10 أبريل 2020

"كورونا" وعلم النفس.. عُصاب لمصلحة المجتمع؟

"كورونا" وعلم النفس.. عُصاب لمصلحة المجتمع؟

منذ بداية انتشار المرض، يُطالب المختصّون بأخذ الاحتياطات اللازمة. التعليمات واضحة: التزمْ البيت وخفّفْ من الاحتكاك مع الآخرين قدر الإمكان، وحافظْ على النظافة. الأقنعة والقفّازات الصحيّة لا تحميك من العدوى. نوبات الشراء وتكديس السلع تحسّباً للكارثة لن تخفّف من قلقك أو تزيد من شعورك بالأمان كما تتوقّع. الإقبالُ على السلع سيزيدُ من تكلفتها وأسعارها، أو يؤدّي إلى نفادها وقلّتها وكلا الأمرين سيؤدّيان إلى قلقٍ آخر. وأرقام الوفيات والإصابات تؤكّد أنّ الموضوع ليس مؤامرةً البتة.

لكن ماذا لدينا الآن؟ أفكار عن المؤامرة وبارانويا "الآخر" وعنصريّةٌ تجاهه. إنكارٌ للحدث أو تسخيفه. ادّعاءٌ للهدوء واللامبالاة بشكلٍ مثيرٍ للسخرية. تدابير الحماية المُفرطة والمهووسة. المُبالغة في نشر الأخبار والمعلومات وبثّ الهلع. نوباتُ شراءٍ وصورٌ لرفوفٍ فارغةٍ في المتاجر، وشجارات بين أشخاص على سلعةٍ هنا أو غرضٍ هناك. مناشدات للطواقم الطبّية والصحيّة بعد اختفاء الأقنعة من السوق في حين أنّهم أكثر من يحتاجها. وسلوكيّات وتصرّفات تضرب بعرض الحائط شتّى قواعد الحذَر والتدابير، فما تفتأ الأرقام ترتفع؛ منذرةً بكارثةٍ أكبر.

محجورون في أنماط تفكيرنا

تُخبرنا نظريّاتُ علم النفس الاجتماعيّ والسلوكيّ أنّ كثيراً من التصرّفات وردود الفعل التي رأيناها ولا نزال نراها لا تتعدّى كونها جزءاً من سلوكيات القطيع. يحدث هذا -بكلّ تأكيد- في المواقف التي يسود فيها الذعر وينتشر فيها الشكّ وينعدم فيها اليقين. يبدأ الناس في مشاهدة غيرهم لمعرفة كيف يستجيبون وكيف يتصرّفون. أمرٌّ غريزيٌّ أكثر من كونه عقلانيّاً. الخوف مُعدٍ، لا شكّ في ذلك. ولأنّنا لا نعرف ما الذي سيحدث، فلا أسهل من أنْ ينخرطَ الواحدُ منّا في الهستيريا الجماعيّة الحاصلة.

أو قد تُخبرنا هذه النظرياتُ أنّ الإنسان -بطبعه- حبيسٌ للعديد من أنماط التفكير، وهو ما يُعرف بالانحيازات الإدراكيّة أو المعرفيّة Biases، الناتجة عن محدوديّة العقل البشريّ، أو ضعف القدرة على معالجة المعلومات أو التأثيرات العاطفيّة أو الاجتماعيّة والثقافيّة من حولنا.

يميلُ البعضُ لأنْ يكون متفائلاً باعتقادِهِ أنّ المرض لن يصيبه هو بالتحديد، وأنّه لن ينقل العدوى إلى غيره. يميل آخرون إلى تسخيف الأمر من خلال مقارنة الوفيات الناتجة عن الإنفلونزا العادية وحوادث السير والسرَطان أو الأوبئة السابقة بوفيات "كورونا". ويُصاب البعضُ بالهلع، فيرى سوداويةً تامّةً تحجبه عن الصورة الأوسع. ويصرّ آخرون على الاعتقاد بنظريّات المؤامرة والكذب. وما بين هذا وذاك، هناك سلوكيّاتٌ فردية تزيد فداحةَ الخطر والمآلات.

