيكون من السهل جداً تجاهل أي اعتبارات أخلاقية في استغلال المرضى لإجراء هذه التجارب.

بهذه الطريقة، تتوسع المعرفة المكتسبة على مرّ السّنوات، والتي جُرِّبَت على أجسادنا وأرواحنا، لتصل إلى مساحاتٍ أخرى، موّفرة لمثل هذه الشركات ممكنات ربح إضافية محليّاً وعالميّاً. كما تُعزِّز هذه الشركات من قدرة "إسرائيل" على عرض نفسها كأكثر الدول نجاعةً في مواجهة الوباء، وهي سُمعة تستخدمها للانتفاع جيوسياسيّاً واقتصاديّاً، فلا تُصدّر "إسرائيل" المعدّات والأجهزة فحسب، بل إنها تُصدّر كذلك نفوذاً وروايةً كاملةً حول نفسها تساعدها على تمرير مصالحها وإملاء شروطها.

 القدرات الأمنية الإسرائيلية: قامعة وتتمدد

في ظلّ الوباء، تحاول "إسرائيل" الانتفاع سياسيّاً واقتصاديّاً من خلال خدمة الأنظمة الاستبداديّة الراغبة بإحكام القبضة على شعوبها. ومن يمكنه مساعدة هذه الأنظمة أكثر من نظامٍ عمل على مدار سنوات على ابتكار آليات قمع ورقابة، وعلى تعزيز شبكة تحكّم وسيطرة على شعب محتل؟ 

اقرأ/ي المزيد: "قمعٌ في الأرجنتين؟ "إسرائيل" جاهزة لتقديم خبراتِها".

إحدى الأمثلة البارزة على ذلك هي المناقصة التي نشرتها في مارس/ آذار الماضي "مديريةُ التعاون الأمنيّ العالميّ" - SIBAT التابعة لوزارة الأمن الإسرائيليّة، وهي الجسم المسؤول عن تسويق التكنولوجيا العسكريّة الإسرائيليّة عالميّاً. رأت "سيبات" أنّ عليها البحث عن زبائن مُحتملين من أجل توسيع التصديرات الإسرائيلية خلال فترة الوباء، إذ ترى "سيبات" أنه من المحتمل أن تزداد احتياجات الأنظمة لمعدات تكنولوجية خلال هذه الفترة، فمن المتوقع أن تولّد الازمة الحالية مظاهرات شعبية عديدة، تحتاج تلك الأنظمة إلى قمعها. 

وفي هذه المناقصة، تطلب "سيبات" من الشركة الرابحة أن تُجهّز ملفاً شاملاً يحتوي على كافة المعلومات حول الاحتياجات الأمنيّة لجميع الدول في العالم، ما عدا إيران ولبنان وسوريا. وتطلب المناقصة تحديد احتياجات الدول من معداتٍ لجمع معلومات بيومترية، وأنظمة تتبع، وتشخيص وجوه، وتشخيص أصوات ومرئيات، ورقابة لوحات ترخيص، ورقابة خليوية، وتكنولوجيا حجب المعلومات. على الشركة الرابحة أن تقدّم أيضاً معلوماتٍ حول كلّ دولة، والشخصيات القياديّة فيها، وجهازها السياسيّ وعلاقاتها الخارجيّة، ومسحاً للمخاطر الخارجيّة والداخليّة التي تُهدِّدُ أمن واستقرار الدولة، ومعلوماتٍ حول اقتصادها تشمل معلومات عن ميزانية الأمن وسياسات الدولة في شراء معدات أمنيّة. 

لا نعلم حتى الآن ما هي الدول التي ستتلقى هذه "الخدمات" من دولة الاحتلال، لكننا نعرف أنه على مدار سنوات شكلّت "إسرائيل"، بمؤسساتها وشركاتها، جزءاً أساسياً من منظومة قمع واستغلال عالميّة، تفيد غيرها من الأنظمة وتستفيد من غيرها، والمتضررات والمتضررين هم الفئات المقموعة والمهمشة حول العالم، والفئات المقاومة التي تعمل الأنظمة على إسكاتها.