14 مارس 2020

غزّة جاهزة لمواجهة "كورونا"؟

غزّة جاهزة لمواجهة "كورونا"؟

لم تسجّل وزارةُ الصّحة في قطاع غزّة أي إصابة بفيروس "كورونا" حتّى ساعة كتابة هذه السطور. وعلى ما يبدو، فإنّ حكومة غزّة تُديرُ هذه الأزمةَ من مُنطلقِ خلو القطاع من هذا الوباء. لكن هذا الافتراض قد لا يبدو منطقيّاً في ظلّ استمرار عمل معبر رفح جنوب قطاع غزّة على الحدود المصريّة. كما أنّ معبر بيت حانون (إيرز) والذي أُغلِق مؤخراً، كان يعمل في فترة تسجيل الإصابات في "إسرائيل". في مقابل ذلك، لا يُخفى الناسُ في غزّة قلقهم من الظروف الصحيّة والاستعدادات المتواضعة، والتي لا تبشّر بإمكانيّة احتواء أو محاصرة الوباء في حال تسجيل إصاباتٍ به داخل القطاع المحاصر.

في حين أعلنت السّلطة الفلسطينيّة حالة الطوارئ لمدة شهر في مناطق الضّفة الغربيّة، رفضت حكومة غزّة أن يشمل هذا الإعلانُ القطاعَ. إلا أنّ بعض المؤسسات التعليميّة التي تعتبرُ سلطة رام الله مرجعيتها، كجامعة الأزهر، وجامعة الأقصى، وجامعة القدس المفتوحة، وحتى مدارس الـ"أونروا"، التزموا بقرار الرئيس محمود عباس إعلان الطوارئ. أمام هذا اضطرت حكومةُ غزّة لاتخاذ إجراءاتٍ موازيةٍ، منها مثلاً تعطيل المدارس لمدةِ أسبوعٍ، تم تجديدها أسبوعاً آخر، على أن يتم تقييم الأمور واتخاذ الإجراء المناسب سواء باستمرار العملية التعليمية أو تعليقها بدايةَ كل أسبوع.

وقد أعلنت حكومة غزّة عن سلسلةِ إجراءاتٍ احترازيةٍ لمنع وصول الوباء من الخارج، إلا أن ثلاثةَ عوامل في المشهد الغزيّ تجعل خوف الناس مشروعاً وتزيد من قلقهم؛ الظروف القائمة في غزّة من حيث الكثافة السكّانيّة المتطرّفة والبنية التحتيّة المدمّرة أولاً، والتي تنذر بإمكانيّة التفشّي السريع والخطير للوباء في حال وصوله. ثمّ أوضاع المعابر وسياسات الدخول والخروج في ظلّ هذه الأزمة، وثالثاً، قلّة الإمكانات والخبرات الطبيّة المطلوبة لمواجهة حالات الإصابة. 

كورونا في أكثر بقاع الأرض اكتظاظاً

يقطن قطاع غزّة قرابة 2 مليون نسمة على مساحةٍ لا تزيد عن 365 كيلو متر مربع. يعيشُ السواد الأعظم منهم في مخيمات اللاجئين، التي يزيد عدد القاطنين فيها عن 100 ألف نسمة، يعيشون في مساحةٍ لا تزيد في أفضل حالاتها عن 14 كيلو متراً، كمخيم جباليا شمال قطاع غزة مثلاً. تزيدُ هذه الوقائع من فرص تفشي الوباء بسبب تزاحم البيوت وملاصقتها لبعضها البعض. 

كما ينعكس هذا الواقع مثلاً في المؤسسات التعليميّة، حيث تعاني المدارس الحكوميّة والتابعة للـ"أونروا" من تكدّس الطلاب في الصفوف، ويصلُ عددُ الطلاب في الفصل الواحد في بعض المدارس إلى 50 طالباً.

ما يزيد هذا الواقع سوءاً هو ظروف البنى التحتيّة المدمّرة، والتي تؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على ظروف النظافة والصحّة في القطاع؛ 97% من مياه غزّة ملوّثة وغير صالحة للشرب، أزمة الكهرباء والبنى التحتيّة شكّلت ضربةً على محطات معالجة مياه الصرف الصحيّ التي تلوّث البحر والمياه الجوفيّة، وتلعب دوراً أساسيّاً في نقل الأمراض بين الناس. 