هذا الوباء، مثله مثل الطاعون في رواية ألبير كامو، ليس مرضاً جسديّاً فقط، بقدر ما هو سياسيٌّ وأخلاقيٌّ واجتماعيٌّ ونفسيٌّ. يروي لنا حكايات الفزع الذي اكتنف حياتَنا فجأة دون سابق إنذار، لنجد أنفسنا وجهاً لوجه مع هشاشتنا البشريّة، في وقتٍ بدأنا نعتقد فيه أنّنا أسياد مصيرنا. آمنّا بشكلٍ غير محدود بالحضارة الحديثة التي تفتخر بقدرتها المطلَقة، غير أنها تظهر الآن عاجزة على فعل الكثير ضدّ انفجار الواقع فجأةً، وهو انفجارٌ لم يكن في الحسبان.

المصدر: Business Insider

عودة المكبوت

زعزعت الجائحةُ مجموعةً من الأعراض التي كانت محبوسةً؛ نسخة جماعيّة من "عودة المكبوت" التي تحدّث عنها سيغموند فرويدSigmund Freud.  1الكبت وعودة المكبوت هما الشيء نفسه عند فرويد ولاكان. يمكن تعريفهما بأنّهما إبعادٌ لإدراك معيّن من الوعي وطرده إلى اللاوعي، كوسيلة دفاعية تحمي الإنسان ضدّ الصراع والقلق. لكنّ الحقيقة أنّ المكبوتات تحاول دائماً الخروج نحو الوعي، أحياناً بشكلٍ جارفٍ، فتعبّر عن نفسها في ثوراتٍ غير مسيطر عليها من الأفعال وأنماط التفكير المختلفة. العديد من آليات الدفاع النفسيّة ظهرت على السطح: الإنكار والاستذهان والكبت والنكوص والتنصّل والإزاحة وغيرها.2الاستذهان أو العقلنة Intellectualization: إحدى الدفاعات النفسية التي تحدّث عنها فرويد ويدلّ على التعامل مع الأحداث من منظورٍ جامد وتحليلي يستبعد الشعور والعاطفة ويركّز على الجانب العقلاني فقط. توفّر كلُّ آليةٍ من هذه الآليات حلولاً وهميّةً لمواجهة احتمالات القلق الناتج عن الخطر الذي لم يتضحّ بعد، وما زلنا عاجزين عن تصوّره.

إنّ الكثير من هذه الدفاعات التي نراها اليوم هي دفاعاتٌ نرجسيّة، تخفي هشاشتَنا وضعفَنا تحت أقنعةٍ من القدرة الكليّة، التي تمنعنا من التعاطف والارتباط بالعالم من حولنا، وتحجب عنّا العقلانية أو الحُكم الموضوعي على الأحداث والتطوّرات. لم يعد بإمكان الكثير منّا احتواء صدمة الواقع وقلقه، لذلك نلجأ إلى ما وصفته المحلّلة النفسيّة ميلاني كلاين Melanie Klein بالدفاع الهوسي Manic Defense؛ إنكار العجز والحاجة للآخرين نتيجةً لأوهام السّلطة والقدرة الكليّة والاكتفاء الذاتيّ.

تتحدّث كلاين أيضاً عن موقفين نفسيّين يفرّقان ما بين مرحلتيْ الطفولة والنضج، لكنْ يميل الناس إلى التأرجح ما بينهما طوال مراحل حياتهم تبعاً للعديد من الظروف، وهما الموقف الفصامي-العُظامي Paranoid-schizoid Position في الطفولة، والموقف الاكتئابيّ Depressive Position في مرحلة النضج.

