9 يونيو 2019

"حارة المغاربة".. جارة الأقصى التي دُمّرت بُعيد النكسة

"حارة المغاربة".. جارة الأقصى التي دُمّرت بُعيد النكسة

خلال أيام قليلة من احتلال شرقي القدس عام 1967، هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي غالبية منازل حارة المغاربة المجاورة للمسجد الأقصى من جهته الغربيّة والجنوبيّة، وشردّت المئات من الفلسطينيين، بعضهم كان ذلك تهجيراً ثانياً بالنسبة له، بعد أن لجأ للحارة إثر حرب عام 1948. تشكّل حالة الهدم هذه أولى عمليات الإزالة والمحو الجغرافيّ والبشريّ بعد عام 67، والذي ما زالت تنتهجه "إسرائيل" حتى اليوم في المدينة المحتلة.

نُقدّم هذه الترجمة لمقالٍ إسرائيليّ يعرض جانباً من الرواية الإسرائيليّة حول الهدم ومخططاته، ومدى وضوح عمليات اتخاذ القرار التي أدّت إليه؛ إذ يزعم البعض أن "أحداً لم يتحمل المسؤولية رسميّاً عن هدم الحارة"، وأنها جاءت سريعة التنفيذ لتجنب الانتقادات الدوليّة.

نُشر المقال بعنوان "الحارة التي وجدت مقابل حائط المبكى" في مجلة "عت-مول، جريدة عن تاريخ أرض وشعب إسرائيل"، صادرة عن معهد ياد بن تسفي. العدد 250، أبريل/ نيسان 2017. تناول هذا العدد من المجلة مواضيع تخصّ القدس بمناسبة مرور 50 عاماً على احتلالها. كتب المقال شموئيل باهط (طالب دكتوراة في قسم "إرث إسرائيل"، في جامعة أريئيل، مرشد ومحاضر في شؤون القدس).

يمكن الوصول للنص الأصلي (باللغة العبريّة)، هنا.


ليلة السبت، العاشر من يونيو/ حزيران 1967، وقع الحدثُ الأكثر تأثيراً في تشكيل البلدة القديمة في القدس بعد حرب الأيام السّتة، هدم حارة المغاربة، التي كانت ملاصقةً للحائط الغربيّ. بعد أيام قليلة من احتلال جنود جيش الدفاع الإسرائيليّ للبلدة القديمة، هُدِمَتْ تقريباً كلُّ بيوت الحارة في ليلةٍ واحدةٍ. هكذا تحوّل الزقاق الضيّق بمحاذاة الحائط الغربيّ، الذي كان عرضه أقلّ من أربعة أمتار، إلى ساحة كبيرة ومفتوحة، يُمكن أن تستوعب عشرات الآلاف في وقتٍ واحدٍ.

أُسِسَت حارة المغاربة كما يبدو نهاية القرن الثاني عشر على يد الحاكم الملك الأفضل، ابن صلاح الدين الأيوبيّ. منذ القرن الرابع عشر كانت غالبية بيوت الحارة، وبما فيها الزقاق المحاذي لحائط المبكى، ملكاً لوقف أبي مدين. أُسِسَ هذا الوقفُ الإسلاميُّ في القدس عام 1320 لتوفير احتياجات الزائرين والمُقيمين المغاربة؛ مسلمي شمال إفريقيا.

كانت في تلك الحارة مبانٍ سكنيّة كثيرة، ومؤسسات تعليمية وضيافة، وكذلك أماكن للدفن. كلّ ذلك بُني على مدار 800 عام؛ من الفترة الأيوبيّة وحتى نهاية الحكم الأردنيّ في القدس عام 1967. في وصفهم للمدينة، ذكر رحالةُ القرن التاسع عشر حارةَ المغاربة في القدس كحارةٍ خامسةٍ في القدس (إضافةً للحارة الإسلاميّة، المسيحيّة، واليهوديّة، والأرمنيّة)، واعتُبِرَ سُكانُها جماعةً مختلفةً داخل المجتمع المسلم داخل الأسوار[مع أن أدبيات أخرى تُشير إلى أن هذا التقسيم الإثني والديني لم يكن سائداً في القدس قبل الاستعمار البريطاني].