وبحسب تقرير منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة UNICEF حول النظافة في قطاع غزّة عام 2017، فإنّ 30% من بيوت غزّة غير موصولة بشبكة الصرف الصحيّ، 11% من بيوت غزّة تفتقد للمراحيض، و- 75% من بيوت غزّة تفتقد لوسائل آمنةٍ للتخلّص من النفايات الصلبة. 9% من البيوت في غزّة لا تمتلك مجلى لغسل اليدين، 17% دون غرفة استحمام، و11% من دون مجلى في المطبخ. 

في جانبٍ آخر، فإنّ عوامل كثيرة ستسهّل انتقال الوباء عبر المناطق المختلفة داخل القطاع. خلافاً للضفّة، يصعب تطويق منطقة انتشار الفايروس من خلال إغلاق المنطقة والقطع الجغرافيّ للمواقع التي تظهر فيها الإصابات، كما فعلت السّلطة في بيت لحم مثلاً. 

إداريّاً، يُقَسَّم قطاعُ غزّة إلى خمس محافظات، تمتد من الجنوب إلى الشمال، تبدأ بمدينة رفح وخانيونس، ثمّ المحافظات الوسطى، ومدينة غزّة، ومحافظات شمال قطاع غزّة. يتم التنقل بين هذه المناطق عبر طريق صلاح الدين والطريق الساحلي، إضافة لوجود منفذ غير رسميّ يتم استخدامه لمرور الشاحنات التجارية يمتد على الطول الشريط الشرقي المحاذي للحدود الإسرائيلية. إلا أن هذا المنفذ لا يخضع لنقاط مرور رسميّة تديرها شرطةُ المرور أو وزارة الداخليّة. وجود هذا الطريق واتّساعه، إضافةً إلى قربه من الحدود، قد يحول دون إمكانيّة تنفيذ القطع الجغرافيّ بين المناطق بشكلٍ كامل. كما يصعب القطع التام في ظلّ عدم وجود مستشفيات في بعض المناطق، كرفح.

سؤال المعابر

قبل أيام وتحديداً في 10 مارس/ آذار الجاري، وصل قطاع غزّة 500 معتمر قادمين السعوديّة حيث سُجِّلَت عدة إصابات بفيروس "كورونا". وأثناء وصولهم لمعبر رفح، كان تعامل وزارة الصّحة مقتصراً على إجراء فحصٍ روتينيّ لهؤلاء المعتمرين، أيّ أنّهم لم يخضعوا لحجرٍ صحيٍّ في المنطقة التي خصَّصَتها وزارة الصحة بالقرب من بوابة المعبر، وأرسلوا إلى الحجر المنزليّ. إلا أن البعض يخشى من عدم التزام هؤلاء العائدين من العمرة، وخاصّة فيما يتعلق بمنع استقبال المُهنئين والزوّار لمدة أسبوعين على الأقل.

وفقاً لتصريحات بعض المسؤولين العاملين في منطقة الحجر الصحيّ، فقد تم اتخاذ إجراء بحجر 6 حالات مشتبه بإصابتها لمدة أسبوعين، كانت قادمة من بلاد أصابها الوباء، وتحديداً القادمين من الصين. وتم رفع الحجر الصحيّ عن بعضهم بعد ثبوت عدم إصابتهم بالفيروس. لكنّ وزارة الصحة أو حتى المسؤولين في الحكومة لم يعلنوا عن هذا الإجراء، خشية أن يتسبَّب هذا الإعلان ببثّ الخوف والقلق لدى النّاس.

ليس بعيداً عن معبر رفح، تتجه الأنظار بقلق إلى معبر بيت حانون/ إيرز، الذي يُعدُّ منفذاً لتنقل وسفر الأفراد من الضّفة الغربيّة والأراضي المحتلة عام 1948 إلى قطاع غزّة وبالعكس. لم يُعلن عن إغلاق هذا المعبر إلا الأسبوع الماضي، وكان قبلها يعمل كالمعتاد. وبالنظر إلى طبيعة المسافرين عبر هذا المعبر الذين عادةً ما يكونون مرضى أو عمال يعملون داخل أراضي الـ48، إضافةً إلى أجانب زوّار أو من موظفي المنظمات الدوليّة، فإنّ احتمالية انتقالِ الوباء من هذا المنفذ تبقى قائمة في ظلّ تسجيل حالاتٍ مؤكدة في كل من الضفة الغربية و"إسرائيل". 