يُشير الموقف الأول إلى حالة القلق والخوف النابعة من الإسقاط النفسيّ لغريزة الموت الداخليّة، والتي تتجلّى في مراحل حياتنا المختلفة عن طريق الأزمات والصدمات والإحباطات المختلفة. في هذا الموقف، تتعامل الأنا -غير الناضجة- مع قلقها من خلال فصل المشاعر السيئة وإسقاطها على العالم الخارجيّ بعيداً عن الذات. تصبح الذات نقيّة، وكلّ ما هو مقلِق وممرِض ومُعيب وسيّء فهو من الآخر أو العالم الخارجيّ. بكلماتٍ أخرى، يتميّز هذا الموقف من وجهة نظر كلاين بعدم قدرة الشخص على رؤية ذاته كمصدرٍ للمشكلة أو أنّها جزءٌ منها. جميع ما يحدث يحدث بسبب عوامل خارجيّة منفصلة عنه تماماً، ولا تتعلّق به بأيّ شكلٍ من الأشكال.

يتصرّف البشر بشكلٍ ارتيابيّ أو فصاميّ كدفاعٍ ضدّ مشاعر الاكتئاب والخسارة التي تصاحب الأوضاعَ اليائسة والبائسة. في المقابل، يُشير الموقف الثاني وهو الاكتئابي إلى قبول الصدمة ومشاعر الإحباط والخوف التي لا مفرّ منها من خلال التخلّي عن النرجسيّة والأنانية الفرديّة لصالح الآخرين والمجتمع.

باستخدام مصطلحات كلاين، يبدو أنّ الكثيرين منّا إذاً ينزلقون إلى موقف الفصامي-العُظامي بعيداً عن الاكتئابي، ويتصرّفون بطرقٍ غير قادرة على تحمّل مشاعر الصّدمة والاكتئاب التي تُصاحب الوضع المربك الذي نعيشه بما فيها من تناقضات، وتعزّز قدراً أكبر من النرجسيّة الفرديّة التي تُعيق مبادئ وأخلاقيات التعايش. وهذا أمرٌ طبيعيّ في الظروف الصعبة. وعادةً ما نحتاج لفترة من الوقت حتى نتمكّن من استعادة القدرة على تحمّل التناقض وامتصاص الصدمة. 

تتجلّى المسؤوليةُ المشتركة في الموقف الاكتئابي، على قاعدة "كلنا في الهوا سوا". جميعنا جزءٌ من المشكلة تماماً كما أنّنا جميعاً جزءٌ من مواجهتها والعمل على الحدّ منها أو الخروج منها بأقل الأخطار الممكنة. هذه هي "القدرة على الاهتمام"، التي تحدّث عنها دونالد وينيكوت Donald Winnicott، من خلال حسّ المسؤولية الشخصيّة عن أفعالنا ونتائجها على المجتمع من حولنا، وهذا ما نحتاج إليه الآن.

ليس فقط في محاولة البقاء في بيوتنا واتّباع قواعد النظافة والتباعد الاجتماعي فحسب، ولكن في كلّ ما ننشره على مواقع التواصل من أفكار ونظريات وإسقاطات للتجارب واستنتاجاتٍ محدّدة سلَفاً؛ علينا تحمّل حالات الشكّ واللايقين والخوف دون تطويرِ انفعالاتٍ متسرّعة وردود فعلٍ تُعيق قدرتنا على العمل والمقاومة داخل السياقات الاجتماعية المحدودة.

المصدر: Unsplash

حين توصي وزارة الصحّة بالوسواس

من جهةٍ ثانية، علينا أنْ نتساءلَ إلى أينَ يأخذنا كلّ هذا بعد أنْ أصبحت لدينا الآن نظرية لكلّ شيءٍ: عدد الأفراد المسموح تواجدهم معاً وحساب الأمتار بين الشخص والآخر. مخاوفٌ منْ أنْ يصبح التواصل والتفاعل البشريّ المباشر ترفاً لن نتمكّن من تحقيقه في الفترة القادمة، وأخرى من احتمالية انقراض المصافحة والعناق في المستقبل. مقالاتٌ عن القُبلات والاتصال الجنسيّ ونصائحٌ بخصوصهما. 