"يجب تنظيف المكان"

حتى اليوم، هناك شكوك حول مصدر المبادرة في هدم حارة المغاربة وحول عملية اتخاذ القرارات التي سبقتها. يبدو من مصادر مختلفة أنّ الشُّركاء الأساسيين في قرار هدم حارة المغاربة كانوا: ضابط المنطقة الوسطى عوزي نركيس Uzi Narkiss، ورئيس بلدية القدس تيدي كوليك Teddy Kollek. هناك من يدّعي أيضاً أنّ وزير الدفاع موشيه ديان Moshe Dayan عَلِم بنيّة هدم الحارة وصادق على تنفيذها.

حسب وصف الصحفيّ عوزي بنزيمان Uzi Benziman، بدأت قصة هدم حارة المغاربة في السّابع من يونيو/حزيران، وهو اليوم الذي احتُلت فيه القدس الشرقيّة. في ذلك اليوم، اقترح إيتان بن موشيه Eitan Ben Moshe، وهو ضابط كبير في سلاح الهندسة ضمن لواء المنطقة الوسطى، أمام شلومو لاهط Shlomo Lahat، الذي كان الحاكم العسكري المُعيّن للقدس، اقترح أن تتم إزالة مراحيض كانت ملاصقة للحائط الغربيّ.

في اليوم التالي، الثامن من يونيو/حزيران، زار دافيد بن غوريون David Ben-Gurion الحائط الغربيّ، بمرافقة يعكوف يناي Yakoov Yanai والذي كان حينها مديراً لسلطة الحدائق القوميّة، وشمعون بيرس Shimon Peres، الذي كان حينها الأمين العامّ لحزب "رباي"، والصديق المقرّب لبن غوريون، بالإضافة إلى الضابط عيزر وايزمن Ezer Weizman، رئيس قسم العمليات في قيادة الأركان العامة، وتيدي كوليك رئيس بلدية القدس. في تلك الزيارة، قال بن غوريون ليناي بلهجة قاسية: "ألا تخجل من نفسك؟ انظر هنا، حمام بالقرب من المبكى؟!". دافع يناي عن نفسه وقال: "فقط البارحة وصلنا هنا"، وبعدها استمر بن جوريون في توبيخه قائلاً: "مع ذلك، لا يمكن تحمّل هذا". أخبر يناي تيدي كوليك الذي كان واقفاً بقربهما عن المحادثة مع بن غوريون، وختم: "يجب تنظيف المكان، يجب أن نعطي للمبكى صورة مناسبة له". أجاب كوليك فوراً: "سأقوم بذلك، يجب الحديث مع الجيش".

يوم السبت، العاشر من يونيو/ حزيران، نُظم اجتماعٌ في بيت كوليك بمشاركة الأثريّ وقائد الأركان السّابق يجئال يدين Yigael Yadin، وحضور كلّ من يعكوف يناي والمهندسين دان طناي وأرييه شارون، كممثلين عن سلطة الحدائق القوميّة، إضافة إلى المؤرخ والأثريّ ميخائيل آفي يوناه Michael Avi-Yonah، ونائب الحاكم العسكري لشرقيّ القدس يعكوف سلمون Yaakov Salomon.

شرح كوليك للحاضرين هدف الاجتماع؛ التخطيط لهدم حارة المغاربة. وُضِعَت المسؤولية لتنفيذ المهمة على سلطة الحدائق القوميّة، وتحديداً على أكتاف مهندسها دان طناي. في المقابل، طلب جيش الدفاع وقسم الآثار ألا يتدخلوا في تنفيذ المهمة بشكلٍ علنيّ، لكنهم قدّموا مباركتهم ومساعدتهم كذلك.

بعد انتهاء الاجتماع خرج عدد من المسؤولين عن الهدم إلى جولة في المكان، وقرروا هدم قسمٍ كبير من الحارة بهدف خلق ساحة كبيرة أمام حائط المبكى. كان من المفترض أن تبقى مجموعة من البيوت القريبة للمبكى والواقعة إلى الجنوب منه، (بيوت آل السعود)، وأن تسلم من الهدف، وكذلك طريقان كانا بمحاذاة السّاحة من الغرب ومن الشمال. من بين المناطق التي أعدت للهدم كان من المفترض أن يبقى في مكانهما موقعان اثنان مُقدّسان للمسلمين: مسجد البراق، وقبر أحد الشّيوخ. علّم المخططون على رسمٍ للحارة الأماكنَ المعدّة للهدم، وطلبوا الإبقاء -إن أمكن- على عدد من الحيطان التي قَسَّمَت المنطقة المعدّة للهدم إلى جزءين، وبالذات الحائط الذي يواجه زقاق المبكى من الغرب ويفصل بينها وبين الحارة. مع ذلك، كانت هناك فجوة بين الخطّة التي رُسِمَت ظهر ذلك السبت، والتي كانت مُقيّدةً في نطاقها، وبين التنفيذ الفعليّ في الميدان. كانت حدود المنطقة المُعدّة للهدم واضحةً في الخطة، ولكن فعليّاً تم تجاوز تلك الحدود وهدم أكثر مما هو مُوضحٌ في الخطّة.