يذكر أن جيش الاحتلال قد أعلن في 11 مارس/آذار (وبعد انتهاء عطلة عيد المساخر اليهوديّ-الذي كانت فيه بعض المعابر مغلقة أصلاً) عن إغلاق معبر بيت حانون، إلا للحالات الاستثنائية والإنسانيّة، حتى تاريخ 14 مارس/ آذار، على أن يتم تقييم الوضع بعد ذلك، وفق تعبير الإعلان. يبدو ذلك متأخراً بعض الشيء، لأن المعبر كان يعمل في وقت سُجّلت فيه حالاتُ الإصابة بفيروس كورونا في "إسرائيل". وقدّ سُجِّلت من الأول من مارس/ آذار إلى السابع من نفس الشهر، أكثر من 11 ألف حالة مرور عبر معبر بيت حانون.

قلة الإمكانات والخبرة

وبطبيعة الحال، فإنّ الوضع الصحيّ في مستشفيات القطاع يشهد تدهوراً صعباً. بالنسبة للمشافي الحكوميّة التي تديرها وزارة الصّحة، والتي تُعتبر الأقدر على التعامل مع حالات "كورونا" -إن وُجِدت، فيبلغ عدد الأسرّة فيها 2000 سرير، فيما تصل نسبة الإشغال اليوميّ لهذه الأسرّة في الوضع الطبيعي إلى 90%، أي أن نسبة الشاغر من هذه الأسرة لا يزيد عن 200 سرير. هنا لا بدَّ من طرحِ تساؤلٍ للمسؤولين في غزّة عن خُططِ الوزارة التي أعدتها لتجهيز غرف عزلٍ في مشافيها، يُمكن فيه عزل المريض لمحاصرة الوباء.

في المقابل، فإنّ ما نعرفه اليوم هو أن وزارة الصّحة أقامت منطقة حجر صحيّ بالقرب من معبر رفح على الحدود المصرية في 20 فبراير/شباط الماضي. تضمّ هذه المنطقة 30 سريراً خُصّصت لحجر المشبته بإصابتهم بفيروس "كورونا"، وخاصّة من عادوا من الدول الموبوءة. ومن المتوقع أن يُضاف إلى هذه الأسرّة 54 سريراً إضافيّاً. وتقول وزارة الصّحة إنّها كذلك تعمل لإقامة مستشفى ميدانيّ بالقرب من هذه المنطقة، متوقع أن يجهز بعد 3 أسابيع، على أن يضمّ غرف عمليات وطاقم أطباء متخصص للتعامل مع الحالات المصابة بالوباء ليتم علاجها بعيداً عن المستشفيات.

في ذات السياق، فإنّ ما نعرفه حتى اللحظة أن هناك جهاز فحصٍ مخبريّ وحيد في غزّة، مُخصص لفحص عينات من المشتبه بإصابتهم بالفيروس. وقد أدخلت منظمة الصحة العالمية هذا الجهاز للقطاع قبل أيام، وأدخلت معه 200 شريحة فحص فقط، وهي الشرائح التي تستخدم لأخذ العينات وفحصها، ولمرة واحدة فقط. وقد قامت وزارة الصحة بتخصيصها لفحص الحالات القادمة من الخارج، وتحديداً من البلاد الموبوءة.

هذا وضع يفاقمه نفاذ مخزون الصيدليات في غزّة من العقاقير والأدوية اللازمة لتفادي الإصابات، بما فيها الكمامات وأدوات التعقيم اللازمة. وقد زاد سعر الأخيرة أضعافاً عن سعرها الطبيعيّ، بل أن بعض الصيدليات نفذ مخزونها من هذه السلع نتيجة الطلب المتزايد عليها من الناس. كما أن القطاع يشهد تناقصاً في مستلزمات الرعاية الأوليّة، والتي استهلكت بكثرة لعلاج مصابي مسيرات العودة الذين تجاوز عددهم 30 ألف إصابة، والذين ما يزال جزء كبير منهم تحت الرعاية الطبية.

تضع هذه المعطيات صانع القرار في غزّة أمام تحدٍ للتعامل مع واقعٍ صحيٍّ ومعيشيٍّ متردٍ يُطلب منه التعامل مع أزمة وباء بات يهدد العالم. كما أنّها تُذكّرنا بما يجب تذكره دوماً: الحصار الذي بلغ عمره -حتى اللحظة- 13 عاماً وما تركه من آثار على القطاع وأهله.