إرشاداتٌ بغسل اليدين 10 ثوانٍ في بداية الأزمة ارتفعت إلى 20 ثانية، ثمّ أصبحت دقيقةً كاملة. فيديوهات وصور تشرح وتصوّر الطريقة الصحيحة لغسلهما. تعليماتٌ بنظافة البيت وغسل الثياب على درجات حرارة معيّنة. وافتراضاتٌ عن مدّة بقاء الفيروس على الأسطح المختلفة. كيف تتعامل مع خدمات التوصيل؟ كيف تخرج للتسوّق؟ هل تخرج للمشي أم لا؟ كم نسبة الكحول المطلوبة في المعقّمات؟ كيف تنظّف الخضروات والفواكه؟ كيف تخلع قفّازاتك؟ كيف تحافظ على وزنك أثناء الانعزال؟ وهلمّ جرّا.

نغسل أيدينا فنشكّ في نظافتها لنعود لغسلها ثانيةً. نتنبّه إلى أنّنا أمسكنا الهاتف فنعقّمه ونعود لغسل أيدينا مرةً أخرى. أو ببساطة قد نغسل أيدينا فننسى أنّنا غسلناها فنعود لغسلها ثانيةً. نخاف التلامس البشريّ والاتّصال الاجتماعي ونشعر بالذنب في حال قيامنا بذلك. نراقب بعضنا ونتعقّب الآخرين وتصرّفاتهم ونشعر بالارتياب حيال قربهم الفيزيائيّ. 

ألا يُحاكي هذا كلّه، ولو بشكلٍ من الأشكال، أعراض العُصاب القهريّ؟ هل سيصبح ما كان بإمكاننا وصفه عرَضاً عُصابيّاً هو العاديّ والمطلوب في الفترة القادمة، فيؤسّس لعُصابٍ أكبرَ من الذي كنّا نعيشه في واقعنا هذا؟

تحدّث فرويد عن أنّ العُصاب هو السمة الأساسيّة للمجتمعات الحديثة. وأكّد جاك لاكان Jacques Lacan على أنّه ليس مجموعة من الأعراض فقط، بل بنية تؤسّس لها، وبالتالي من الممكن لأيّ شخصٍ أنْ يكونَ عُصابياً دون أنْ يُظهر أياً من الأعراض النمطيّة. في الواقع، يُشير فرويد إلى أنّ الحدود الفاصلة بين العُصاب والحياة الطبيعيّة يُمكن بالكاد تمييزها. فما قد يظهر من سلوكيّات ومشاعر في بيئةٍ ما أو ظرفٍ معيّن ويمكن تشخيصها على أنّها مرَضية أو سريرية، يمكن أنْ تكونَ "عاديّة" في بيئةٍ وظروفٍ أخرى، بل ويُمكن تشجيعها والمطالبة بالتكيّف معها.

لكنّ هذا لا يعني بأنّ "التكيّف" صحيّ في كلّ الحالات. على العكس، فهو نفسه الذي قد يخلق العُصاب، ومحاولاته هي التي قد تجلب الأعراض. رأى فرويد أنّ العُصاب يعمل عن طريق تجنّب جزءٍ من الواقع، دون إنكاره ولكن بمحاولة الهرب منه عن طريق كبت الأفعال والرغبات والأفكار.

ثمّ كتب في "الحضارة وسخَطها" بأنّ الكبت، وبالتالي العُصاب، هما ثمن العيش في المجتمع الحديث. المجتمع بالنسبة إلى فرويد لنْ يكون ممكناً إذا اتّبع الأفراد رغباتِهم دون القلق بكيفية وطريقة تأثيرها على الآخرين، فيضطرّون في كثيرٍ من الأحيان لمنعها وكبتها نظراً لأنّها تمثّل تهديداً لذواتهم وللآخرين وتشعرهم بالذنب، وربّما العار والخزي من انتهاك الحدود والقواعد، لكنّها تظهر لاحقاً في صورة أعراض عُصابية تأخذ أشكالاً مختلفة مثل الهستيريا والعُصاب القهريّ والرّهاب (يُطلق عليه فرويد مصطلح هستيريا القلق).