وصل ليلة السبت إلى المبكى أعضاءٌ من "منظمة المقاولين والبنائين في القدس"، وبالذات الكبار منهم، والذين لم يكونوا قد استدعوا للجيش وقتها. بعد أن صلّوا بانفعال وردّدوا صلاة ختم السبت [ما يُسمى صلاة "هفدلا"]، أمرهم بن موشيه بإزالة المباني التي تحوي المراحيض الملاصقة للمبكى. العمّال، الذين كانوا مُشبعين بوعي أدائهم مهمة تاريخية، وبمشاعر روحانيّة، عملوا بنشاطٍ وحماسٍ شديدين. بدايةً، بدأ العمالُ بتحطيم المراحيض باستخدام المطارق، ولكن الأمر استغرق وقتاً طويلاً، فيما قرر بن موشيه أن يجلب للمكان أدواتٍ ثقيلةً لإنهاء المهمة بسرعة. جُلِبت إلى المكان جرافاتٌ هدمت بيوتَ الحارة واحداً تلو الآخر.

مع بداية الهدم، أخلي سكان الحارة من بيوتهم، وانتقلوا للعيش في أماكن سكنيّة مؤقتة في الحيّ الإسلاميّ وأحياء شعفاط وبيت حنينا وسلوان، حتى إسكانهم النهائيّ في أماكن مختلفة في أنحاء المدينة [بعضهم هُجّر إلى الأردن ومنها إلى المغرب كذلك، كما يذكر الباحث نظمي الجعبة في كتابه "حارة اليهود وحارة المغاربة في القدس القديمة"]. تلّقى السكان تعويضات عن شققهم ومتعلقاتهم. خلال زمن قصير هُدمت الحارة تقريباً بالكامل (ما عدا مجموعة بيوت هُدمت بعد ذلك بسنتين). واجهت الساحةُ الجديدةُ التي وُجِدَتْ بفعل الهدم امتحاناً مباشراً: عيد الأسابيع، الذي بدأ في نفس الأسبوع، إذ زار الحائط الغربيّ حينها مئات آلاف الأشخاص.

منفّذو مهام يندفعون في دُجى الليل

مع انتشار خبر هدم حارة المغاربة لدى النّاس، بالذات بعدما شاهدت الجماهيرُ بأمِّ عينيها اختفاء الحارة وخلق ساحة كبيرة، ظهرت انتقاداتٌ مختلفةٌ على ما حصل. جزء من تلك الانتقادات تعلّق بالإخلاء المستعجل لسكان الحارة، قبل أن توجد لهم أماكن سكن بديلة. أول المنتقدين للهدم من هذه الزاوية كان وزير الأديان الدكتور زراح فارهفتغ Zerach Warhaftig الذي وصل لزيارة المكان مع وزراء الحكومة الآخرين في 11 يونيو/ حزيران، بعد ساعات قليلة من إتمام المهمة، وتساءل عن قانونيتها.

كذلك، أثار تنفيذ الهدم على عجالة وفي حلكة الليل، وحقيقة أن أحداً لم يتحمل المسؤولية المُعلنة عن قرار هدم الحارة، انتقاداتٍ شتى. في 21 يونيو/حزيران كُتب في جريدة هآرتس التالي: "شيءٌ مُحيّر أن تغييراً متطرفاً كهذا في المكان الأكثر قداسةً لدى اليهودية، تلك القاطنة هنا أو الموجودة في الشتات، نُفِّذ في حلكة الليل، ومن قبل منفّذي مهام مندفعين من دون أيّ نقاشٍ شعبيٍّ، وبدون أن يُكلّف أيٌّ من منفذي الهدم أنفسهم بالحصول على التصاريح المناسبة من أصحاب التخصص المعتمدين. حتى الآن لا يمكن أن نفهم من قرر فعلياً هدم الحارة. المنخرطون في الموضوع يقولون: هذا حصل.. هذا ولد من تلقاء نفسه".