وفي حين لا يُشير الدليل الإحصائي والتشخيصي للاضطرابات النفسية DSM-V إلى "العُصاب" بل إلى الوسواس القهريّ والاضطرابات ذات الصلة، والتي تشمل السلوكيّات القهرية أو المتكرّرة مثل غسل اليدين أو قضم الأظافر أو شدّ الشعر أو العدّ وغيرها، اعتقد لاكان أنّ "الوسواس" متأصّل في حياة الشخص. وبذلك يتعامل التحليل النفسيّ مع هذه الحالة ليس على أساس الأعراض السطحية والظاهرة ولكن على أساس الآليات والبُنى النفسية التي تُنتج تلك الأعراض.

"أكون أو لا أكون؟"

كيف نفهم هذا وسط الجائحة؟ يشرح لاكان، مستخدماً مصطلحات هايدغر، أنّ العُصاب القهريّ هو في جوهره سؤالٌ يضعه الوجودُ أمام الذات ويُفقدها ثِقتَها بنفسها بارتباطه بدافع الموت. "هل أكون أو لا أكون؟"، "هل أعيش أم أموت؟"، "هل أنا حيٌّ أم ميّت؟"، فيأتي الجواب من خلال أفكار وأفعال وسلوكيات يقوم بها الفرد ويكرّرها ليبرّر بها وجوده وتُشعره بامتلاك السيطرة عليه، وقد تمكّنه من الهرب من موتٍ وشيكٍ أو كارثةٍ رهيبةٍ قد يُسبّبها لنفسه أو لأيٍّ من أحبّائه أو أقربائه.

يفتقد العصابيّ-القهريّ ثقته بنفسه، ويشعر بانعدام سيطرته على عالميه الداخليّ والخارجيّ وتحكّمه بهما، فيُصبح مهووساً بتفاصيل مُفرطة وأفعال وسلوكيّاتٍ مكرّرة تُثبتُ له عكس ذلك. يمكن رؤية مظاهر ذلك في الأعراض العاطفية؛ كالشكّ والشعور بالذنب والعتاب الذاتيّ. أو في ردود الفعل التي تتبع ذلك، مثل الانسحاب الاجتماعي والعزلة وتجنّب التجمّعات واللقاءات وما إلى ذلك. أو بتأثيره على عامل الزمن بارتباطه بالتردّد والشكّ حيال كلّ ما يقوم به الشخص، فيُفضل التأجيل والمماطلة خوفاً من أيّةِ "كارثة" قد تقع. 

ليست المشكلة في الدعوات الصحّية للالتزام بقواعد السلامة الصحيحة الآن، بل تكمن المشكلة في أنّ السلوكيّات القهرية -السمة الأكثر وضوحاً للاضطراب- ليست سوى استجابةً للعديد من الأفكار اللاواعية التي نعجز عن التعامل معها بشكلٍ سليم وتتأثّر بدورها بالثقافة والمجتمع والمخاوف الصحّية المشتركة.

يُشير الطبّ النفسي على سبيل المثال إلى ارتفاعٍ في حالات الوسواس القهري في عشرينيات القرن الماضي مع الإنفلونزا الإسبانية، أو بعدما بدأت الجهات الصحية تسليط الضوء على مخاطر مرض الزُهري. وفي الثمانينيات، بعدما أخذ فيروس نقص المناعة المكتسبة مساحةً واسعة في الإعلام والسياسة، وفي السنوات الأخيرة مع ازدياد المخاوف المتعلّقة بتغيّر المناخ والتلوّث البيئي. لذلك لا عجب أنْ تزداد المخاوف ويتنامى القلق حيالها مع هذا الفيروس.

يتطلّب اجتياز الجائحة كبتَ رغباتنا الفرديّة ومنعها لمصلحة المجتمع. ما يعني أنّ علينا في هذه المرحلة القبول بمعاناتنا النفسية وتحمّل عُصابنا الخاص من أجل أنفسنا والآخرين. لكنْ يقودنا هذا إلى سؤالٍ أكثر جوهريةً هنا: إلى أيّ مدى سنكون قادرين على التعامل مع شكل الحياة الجديد؟ أو كيف يمكننا -بعد هذا الحدث بالذات- أنْ نعمل من خلال عُصابنا على التعامل مع صدمات الواقع التي ستعود وتنفجرُ في وجوهنا مراراً وتكراراً؟