شاي عجنون، الذي يقع بيته في حيّ تلبيوت، والذي أصيب في أحداث 1929 [ثورة البراق]، قال لمراسل هآرتس عوزي بنزمين: "جيّد أنهم هدموا الحارة. لقد كانت حارة ضيّقة كبيرة". ولكن بعد ذلك أضاف: "ربما كان يجب إبقاء الحارة وإدخال رساميين يهود إليها. أنا لا أتحمل الهدم بتاتاً، لو سئلت عن ذلك لم أكن لأشجع الهدم".

وهكذا، وُجِّه النقد الأساسي بخصوص الهدم بالذات نحو الجوانب التصميميّة الرمزيّة: تأثير الساحة الكبيرة على مظهر الحائط الغربيّ، على صورته، وعلى تجربة زيارته والصلاة بقربه. بشكل متناقض، فإن نشوء ساحة ضخمة مقابل الحائط الغربيّ صغّرت الحائط نفسه في عيون الزوار. قبل هدم حارة المغاربة، تعالى الحائط الغربي فوق الزوار والمصلين في الزقاق الضيّق أمامه وأبقى لديهم تأثيراً لحائط يُشكّل معلماً تاريخيّاً.

بالمقابل، فإنّ خلق ساحة يزداد طولها واتساعها عن عشرات الأمتار جعل الحائطَ يتضاءل في عيون المراقب. الآن يبدو الحائط هامشيّاً بالنسبة للساحة، ويبدو "صغيراً ومسكيناً"، كما قال مقاتل من حرب الـ1967، بعد شهر تقريباً من إنشاء السّاحة. ("صفة الحائط الغربيّ"، معاريف، 10.07.1967).

في جريدة "دافار" وصفت ردود أفعال الزائرين للحائط كالتالي:

"هكذا شكله؟"، يقول يمني عجوز. "قرأتُ في الجريدة أنهم هدموا البيوت وساووا الساحة مقابل المبكى، ولكن لم أتوقع أنهم أنشأوا هنا مدرجاً". "انظروا، كيف يظهر المبكى صغيراً"، يقول أحدهم. "في الزقاق الضيّق، كان المبكى يبدو جداراً ضخماً، في الساحة الضخمة يبدو بائساً" (دافار،23.06.1967).

هناك مُركِّبان إضافيان يتعلقان بتجربة زيارة المبكى والصّلاة فيه قديماً، كانوا مفاجأة في اللقاء الفجائي معـه وإحساس الحميمية في الموقع. كانت الطريق للموقع تمرّ بين البيوت القليلة والأزقة الضيّقة في حارة المغاربة، كانت تلك المباني تُخفي المبكى من عيون الزوار إلى حين وصولهم إلى أعتابه فعلياً. كما وصف "يوسف كلاوزنر" [زيارة الحائط قديماً قبل هدمه]: "فجأة، بشكل فجائي حقيقة، يرتفع، لا، إنما يبرز أمام أعيننا بضربة واحدةٍ حائطٌ عالٍ منتصف. لم نره إلا في اللحظة الأخيرة، بعدما اقتربنا إليه. عنصر المفاجأة والظهور اختفى إلى غير رجعة، ومعه شعور التوّحد في الزقاق الضيّق المغلق". لذلك، فإنّ كثيرين عبّروا عن خيبة أملهم من العمل الذي أجري باستعجال، وغيّر بالنسبة لهم بشكل أساسيّ تجربة الزيارة والصلاة بالقرب من الحائط الغربيّ.

"على عتبة استقلال الشعب"

على عكس النقد الذي عُرِض أعلاه، كانت هناك أصوات صادقت على هدم الحارة. في 16 يونيو/ حزيران، بعد يومين من عيد الأسابيع، قال رئيس الدولة زلمان شازار Zalman Shazar إنّ "توسيع ساحة المبكى كان ضرورياً بسبب التدفق البشريّ الكبير إليه". يهودا هإزراحي، الكاتب والصحفي المقدسيّ، وصف فعل الهدم بانفعال، حسب أقواله فإنّ المبكى قبل الهدم كان "مبكى دمعات استسلام وذل"، والآن هو حائط مبكى مختلف، على عتبة نهوض واستقلال شعب". (جيلاً فجيل والمبكى لنا"، معاريف، 11.08.1967). كما كان هناك من ذكر أنّ فِكرة هدم الحارة طُرِحت في نهاية القرن التاسع عشر من قبل البارون روتشيلد، وادّعوا أن السّاحة المُضاءة والكبيرة التي نشأت بفعل الهدم تُضيف احتراماً وبهاءً للمبكى.

دفع تيدي كوليك -أحد مهندسي عملية هدم الحارة- بحزمٍ وعزمٍ مختلف أشكال النقد الموّجه لهدم الحارة.  ردّاً على سؤال الصحفيّ ناحوم فوندك، "ما هو الأمر الأكثر أهمية الذي وقع في البلدة القديمة بعد يوم التحرير؟"، أجاب كوليك بحسم: "تنظيف الساحة بقرب حائط المبكى". علّق مُجري اللقاء على جواب كوليك بأن ذلك الحدث -حسب رأيه- "فضيحة شعبية، أن تحوّل مكاناً لصلاة الأجيال إلى ميدان لملوك إسرائيل، ميدان قذر وصاخب، مع عربات الأطفال وقشر البرتقال وأناس يصرخون". أجاب كوليك على ذلك: "هذا هو الشيء الأكبر الذي استطعنا فعله. ومن الجيّد أننا قمنا بذلك فوراً.. كان ذلك مكاناً يحمل روح الشتات، مكاناً للبكاء. ممكن أن ذلك كان مقبولاً في الماضي، لكن هذا ليس ما نريده في المستقبل يوماً ما سنحفر المبكى ونستعيده كما كان في الماضي، وسيقف بكل بهائه، كما كان جزءاً من معبد القدس. وهذا ما سيناسب مستقبل القدس الموّحدة".

في نظر كوليك، فإنّ الأصوات التي عبّرت عن خيبة أملها من المظهر الجديد لحائط المبكى والساحة المحاذية له نبعت من مظهر حائط المبكى قديماً ومن الحنين إلى ذكراه. هذا المظهر العتيق لم يعد مناسباً، حسب رأي كوليك، لحاضر ومستقبل القدس الموّحدة تحت الحكم الإسرائيلي السياديّ.

خلال وقت قصير نُسيت تلك الانتقادات. بعد سنة من الحرب، عندما سُئل كوليك إن كان من المبادرين لهدم حارة المغاربة، أجاب: "نعم، ولست نادماً على ذلك. لم يكن للعاصفة التي أثيرت حينها بالنسبة لحارة المغاربة أيّ داعٍ البتة، ويدلّ على ذلك أنها نُسيت تماماً بعد أن تبيّن أن ما قمنا به كان ضرورياً". (دافار، 24.05.1968).

بعد مرور عدة سنوات، وخلال نقاش في الكنيست حول موضوع كشف الحائط الغربيّ في جهته الشّمالية، قال كوليك: "ذكرت هنا تلك الفترة التي كان لي فيها حقّ القيام بالأمور، الفترة التي لم نحتاج فيها إلى القرارات، لا قرارات الحكومة، ولا قرارات الكنيست، ولكن هذه الفترة انتهت خلال أيام معدودة. كانت تلك الفترة التي فيها عيون العالم متجهة نحو أشياء أخرى، إذ كانت المعارك ما زالت مستمرة في الجولان، وكان -حينها- بإمكاننا فعل الأمور".

على الرغم من ذلك، فإنّ الانتقادات الموجهة على تشكيل الحائط الغربي والتي تعلّقت بالإضرار بتجربة الزيارة والصلاة في الموقع، استمرت في إشغال الفاعلين في تخطيط ساحة المبكى. عُرّفت الساحة الواسعة التي نشأت بفعل الهدم، والتي بقيت خالية من أي عنصر معماريّ، عُرّفت كساحة مؤقتة فقط. وهكذا طالب الفاعلون في تشكيل الساحة في الأشهر والسنوات اللاحقة أن يُعاد للمبكى شيءٌ من المظهر الذي فقده مع إنشاء الساحة أمامه.